تناول أبوعلي أكلاب كل مايهم الشرق في كل المجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع حيث تناول مشاكل إنسان الشرق من فقر وتنمية ، تناول من بعد ذلك شخصيات أضاءت قناديل العطاء في شرق السودان ، ودلف من هناك إلى الرياضة والفنون والشعر والمديح فرسم صورة متكاملة للتعريف بشرق السودان ، فعرف الناس بالإضافة لمشاكل شرق السودان قبائل شرق السودان وإنسانه وفنون الشرق ومناطقه مثل غابة تنمتاى واورياب . هنا نقف معه في دنيا الرياضة وطرفي قمة كرة القدم بكسلا ، ونرجو التنبيه هنا إلى أن هذا العنوان لم يأتي هكذا في مؤلفات أبوعلي أكلاب ، بل قمنا بوضعه بعد جمع هذه المادة من أجزاء مختلفه من مؤلفاته . يقول أبوعلي كلمة (ميرغني) تتكون من جزءين ( أمير ) وتعني في اللغة الفارسية (شريف) وغني كلمة عربية و(ميرغني ) تعني (الشريف غني) ، أطلقها العلماء الفارسيون على (جد المراغنة) وذلك بعد أن دخلوا معه في جدل فقهي وديني وحينما أُعجبوا بغزارة علمه أرسلوا له الهدايا النفيسة ، فرفض الميرغني الهدايا لزهده فسموه ( الشريف غني ) وهم يقصدون (غنى النفس) وإلى ذلك الشريف ينتمي السادة المراغنة الذين جاءوا إلى السودان (محملين ) بالعلوم وبثوا نور القرآن في غياهب الوطن وتمازجوا مع أهله السمر ونفوسهم مترعة بعزة النفس وصدق العبادة . كلمة التاكا في لغة البجا تعني الشموخ والرفعة ومدينة كسلا اسمها في كتب التاريخ القديم ( مدينة التاكا ) ، وجبال التاكا هي التي استظل بمروجها ووديانها السادة المراغنة لذلك ماأن تذكر التاكا حتى تتقافز إلى الأّذهان كلمة الميرغني لإرتباطهما معاًوإلى السادة المراغنة يرجع فضل نشر الفكر الإسلامي في شرق السودان واريتريا اختارني أهل التاكا أن أكون رئيساً لهذه المؤسسة العملاقة عام 1983م ، وكانت نقطة تحول في حياتي الاجتماعية ، استطعت أن ألج عبرها في بحر زاخر من المعارف ، كانت انطلاقة جديدة أضفتها لمساري السياسي والاجتماعي . مجتمعات الرياضة دول قائمة بذاتها ومدارس تعج بالإخلاص والأمشاج تتلاقح في ميادينها الأفكار لتجمع كل التشكيلات السياسية والفكرية في نسق اجتماعي ، والعلاقات الاجتماعية أقوى من العلاقات السياسية . ظللت أبحر في هذه اللجج المتلاطمة من المعارف والعلاقات الجديدة حتى تسلحت واستفدت كثيراً بمعرفة الرجال ، دعاني الأخ سعد عمر "قرينات " في زيارتي الأخيرة لمدينة كسلا وهو قطب كبير وعاشق لنادي التاكا لدرجة"الوله " لزيارة نادي التاكا في إحدى الأمسيات لأقف على نشاطه وأتعرف على إدارته ، قبلت الدعوة ولكن لظروف اجتماعية طارئة لم أتمكن من الزيارة والإيفاء بذلك الوعد ، ولم أجد رقم هاتف للاعتذار ولا يعفيني ذلك من اللوم وهو عذر أقبح من الذنب . سافرت عائداً إلى الخرطوم وبيني وبين أهل التاكا شجون عالقة في القلب ، تم اختياري رئيساً لنادي التاكا مرتين عام 1983م و 1992، كانت كرة القدم وقتها مزدهرة في كسلا والسودان عامة ، خلال فترة رئاستي الأولى كنت قيادياً في حكومة الإقليم الشرقي ( أيام مايو) وكان حاكم الإقليم الشرقي آنذاك حامد علي شاش والرجل رياضي مطبوع ولاعب كرة قدم ماهر بهلال السودان في بدايات حياته لذلك كان يسهم في العمل الرياضي ويداوم على حضور المباريات . تزامنت رئاستي لنادي التاكا مع روساء عملاقة في الأندية المنافسة ، كان العمدة بابكر أحمد جعفر عمدة كسلا رئيساً لنادي الميرغني الصديق اللدود لنادي التاكا ، وكان