((الهلال في أختبار الجاموس الجنوبي))    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكييف المآلات الاقتصادية/الاجتماعية والسياسية لثورة ديسمبر المجيدة وأليات الحلول (6-10)
نشر في الراكوبة يوم 18 - 12 - 2021


3- 2 أقدار أصحاب المصلحة في التغيير في السودان
(يقول الأديب الطيب صالح، قدَّس الله أسراره وأقواله: لو قلتُ لجدي أنَّ الثورات تُصنعُ بإسمه، والحكومات تقوم وتقعد من أجله لضحك؛ الفكرة تبدو شاذة فعلاً").

مازلتُ أعتقد اعتقاداً جازماً أنَّه ما من شئ يحمل المفاوضين في قوى الحرية والتغيير – بعد الفض الأول والثاني للاعتصام بتلك الطريقة الخسيسة والجبانة والمجرمة والمؤلمة والبشعة بواسطة لجنة البرهان الأمنية – على التفاض مع قتلة أصحاب المصلحة الحقيقيين، إلاَّ أن يكون لهم سهم في هذا المخطط الإجرامي الجهنمي على نحوٍ ما. ولا أعرف إلى اللحظة نوعية المصل/المخدِّر الذي يمكن أن يتعاطاه المفاوضون المدنيون البريئون ليَعْبُروا ويجوزوا على مثل هذا الأمر غير المحتمل، وليأتوا ويقعدوا مع قاتل أصحاب المصلحة في التغيير تحت سقفٍ واحدٍ مصافحين مفاوضين مقهقهين آكلين معهم وشاربين، وفوق ذلك ناعتين لِلَجنة البشير/البرهان الأمنية بأنَّها مشاركة في صناعة الثورة.

ولابدَّ لى هنا أنْ أُحيي سيد المناضلين، بلا منازع، المناضل "الفذ الثابت" العفيف الشريف المرحوم الأستاذ على محمود حسنين؛ فقد كان، رحمه اللهُ بالرحمة الواسعة، وحده أُمَّةً مُعارضة؛ لم يساوم ولم يُهادن ولم يُفاوض عدوَّه.
أما وقد انحرفت الثورة عن مسارها بعد السابع من أبريل 2019 بفعل تآمر البورجوازية الصغيرة والتآمر الراسمال/عسكري – رغم مناداتنا لتصحيحها في مقالات عديدة – وخاصةً بعد فض الاعتصام الأول (الثامن من رمضان 2019) والثاني (الثالث من يونيه 2019)، فستبقى المليونيات هى الرَّادع لكلِّ من تحدثه نفسه بالمزيد من الانحرافات بعيداً عن أهداف أهل المصلحة، بل هي اعتصام متحرك في وجه تآمرات البورجوازية الصغيرة وحلفائها من الشرائح الرأسمالية والعسكوطفيليات لجعل التعاطي من قضايا أهل المصلحة أقلَّ شذوذاً يا حبيبنا الطيب صالح، بل يجب أن ينقلب الهرم الطبقي رأساً على عقب ليدير أصحاب المصلحة مصلحتهم بأنفسهم كما تعمل لجان المقاومة الآن.

هذا الواقع رتَّب على أصحاب المصلحة الحقيقية في هذه الفترة الانتقالية الثالثة أقدار عجيبة في ظل ثُنائيات النموذج المدني – العسكري الخمسُمُشكل، واليساري واليميني، والمتوجه للخارج برؤى الاقتصاديين الأمميين والمشدود للداخل برؤى اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير، وبين دعاة الدولة المدنية وحراس المعبد القديم – درابنة المنافذ (كما ينعتهم دكتور قصي همرور، أو بحسب معنى المفردة في اللغة الفارسية).

أفدح الأقدار التي يمر بها أصحاب المصلحة الحقيقيون في التغيير هو نسيانهم كليةً في كل المعادلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجارية في الفترة الانتقالية، وفوق ذلك نعت البعض لهم (جهراً أو سرَّاً أو بلسان الحال) والتعامل معهم كمغفَّلين نافعين لجهة إحداث التغيير؛ ظنَّاً منهم أنَّهم بلوائِحهم وتنظيماتهِم ومكرِهم وأسلحتهم يستطيعون أن يجلبوا التغيير. وبالتالي كل الكيانات الموجودة في الساحة السياسية الآن – أحزاب ومسلحين – يتعاملون مع أصحاب المصلحة الحقيقيين في التغيير بهذه الطريقة وبهذا النعت الجارح واللا- إنساني.

