روح التشريع ومقاصد غاياته يجب أن تواكب متغيرات الزمان والمكان وحكمة الدية فى تلبية متطلبات حفظ النفس وجبرها بما يتوافق مع حفظها من الضياع ، وأن تقدير الدية لم يترك للامزجة والتعسف، ونلاحظ فى الوقت الراهن عدم تناسب قيمة الديات مع تقديرات الوضع الاقتصادى مما جعلها غير رادعة وغير زاجره ، ولا تتناسب مع صون النفس وحمايتها. ومما لا نزاع فيه أن متغيرات الزمان فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية أصبحت ضرورة تجب مراعاتها فى تقديرات المشرع فى الأحكام. وكذلك مستجدات العصر تقتضي اعادة النظر فى تقدير الأحكام الخاصة بالدية ، باعتبار الحكم على الشيء فرع من تصوره وتابع له. ولم يختلف أحد على أن عالمية الإسلام وشموله اقتضت أن تتغير الأحكام بتغير المكان أو بتغير الزمان فلا يعقل أبداً أن يثبت الحكم على اختلاف الأزمنة والأمكنة فلم يقل أحد أن الشريعة جامدة ليس فيها سعة أو مرونة أو أنها تقف عند زمن واحد وفكر واحد بل أن هناك العديد من الأحكام التي أقر الفقه صراحة بلا مواربة بتغيرها بتغير الزمان. تعريف الدية: والدية في تعريفها من ناحية اللغة "هي المال الذي يدفع للمجني عليه أو لورثته من بعده سواء كانت الجناية في النفس أو دون النفس وسواء كانت الجناية عمداً أو خطأ وقد سمي هذا المال في القرآن دية لقوله تعالى (ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) سورة النساء الآية( 92). وسمي المال المدفوع في الإصابات التي دون النفس أرشاً كما سمي دية فالمال المدفوع في القتل يسمى دية ولا يسمى أرشاً لكن فيما دون النفس يمكن أن يسمى أرشاً أو دية على حد السواء. وأما دية الإصابة الخطأ فيما دون القتل فهي على نوعين: الأول: ما حدد له الشرع مقدارا معينا من الدية، كما في قطع الأطراف والجراح خطأ حيث جاء تحديد الدية في قطع الأطراف بأن ما كان في الجسم منه عضو واحد كالأنف والذكر واللسان ففيه الدية كاملة، وما كان عضوين ففيه نصف الدية، وأن الدية واجبة في إذهاب المعاني: كالسمع والبصر والعقل، وأما الجراح فقد حدد الشرع عقوبة بعضها دون بعض، فجعل أرش الموضحة خمسا من الإبل "أي نصف عشر الدية"، (الموضحة هي الجروح التي تبدي بياض العظم)، و أرش الهاشمة عشرا من الإبل "أي عشر الدية"، وفي الأمة والدامغة ثلث الدية. الأرش المقدر: وهى الشجاج من الجراح وهو الدية المقدرة شرعاً للجناية على مادون النفس، وهو ما جاء في كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل اليمن «في الرِّجْل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة (وهي الجرح الذي يصل إلى أم الرأس) ثلث الدية، وفي الجائفة (وهي الجرح الذي يصل إلى الجوف) ثلث الدية، وفي المنقلة (وهي الجرح الذي ينقل العظم من مكانه) عشر من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة (وهي الجرح الذي يوضح العظم) خمس من الإبل. الثاني: ما لم يحدد الشرع له مقدارا معينا، بل ترك الأمر فيه لأهل الخبرة في ذلك لتقدير مدى الضرر الواقع، والقاعدة العامة في الشريعة: أن كل تلف أو جرح لم يحدد له الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- دية أو أرشا فيه حكمة، وهي ما يحكم به القاضي بناء على تقدير أهل الخبرة بحيث لا يمكن أن يصل الحكم إلى الدية أو الأرش الذي عينه الشرع للتلف أو الجرح الذي يليه في الشدة. الأرش غير المقدر: وهو التعويض على الجناية على النفس التي لم يرد فيها تقدير في نص شرعي، وإنما يقدره القاضي بالاستعانة بأهل الرأي والخبرة من الأطباء ، ويختلف تقديره بحسب جسامة الجناية وضررها المترتب عليها وإذا كان القصاص حقاً للمجني عليه أو ولي الدم فإن الإسلام شرع الدية في المقابل كعقوبة بديلة مع القصاص في حالة سقوطه أو صدور عفو من أصحاب الحق في القصاص وقرر الدية كعقوبة أصلية في حالتي القتل والجرح شبه العمد والخطأ. متلازمة الحق الشرعى والأداء التعويضى من حيث الكفاية وتقدير الدية، ولم يعين الله تعالى في كتابه قدر الدية، والذي في الآية وجوبها مطلقا، وليس فيها وجوب على العاقلة أو القاتل، وإنما ذلك كله من السنة المشرفة، وقد أجمع أهل العلم على وجوب الدية. وجوب الدية يقتضي السلامة والكفاية فى تقديرها ،هناك اتفاق من جماهير أهل العلم على أن الإبل تُستخدم كأصل في الدية ، ولكن هناك أيضًا خلاف حول ما إذا كانت هي الأصل الوحيد المستند إليه في الديات أم أنه توجد أصول أخرى كالبقر والذهب . الحكمة من مشروعية الدية: تسكينٍ وتطييبٍ للنفوسِ الثائرة وتعويضٌ لهم عن بعض ما فقدوه من نفع المقتول او المفقود من الاعضاء ، صيانة للنفس عن الإهدار والبطلان، ودفع الفساد، والزجر والردع والقضاء على الجريمة . ختاما: كثير من التشريعات تقتضي اعادة النظر وتقديرها وفق متغيرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وما تفرضه الشريعة تقتضيه الضرورة ، «الحكم على الشيء فرع عن تصوره»، وأن أهم هذه التشريعات أحكام الديات حتى تتناسب مع قصد المشرع وتقدير حكمته فى صيانة النفس البشرية ، كيف يتصور العقل البشري السليم والفطرة السليمة ان النفس البشرية واعضائها لاتجد الكفاية فى التقدير ومراعاة المشرع لها ، الأمر الذى يوجب على المشرع والجهات المختصة اعادة النظر فى تقدير الأحكام الخاصة بالديات فى السودان تحياتى ،،، [email protected]