الرجل الفنان إبراهيم عبده رئيساً لنادي حي العرب بورتسودان والإداري المرموق محمد علي كير رئيساً لنادي الهلال بورتسودان المنافس التقليدي لنادي حي العرب هولاءأساطين الكرة والإدارة كنت اعتز بعلاقتي معهم ومعرفتهم وأسعى للإلمام بتجاربهم . . أيام رئاستي لنادي التاكا كانت دار الرياضة تزدحم بالمشجعين وتمتلئ جوانبها بعشاق كرة القدم ليستمتعوا بالإبداع والفنون " يوسف الأمين " من التاكا وآدم كوتة الساحر وعماد والسد من التاكا أيضاً ، عاطف بيرنفي قائد فريق الميرغني وهو يأمر وينهي زملائه اللاعبين داخل الملعب وهاشم كجر الذي كان يتلاعب بالألباب وهو يستلم الكرة ويمر ، وجمهور كسلا جمهور ملهم وذواق ومحب لكرة القدم . يبتدئ ذلك بتزاحم الآلاف من المشجعين صوب دار الرياضة والتشجيع الحار من أسباب إذدهار كرة القدم ، تزدان اللعبة أيضاً بالحكم الفنان صالح آدم الملقب ب "اب دبوس " مع احترامي للحكام الآخرين ، ينهي ويأمر ويصرخ في وجه اللاعبين قائلاَ (ألعب) وكان تحكيمه يتسم بالعدل الذي يرضي الخصمين وكانت حركته تناغم مع الكرة الجماعية ، والتشجيع الذي يهز أركان دار الرياضة . كانت أياماً أنمنى أن تتكرر ولن تتكرر ، بالإضافة للكرة الحلوة والتشجيع الجماعي والتحكيم العادل ، كانت هناك شريحة أُخرى تضفي الجمال على ميادين الملاعب وتجلب الحبور وهي شريحة أقطاب المشجعين " سلطان " من القاش الذي لايعرف الغضب سبيلاً إلى نفسه " أب أحمد " من أهلي كسلا " أحمد الحاج " من المريخ "الفاتح السد " وجلال الرباطابي من التاكا . هذه الشريحة كانت من أسباب تدافع الكثيرين لدخول دار الرياضة للاستمتاع بتعليقاتهم اللماحة والذكية والتي تبعث السعادة في النفوس دون أن يجرحوا أحداً ولا يسيئوا لآخر ، رحم الذين سبقونا إلى الدار الآخرة وأطال عمر الأحياء منهم ، كانوا فاكهة الملاعب وحلاوة المدرجات وطلاوتها . أقول للإخوة في نادي التاكا إنكم تعملون في ظروف قاسية واستثنائية لامال عند المشجع ومكاتب الدولة الرياضية لافتات لاتملك المال وينطبق على إدارتكم قول الشاعر . ألقاه في اليم مكتوفاًوقال له إياك إياك أن تبتل بالماء هنا في خاتمة المطاف أهدي تحياتي وحبي للأخوة في نادي التاكا وأقدر مشاعرهم النبيلة وأكرر أسفي للظروف التي لم تمكنني من اللقاء بالأصدقاء والأحباب آملاً أن أجد السانحة قريباً لزيارة تلك المؤسسة التربوية المهمة ، لأسهم برأيي وملاحظاتي لدعم مسيرتها حتى تعود لها عافيتها وقوتها وإلى ذلك الحين أردد مع الشاعر العربي المبدع أبو الطيب المتنبيء لا خيل عندك تهديها ولامال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال وأقول لاخيل عندي أهديها ولامال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال نبحر في حلقات قادمة إن شاء الله مع أبوعلي عن سوق عكاظ الشرق حيث قصائد الشعر والمجلس الأبكم لقبائل شرق السودان ، ودكتور جرتلي الطيب الإنسان الذي لقب ب"العميد "لإنسياب شعره ونفاذه إلى وجدان مستمعيه والذي نقل ظلماً إلى جنوب السودان فأنشد يقول : سار القطار فليت قبل مسيره روحي وآمالي الكبيرة ساروا هذه القصيدة كانت وليدة شوقه وحبه لمدينة بورتسودان ويقول في جزء آخر من القصيدة : ماكنت أحسب أن يوم فراقكم جمر وبعدي عن حماكم نار أنا كاليتيم معذب في سكني فالسجن لاصحب به ولاجار تناول أبوعلي بعد ذلك فترة عمله خلال فترة حكومة مايو تحت عنوان "حكايتنا مايو" . [email protected]