والذي يؤكِّد على صحة هذا الزعم هو عدم الالتفات كليةً لقضايا أسر الشهداء والمفقودين والجرحى المكلومين وتركهم غُفلاً لِلَجنة أديب مثقوبة الضمير، وعدم الالتفات للاحتياجات الملحة لأهل المصلحة الآخرين من الأمن والقوت الضروري والسكن الكريم وإرجاع النازحين وإرجاع أراضيهم وحواكيرهم إليهم. وفي المقابل يتبارى الانتهازيون وسارقو الثورات ومتعهدو النضال من مكوِّن عسكري بفلوله وأحزاب وحركات مسلحة وقحت الناعمة؛ يتبارون جميعاً في تسلُّق دماء الشهداء (كما يقول الشاعر عاطف خيري) ليعتلوا المناصب في الوزارات وليصبحوا ولاة ولايات؛ ويتعاملون مع من بذلوا أرواحهم للتغيير بلسان الحال والمقال المذكور بعاليه؛ ويا للعار.

ولهؤلاء نقول:

1/ إنَّ صاحب المصلحة في التغيير – الشهيد/المفقود/المجروح/الصحيح – الذي ينعته لسان حالكم أيها المتحاصصون بالمغفل النافع، هو شخصٌ حُرُّ العقلِ وحُرُّ التفكير، وأجدرُ النَّاسِ بمكاسب إحداث التغيير من مُتحزِّبٍ عَجِزَتْ أو أذهَلَتْ وظائفُ أعضائِهِ عن الفعل الحر وتحقيق حُلم التغيير، بسبب تقيُّدِهِ بلائحة حزبية أو غريزة خوف أو ما شاكلها.

2/ إنَّ الشهيد/المفقود/المجروح/الصحيح الذي ينعته لسان حالكم بالمغفل النافع، هو وقودُ التغيير الحقيقي وشهيدُهُ الأول (وإنتَ بتاع مِلِح كما يقول عاطف خيري)، وله براءتان: براءةٌ من النِّفاق السياسى، وبراءةٌ من سرقة التغيير المتجلي في المحاصصات الرخيصة التي تجري أمام أعيننا الآن.

3/ إنَّ الشهيد/المفقود/المجروح/الصحيح صاحب المصلحة الأوَّل في التغيير من ينعته لسان حالكم بالمغفل النافع، هو شخصٌ أكثرُنا إقداماً وشجاعةً على الإطلاق، وأنفَسَنا جُهداً في إفعال التغيير بلا مقارنة. بل هُوَ المسئول الأول من تحويل التغيير من فعل غيبى إلى فعل مادي محسوس (هم مشو قايلنَّك معاهم وإنتَ تسأل مين معاهم – عاطف خيري).

4/ كلما ارتفع عدد أصحاب المصلحة في التغيير الذين تنعتونهم بالمغفلين النافعين، تزدادُ فرصُ التغيير، والعكس صحيح. فمثلاً؛ فى السابق كان عدد الأحزاب أقل من 7، فقامت ثورتان. وفي عهد الإنقاذ وصل عدد الأحزاب أكثر من 75 حزباً إذا أضفنا لها الحركات المسلحة، ولم تقم ثورة واحدة مُفضية إلى التغيير منذ ثلاثة عقود لأنَّها – أي هذه الأحزاب المتشرذمة – لا تلامس قضايا أهل المصلحة الحقيقيين في التغيير. وهذا ما تؤكده بروفسير إريكا جينويث في قاعدتها القائلة إذا اجتمع 3.5 -5% من عدد السكان في حركة سلمية في أي مكان (لا يُشتَرط فيهم إنتماءاً حزبياً على الإطلاق كما يدَّعي متعهدو النضال السياسي) تتضاعف إمكانية التغيير عنها في الحركات العنيفة والملسحة {ومن عندي أضيف المتحزِّبة أيضاً} (Erica Genoweth Carr Centre Discussion Paper 2020).

5/ علينا تبجيل من ينعتهم لسان حالكم – أيها المُتحزِّبون المتحاصصون على المناصب – بمُغفلي التغيير النافع، بإزالة هذه الجملة ومعها لفظة "الكتلة الحرجة – التي استخدمتُها في مقالاتي الباكرة بحدس سلبي وأعتذر عن ذلك" من قاموسنا السياسي بالكلية واستبدالها بأهل المصلحة في التغيير، وعلينا أن نُجلَّهم ونُبَجَّلُهُم بدلاً من أن نسئ إليهم ونجرح أُسرهم؛ فجُلُّ الشهداء منهم.

