سبق أن تحدثنا في مقالين سابقين ، عن التعليم وما وصل إليه من تردي وتعثر بسبب عدم خلق بيئة صالحة ، إجلاس وبيئة مدرسية ومعلم مدرب ومنهج ، كما تعرضنا لمواقف المسؤولين عن التعليم ، أكاديميا وسياسيا والمدرسين والآباء تجاه الشهادة السودانية والشهادة العربية وما إعترى الأولى من هزات ، إن كان كشفا للامتحانات أو طريقة أدائها ، مما شكك في صدقيتها وأضعف من جعلها معيارا يعتد به ، إلا أنها وبرغم سوءاتها تظل هي المعيار الممكن والذي لا بديل له في الوقت الراهن ، كما تحدثنا عن موضوع نظام المعايرة الإحصائية في معالجة النتائج بهدف معالجة الشوائب التي تعتري أو تصيب الإمتحانات والمناهج ، وهذه الطريقة تعطي صورة غير حقيقية عن الشهادة السودانية بل تصل إلى حد التضليل في قيمة الشهادة السودانية . في العقود المنصرمة لعبت السياسة دورا سالبا في رسم صورة غير حقيقية عن مخرجات التعليم عموما ، مما أدى إلى إنتاج فاقد تعليمي كبير ومهوول لم تشفع له توسعة قاعدة القبول وانتشار الجامعات . بالرغم من هذه القتامة التي أصابت الشهادة السودانية في مقتل إلا أنها تجد من يدافع عنها من منطلق سياسي أو من منطلق الإنتماء الى حقل التعليم في سلالمه المختلفة . بعد هذه المقدمة المقتضبة ، لنا أن نتحدث عن المعاناة الحقيقية التي يعيشها الآباء والأمهات في بلاد المهجر ، وإعني أبناءهم الذين يحصلون على شهادات ثانوية في البلاد التي يقيمون فيها، ومن ضمن إؤلئك الذين يرغبون في العودة للسودان لتكملة دراستهم الجامعية ، من هنا تبدأ المشكلة ، معادلة هذه الشهادات بالشهادة السودانية والتي تبنى عليها أعداد القبول بالجامعات وعلى وجه الخصوص الكليات العلمية من هندسات وطب وصيدلة. الشهادة العربية والمقابل لها شهادة التعليم العامة ، الشهادة المدرسية السودانية، الشهادة الثانوية العليا أو الشهادة الثانوية (مسميات للشهادة والتي درج عليه السودانيون بتسميتها الشهادة السودانية)، هذه الشهادة العربية لم تلق التقييم المدروس والعادل والمبني على تأهيل الحاصلين عليها ، بل أستغلت لفتح باب للمستثمرين في مجال التعليم العالي لإنشاء كليات علمية تلبي حاجات ورغبات الأسر والطلاب في بلاد المهجر والراغبين في تكملة تعليمهم الجامعي بالسودان نتيجة لتضييق فرص قبولهم بالجامعات الحكومية أسوة بأندادهم الذين جلسوا للامتحان داخل السودان أو خارجه بالمنهج التعليمي الذي وضعته وزارة التربية والتعليم السودانية . لو أخذنا المملكة العربية السعودية مثالا في موضوع تقييم الشهادات الثانوية وقضية معادلتها بالشهادة السودانية، وذلك لكثرة التواجد السوداني فيها ، لوحدنا إن الإمتحان النهائي للشهادة الثانوية بالمملكة شهد تطورا ملحوظا، حيث كانت إمتحانا وزاريا مركزيا ليس للمدرسة علاقة به وترصد درجاته مركزيا بوزارة التربية السعودية وكانت وزارة التربية والتعليم بالسودان آنذاك أي قبل عقدين أو أكثر تعادل النتيجة بضربها في معامل 93.5 وعليه الطالب الحاصل على مئة في المئة ينافس طلاب الشهادة السودانية ب 93.5 % وبذلك تضييق فرص قبولهم بالكليات العلمية كالطب والتي كانت لا تتجاوز نسبة قبولهم 1% من إعداد المتقدمين ، وفي مرحلة أعقبت ذلك أدخل عليها نظام الجلوس الى إمتحان التحصيلي وامتحان القدرات إضافة للشهادة المدرسية التراكمية ، وأصبحت معادلتها بالشهادة السودانية تتم كالآتي يؤخذ 60% من التراكم المدرسي و25% من إمتحان التحصيلي و15 % من إمتحان القدرات وتضرب النتيجة في معامل 96.3 وهذا أيضا كان يمثل ظلما للشهادة العربية السعودية ولا يفسح مجالا للمنافسة المتوازنة والعادلة ، وأخيرا وفي السنوات الستة الماضية عدلت طريقة التعامل مع الإمتحانات الثلاثة السعودية ، يحسب 80% من إمتحان التحصيلي و20 % من التراكمي المدرسي ويؤخذ بدرجات القدرات فقط في تزكية المتقدم في حالة منافسة إثنين حاصلين على نفس النسبة من التحصيلي والتراكمي . كل هذه الإجتهادات لم تحقق لإبن المغترب عدلا في المنافسة ولا وسعت فرص القبول في الجامعات الحكومية إلا لأؤلئك المتميزين من أبناء المغتربين والذين يحصلون على نسب تتعدى 98.7% وهذه نادرة أن لم تكن مستحيلة . علي ضوء ما سبق لم يكن أمام أبناء المغتربين الا الولوج الى عالم الجامعات الخاصة أو الدراسة في الجامعات الخارجية ويصبح عليهم إغترابين في آن واحد . إعتقد أن مخرجات المدارس العربية وبالذات في دول الخليج ممتازة ومميزة لان تلك الدول إستطاعت أن توفر المعلم المدرب ، الكتاب المدرسي الجيد ، تراتيبية في المنهج ، حسن إجلاس وبيئة مدرسية متكاملة وعليه من الواجب إتاحة الفرصة لأؤلئك الطلاب المميزين من مجالسة نظرائهم من الذين جلسوا للشهادة السودانية في الكليات العلمية دون دفعهم الى جامعات خاصة وذلك لإستحقاقهم العلمي . عليه نرى والرأي لأهل القرار في التربية والتعليم والتعليم العالي بأن تتم إعادة النظر في كيفية معالجة الشهادة السودانية أولا ثم إعادة النظر في كيفية إعادة الحق لأبناء المغتربين في عدالة تقييم الشهادة العربية حتى لو بالرجوع لتقييم المنهج والمخرج ، كما نرى إن يتم ضبط المصاريف التي يتم فرضها بالجامعات الخاصة ، أن تزيد الجامعات الحكومية من فرص قبول طلاب الشهادة العربية المميزين بنصف التكاليف التي تفرض في الجامعات الخاصة وبذلك تكسب الجامعات موارد مالية وتشارك وتسهم في إستثمار ذخيرة عقول وطنية. [email protected]