ويا للعار أن يعتصم جرحى ثورة ديسمبر المجيدة أمام مجلس الوزراء لنيل حقوقهم في العلاج ولا يلتفت إليهم أحد، بل البعض "يتغابى فيهم العرفة". وشكراً لبعض الصحف السيارة التي انتاشت مجلس الوزراء، حتى خرج علينا رئيس مجلس الوزراء قائلاً: "أنَّه لم يكن يعلم بأنَّ جرحى ثورة ديسمبر معتصمون بالخارج"؛ كأنَّه يدخل مجلسه بمظلة ويخرج منه بمنطاد.

ثُمَّ ثانيا، كيف نثق فى وعيك الديمقراطى وثقافتك المدنية، وأنتَ تنعَتُ كلَّ من هو خارج منظومتك الحزبية وغيرها من المنظومات بهذا المصطلح اللا – إنسانى الجارح، الذى يحمل من معانى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ما يفوق استغلال الرأسمالى النيوليبرالي للعامل.

أما كان الأجدر بك أن تنجز مهامَّك الحزبية والمنظوماتية على نحوٍ ديمقراطىٍّ جاذبٍ للآخر لينتمي إلى منظومتك، بدلاً من أن تُعلِّق عليه كلَّ أسباب فشلِك وتقصيرِك فى تحقيقِ أحلامِك السياسية، وحين يجلب لك التغيير تنعته بالمغفل النافع؛ نعتاً باطنه وظاهره النيِّة المُبيَّتة لسرقة ثورته والتغيير الذي بذل فيه روحه.

على أيِّ حال، الذي لا لُبس فيه، أنَّ أكبر عدد لأصحاب المصلحة الحقيقيين في التغيير (بالمقارنة بكل ثورات السودان السابقة) قد كان موجوداً في مجتمع الاعتصام أمام القيادة العامة. هذا المجتمع قد حوى النَّاسَ من جميع بقاع السودان المختلفة، وقد كان عددهم يفوق عضوية أيِّ حزب تنطع أو يتنطَّع بالأغلبية والنضال من أجل التغيير في السودان (ولن أُحدثكم عن المظاهرات الطوفانية السلمية في 21 أُكتوبر 2021 وما تلاه).

ولعمري ذلك الجمع من أهل المصلحة قد كان متقدماً جداً على كل الأحزاب السياسية والنقابات والهيئات التي أقعدت بها لوئحُها وجِدالُها الداخلي عن الدخول الباكر في ركب التغيير، والكلُّ قد لَحِقَ به فيما بعد. ودليلنا على ذلك أنَّ عدد الذين تم اغتيالهم وإصابتهم من بين الذين ينتمون لهذه الأحزاب والهيئات والنقابات ومنظومات المجتمع المدني الأُخرى أقل من أصابع اليد الواحدة في كل منظومة من هذا المنظومات على حدتها. أما عدد الموتى بين سائر أصحاب المصلحة (من تنعتهم بالمغفلين النافعين يا رعاك الله) كان هو الأكبر بلا منازع، إذا كنا معنيين بالمجموعة البشرية التي أفضى فعلها الثوري إلى التغيير (2700 قتيل بحسب الإحصاءات الأمريكية في ساحة الاعتصام وحدها، وأكثر من 300 شهيد منذ 21 أُكتوبر حتى الآن في مدن وقرى السودان المختلفة).

وأقول ما أقول، وأنا أٌقِر بأنَّ كل هذه الأحزاب والهيئات كانت تعمل بشكل دؤوب منذ انقلاب الإنقاذ عام 1989 لإسقاط النظام، ولا نحن مِمَّن يغمطهم دورهم في التغيير؛ غير أنَّ الفعل المفضي للتغيير ولحظة الثورة وانفجارها وتوهجها قد باغت جميع هذه المنظومات الاجتماعية مما يعني أنَّ التواصل مع الجماهير كان ضعيفاً؛ فمن كان ينتظر الثورة في العاصمة باغتته من الريف، ومن كان يتحرَّاها في عطبرة، فاجأته من سنار والدمازين؛ وعلى ذلك قس.

6– لم يكن الشعب السوداني في الحقيقة (خاصةً أكثر أصحاب المصلحة سموَّاً كأسر الشهداء والمفقودين والجرحى) مكترثاً لمن يقود الثورة والسودان بعد أن أسقط نظام البشير وتقيأ الإخوانوية والعسكرية معاً وإلى الأبد. فكلُّ ما خلا أنصار النظام السابق (الجوع ولا الكيزان) كان من الثقاة في نظر الشعب وثواره – في نظر أصحاب المصلحة؛ ويا لخصوصية الفارِق والبعض ينعتهم بالمغفلين النافعين.

غير أنَّ كواليس إدارة بوليتيك الفترة الانتقالية المُعقَّدة قد أفرزت العديد من الواجهات السياسية التي بدأت تسيطر على الموقف وتجيِّرُهُ لمصالحها الشخصية والحزبية والتنظيمية والحركاتوية الضيقة: كالليبراليين الجدد المدعومين من أذرع مخابرات الدول الغربية والعربية وسفرائهم، وتكنوقراط اليسار المُبعد من مزاولة شئون الدولة لفترات طويلة، وورَّاث شرائح رأس المال التقليدية الخراجية التي كانت مهيمنة تحت حراسة الاستعمار القديم والجديد والمدعومة حالياً من دول الخليج ونخب العسكر، والفلول – حراس المعبد القديم وكاموفلاجاتهم التي تلبس لباس الثورة الوسيمة (دهب، برطم، الجاكومي، تِرِك، هجو، إلخ) الذين يريدون استعادة السلطة المنتزعة منهم، ولجنة البرهان الأمنية العسكوطفيلية والعناصر التي اشترى ولاءها العسكر والخليجيون الذين يريدون بقاء العسكر في السلطة، وقوى الحرية والتغيير المدعومين بالثوار ولجان المقاومة وأحد شقيْ تجمع المهنيين السودانيين، وأُسر الشهداء وأهل المصلحة الحقيقيين اللامنتمين والذين لا يلتفت إليهم أحد.
7– من الملاحظ أنَّ حمدوك طفِقَ طوال الوقت يختار عناصر حكومته من هذا الاحتياطي البشري مركِّزاً على أهل اليسار وأهل غرب السودان في بداية أمره، ثم بدأ يستخلفهم من واقع تجربتهم العملية معه في تسيير المرحلة الانتقالية بأهل اليمين وغالبيتهم من غرب السودان المتمثلين في عناصر قحت الناعمة وما شاكلها من الكاموفلاجات التي تلبس لبوس الثورة.

ولكن علينا أن نُنوِّه هنا إلى أنَّ المقارنة التي يحاول أن يجريها دولة الرئيس د. عبد الله حمدوك من واقع المحك العملي والتجربة لتوظيف أهل اليسار ثم توظيف أهل اليمين المتمثل في أفراد قحت الناعمة لا يستقيم لمقارنة شفافة ومنتجة. وذلك بحسبان أنَّ أفراد كثر من موظفي حمدوك التابعين لقحت الناعمة قد كانوا يعملون إلى قيام الثورة داخل أجهزة النظام السابق، والبعض يشاركه المال والأعمال والمشاريع الاستثمارية. فإذا ما قارناهم بموظفين أُتِيَ بهم من خارج تجربة الإنقاذ وكانوا لفترات طويلة خارج الوظيفة بسبب ظلم الإنقاذ نفسها لهم، وأسسنا معايرة أدائهم على هذا النحو، ففي ذلك ظلمٌ آخر لهم (راجع: مقالنا: جمهورية السودان حكومة المنفى السودانية الأهداف والمبررات 08/01/2015).

عليه يجب أن تُعطي الحكومة المدنية في الفترة الانتقالية قدراً من الوقت لرفع القدرات لبعض العناصر التي كانت بعيدةً عن العمل العام ولفترات طويلة إذا كانت الدولة ستحتاج إليهم في مقبل الأيام. وأعتقد بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ أكاديمية السودان للعلوم الإدارية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP – Sudan) يمكن أن يوفر هذه الخدمة لحكومة الفترة الانتقالية.

وبالتالي ما أن يتأهل الغريمان يستطيع السيد رئيس الوزراء (أيُّ رئيس وزراء) أن يحدثنا بمن يريد أن يعبر وينتصر: بقحت الناعمة المتماهية في اليمين والفلول والعسكر، أم باليسار السوداني بكل أطيافه وأصحاب المصلحة القربين منه، أم بالإثنين معاً في إطار مشروعه الوطني الذي لطالما بشَّرنا به. ونرجو أن يكون المشروع الوطني بعيداً عن هوى الإخوانوية والمناطقية والجهوية، وأهم من ذلك أن يكون قائماً على العلم والمعلومات والمؤسسية.

8– وهنا كأن التاريخ يُعيد نفسه؛ إذ لم يبتعد كثيراً فعلُ التوازنات في هذا المشهد الراهن عن مشهد التوازنات التي عملها المستعمر إبان الفترة الكلونيالية والتي سادت فيما بعد الاستقلال، حيث كان المستعمر القديم والحديث منحازاً لشرائح رأس المال على حساب كل المجموعات الأخرى التي لا تملك إلاَّ قوتها الجمعية لنيل حقوقها وللتأثير في الأحداث تحت قيادة اليسار.

وقد كان اليسار السوداني الجذري (واليسار في المنطقة التي حولنا) مراقباً مراقبة لصيقة من قِبَل الاستعمار القديم والحديث خاصةً منذ ثورة 1924. وقد كان ممنوعاً من الوصول للسلطة حتى بالوسائل الديمقراطية والبقاء فيها؛ وذلك إلى حين اكتمال تمدد النظام الرأسمالي على كل الكوكب؛ وقد تجسد ذلك في طرد نوَّاب الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان في ستينات القرن الفائت حتى بعد أن حمكت المحكمة بلا دستورية ولا قانونية طردهم منه (حسين: 2018، ص ص 31 – 49).

والآن، لا يُمانع الليبرليون الجدد على مستوى النظام العالمي من وصول اليسار للسلطة ولو من باب التدجين والترويض (حمدوك وشلة المزرعة مثالاً)، لا سيما أنَّهم يتمتعون نسبياً بقدر من الأخلاق العالية وانعدام الفساد بينهم، ويريدون مصلحة بلدهم التي هي من مصلحة استقرار النظام العالمي نفسه (تزداد الأرباح والتنمية المستدامة في المدى البعيد كلما أهتمَّ النظام الرأسمالي بالجوانب الاجتماعية – كريستين لاغارد، ندوة ويلبيلدون 2014).

وبالتالي على اليسار السوداني بكل أطيافه اقتنام هذه الفرصة التي سمح بها التشكل الاقتصادي الرأسمالي في الوقت الراهن، ويحزو حزو اليسار في الصين وكوبا وشيلي كما سيجئُ تفصيلُهُ لاحقاً.

مطالب أصحاب المصلحة القديمة المتجددة

1– لا شئ يعلو فوق تحقيق العدالة لأسرة الشهداء (لن نذكر المفقودين من الآن فصاعداً فهم ضمن الشهداء) والعلاج للجرحى وأصحاب الإعاقات البدنية والنفسية والعقلية بسبب ما تجرعوه من تعذيب ومن هول الفاجعة. ولن يتم ذلك إلاَّ بتحقيق دولي في هذه القضية؛ فلجنة أديب غارقة في التسيُّب والتطويل المتعمَّد المتماهي مع رغبات لجنة البشير/البرهان الأمنية وفلولها في التهرُّب من المثول للعدالة.

2– على دولة رئيس وزراء السودان د. عبد الله حمدوك (أو من يخلفه) ألاَّ يترك مهامه التي تقع مباشرة تحت سلطاته الحصرية (كملف السلام، وتبعية وزراة الداخلية وجهاز الأمن، ووزارة الدفاع بقائدها العام للقوات المسلحة، لكون رئيس مجلس الوزراء هو القائد الأعلى للقوات المسلحة كما في كل دساتير العالم المؤقتة والدائمة)، وبالتالي عليه أن يُقيل كل أعضاء المجلس العسكري والفلول العسكريين من القوات المسلحة لكونهم معوِّقين للانتقال السلس للدولة المدنية الديمقراطية، ومعوقين للعدالة الانتقالية، ومعيقين للدورة الاقتصادية الطبيعية لدولة السودان باحتكارهم أكثر من 82% من إيرادات البلد.

وإذا كان لابد من مكون عسكري بحسب نصوص الوثيقة الدستورية من الآن حتى 17 نوفمبر 2021 وما بعده، فليكن المكوِّن العسكري من شرفاء القوات المسلحة المنحازين للتحول المدني الديمقراطي، والذين يسدون قرص الشمس داخل هذه المؤسسة العريقة. وليعلم حمدوك أنَّنا لن نسمح بعد الآن لوزرائنا المدنيين ولا لأُولئك المدنيين الموجودين في مجلس السيادة، بالجلوس مع قتلة أبنائنا على سدة حكم واحدة؛ وبالتالي حمايتهم وتحصينهم من المثول للعدالة بما اقترفت أيديهم في ساحة الاعتصام ومناطق السودان المختلفة، ويجب أن يُقدموا فوراً للعدالة.

3– تشكيل المجلس التشريعي من سائر أهل المصلحة (وخلوِّه من التنفيذيين والسياديين والعسكريين لأنّهَ منوطٌ به مراقبتهم)، والمحكمة الدستورية، والمفوضيات المختصة، وتنظيف القضاء والنيابة العامة من فلول النظام المتساقط، وتنظيف الشرطة فور أيلولة الدولة للمدنيين في 17 نوفمبر 2021 (أو بعد انتزاع السلطة من الانقلابيين العسكريين).

وعلى المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية إعلان بطلان سلام جوبا ومجلس الشركاء المترتب على ذلك البطلان، لأنَّ كل شئ فيه تمَّ بواسطة جهات غير مختصة دستورياً وغير مفوضة رسمياً بذلك من رئيس مجلس الوزراء صاحب الاختصاص الحصري بالأمر. وعلى رئيس مجلس الوزراء بالتشاور مع المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وعبر مفوضياته، الوصول في وقتٍ وجيز لاتفاقية سلام من داخل البرلمان تُراعي مطالب أهل المصلحة الحقيقيين الذين أفضى فعلهم الثوري إلى تغيير النظام؛ وليس فقط مصالح لوردات الحرب السايكوباتيين الذين عجزوا عن أن ينجزوا التغيير عبر الحرب لمدة 20 سنة (مناوي، جبريل، حميدتي وغيرهم)، وليس عبر كاموفلاجات النظام البائد الذين يلبسون لبوس الثورة ويخادنون لجنة البشير/البرهان الأمنية (دهب، برطم، الجاكومي، ترك، هجو، وآخرين).

4– إعادة كل مؤسسات وشركات الاقتصاد المدني التي تحت إمرة القوات النظامية لولاية وزارة المالية، وخضوع كل الشركات ذات الطابع العسكري للنظام المالي والمحاسبي لوزارة المالية وتوريد أرباحها للخزانة العامة، ليستفيد منها كل أصحاب المصلحة في التغيير من أفراد الشعب السوداني، وبالتالي تتفرغ القوات الأمنية للماهم الحصرية المهنية لكلٍ منها. كما يجب إعادة كل الشركات الحكومية المخصخصة تمكيناً لدائرة القطاع العام.

5– تنظيف الخدمة المدنية وشركات الدولة والجيش والشرطة وجهاز الأمن من عناصر النظام المتساقط خاصة من يُسمون بدرابنة المنافذ، الذين يُعيقون بشكل مباشر وغير مباشر عملية الانتقال المدني الديمقراطي، وإعادة المفصولين. وحل كل المليشيات العسكرية خاصة مليشيا الدعم السريع التشادية (وما شابهها) وعدم تخصيص ميزانية منفصلة لها ابتداءاً من العام 2022.

6– لم يكن خروج أهل المصلحة في 21 أُكتوبر 2021 ليقولوا للسفاح البرهان ورهطه أنَّنا أكثرُ جمعاً وأعزُّ نفراً من فلولك العسكريين في الزي المدني والرسمي والمؤلفة قلوبهم بالخراف والجزور والثيران والموز والطحنية، بل خرجوا لإقالة البرهان ورهطه (عسكر ورؤساء حركات ومدنيين) بسبب خيانتهم للتحول المدني الديمقراطي وعهوده ومواثيقه (الوثيقة الدستورية على علاَّتها وتزويرها). وبالتالي كل أهدافنا أعلاه لاحقة لإقالة البرهان ورهطه، وإذا كان لابد من التمسك بالوثيقة الدستورية حتى 17 نوفمبر القادم وما بعده، فلابدَّ أن يجئ المكون العسكري من عسكريين داعمين للتحول المدني الديمقراطي وهم كثر في المؤسسة العسكرية السودانية.

7– لعناية دولة رئيس وزراء السودان الحالي أو القادم: أيِّ تشكيل لخلية أزمة بها عسكريون من لجنة البشير الأمنية الحالية (المكون العسكري) مرفوضة جملةً وتفصيلاً؛ فنحن أهل المصلحة قد قررنا ألاَّ نجلس مع قتلة أبنائنا تحت سقف واحد إيذاناً بتقديمهم للمحاكمة. وإذا كان لابد من مكوِّن عسكري كما نصَّت الوثيقة الدستورية المثقوبة وكما جاء بعاليه، فليكن من شرفاء القوات المسلحة المناصرة للتغيير.

يُتبع …


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.