"حكامات السودان".. شاعرات يطفئن نار الحرب بقصيدة    منى مجدي: السلام رسالة وأنا معه حتى آخر العمر    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    سفارة السودان القاهرة وصول جوازات السفر الجديدة    تبدد حلم المونديال وأصبح بعيد المنال…    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    في الجزيرة نزرع أسفنا    الدعوة إلى حل الجيش السوداني: استنارة سلمية من جنا النديهة أم دعوة للانتحار الوطني؟    السودان..تصريحات قويّة ل"العطا"    اعتقال إعلامي في السودان    نوتنغهام يقيل المدرب الذي أعاده للواجهة    الصقور خلصت الحكاية… والهلال اليوم تبدأ الرواية    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    شاهد بالصور.. مودل وعارضة أزياء سودانية حسناء تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة من "العين السخنة"    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالصور والفيديو.. شاب سوداني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببلاده بزواجه من حسناء تونسية وساخرون: (لقد فعلها وخان بنات وطنه)    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالفيديو.. أطربت جمهور الزعيم.. السلطانة هدى عربي تغني للمريخ وتتغزل في موسيقار خط وسطه (يا يمة شوفوا حالي مريخابي سر بالي)    شاهد بالصورة.. محترف الهلال يعود لمعسكر فريقه ويعتذر لجماهير النادي: (لم يكن لدي أي نية لإيذاء المشجعين وأدرك أيضا أن بعض سلوكي لم يكن الأنسب)    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    بث مباشر لمباراة السودان وتوغو في تصفيات كأس العالم    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    "فيلم ثقافي".. هل تعمد صلاح استفزاز بوركينا فاسو؟    «لا يُجيدون الفصحى».. ممثل سوري شهير يسخر من الفنانين المصريين: «عندهم مشكلة حقيقية» (فيديو)    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    من صدمات يوم القيامة    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة هيكلة الجيش أم الدولة (5 – 10)؟
نشر في الراكوبة يوم 25 - 01 - 2022

وليست أخطر بشائع الجيش السوداني تلك التي تمارس على الحشود المدنية والقرى الآمنة والتصفيات الظاهرة والعلانية لبعض منسوبيه كما أوردنا في المقال السابق (4 – 10) ، ولكن أخطرها – على الإطلاق – تلك التي تمت بتخطيط وتدابير مسبقة ، حيث قام الجيش بتنفيذ إعدامات سياسية جماعية في أكثر من مرة ، خاصة في واو وجوبا وكادوقلي فضلا عن الإعدامات السياسية الفردية والإنتهاكات غير المحصية . ومن خلال تسليط الضوء على جزء غير متداول من كبريات جرائم وعظائم الجيش السوداني التي أقدم عليها في فترات مختلفة طوال تاريخه بعد مجزرة جودة "الشوش" والتي تعد أول مجزرة أقدمت عليها القوات النظامية بدايات 1956م . مذبحة واو المعروفة ب "ضرب البيت" في مدينة واو والتي قتل خلالها أكثر من 90٪ من موظفي الحكومة دفن بعضهم أحياء ، وأيضا مجزرة جوبا 1992م حيث قامت الإستخبارات العسكرية بإعدامات وعمليات تعذيب طالت معظم الضباط الجنوبيين والعديد من المسئولين الحكوميين ، هذا إضافة إلى حادثة قصف الجزيرة أبا 1970م و مجازر كادوقلي 1989م – 2011م على يد الإستخبارات العسكرية والنيل الأزرق أيضا ، علاوة على عمليات حرق المحاصيل الزراعية وهي جرائم الحرب التي لم يوثقها المتابعين والمهتمين بالأمر السوداني لتركيزهم على هول الحروبات التي غالبا ما يستخدم فيها الجيش مواطنين يتم تجنيدهم إستنادا على التقاطعات والتعقيدات المجتمعية في السودان وهو ما ساهم بدرجة كبيرة جدا في تعزيز الكراهية وتقسيم المجتمع السوداني على أساس قبلي وإثني وديني وجهوي . ومن أبرز مجازر وبشائع الجيش السوداني المخططة مسبقا :
عنبر جودة
مجزرة عنبر جودة الشهيرة 1956م حيث قتل الجيش السوداني مواطنين سودانيين بدم بارد ، حيث إلا أنه لا يزال بعض الناجين يروون أبشع القصص بدءا من إشارة قائد القوة "الصول السماني" إيذانا بإطلاق النار على المزارعين بعد رفضهم فك الإضراب المطالب بحقوقهم التي تأخرت لحوالي ثلاثة سنوات ، يليه إنتقام الجيش السوداني الذي قام بمداهمة المزارعين وعدد من العمال الزراعيين وحصار بعضهم في المساجد لحظة لحظات صلاة الصبح ، لقتلهم بأبشع الطرق من خلال حبسهم في مخزن للمدخلات الزراعية بينها المبيدات الحشرية لتكون المحصلة أكثر من 300 شخص أغلبهم ماتوا بالسموم والعطش فيما قتل بعضهم بالرصاص في ميدان الإضراب "كيلو4" لحظة تعليمات الصول الذي هو الآخر لقي حتفه في الحال ضمن ستج آخرين من الشرطة مقابل أكثر من أربعين شخص من الأهالي . ومن القصص الأكثر إيلاما أنه حتى تاريخ اليوم يوجد من بين الناجون من الضحايا الذين لم يكونوا بين من أحرقوا في مخابئهم داخل أكوام الهشيم "شون ودكك القصب" أو سمموا في العنابر "عنبريي جودة"، لا يزال بعضهم يأمل في أن يلتقي أقرباءهم الذين شتتهم هجوم الجيش عليهم ، فيما يذكر آخرون قصص منقولة إليهم عن أماكن فر اليها أقرباءهم الذين لم يلتقوهم مرة أخرى إلى اليوم . وجه الشبه بين مجزرة الجيش في جودة أواسط فبراير 1956م والمجازر ينائر الجارية الآن في الخرطوم هو أن حادثة تفجير مخزن الذخيرة في كنانة تزامنا مع جرائم الجيش في جودة ومحاولة إلباس التهمة للمزارعين آنذاك لتبرير الحملة العسكرية ، هو أقرب إلى سيناريو حادثة قتل العميد شرطة على بريمة حماد 13 يناير 2022م وحرق بعض أقسام الشرطة لإلصاق التهمة بالشباب الثائر اليوم وبالتالي تبرير القتل والقمع لإخماد الثورة .

مجزرة ساحة الشهداء وحرب التعريب الأولى
مجزرة ساحة الشهداء 1964م – حدائق الشهداء اليوم – في الخرطوم والتي قتل فيها عدد من المواطنين المتظاهرين الذين وصلوا إلى القصر كما يحدث اليوم في المظاهرات المستمرة أمام القصر منذ إنقلاب البرهان – عدا إعتصام المولاة في الفترة من 16 – 25 أكتوبر 2021م الذي شكل الداعم الرئيسي للإنقلاب الأخير – حيث قتل العشرات حينها، فيما وثقت جريدة الأيام حينها حوالي 170 قتيل "وفقا للكاتب الكبير الأستاذ بكري الصائغ" الذي أيضا أورد في ذات المقال بعنون "في الذكري (56) علي اول مجزرة قام بها الجيش بعد الاستقلال" وحشية حرب عبود ومجازر حكومته في الجنوب حيث قتل حينها فيما يقدر بحوالي 500 ألف مواطن في الفترة من 1958م – 1964م وهو ما يبين أن الحرب التي قادها عبود في جنوب السودان كانت الأعنف على الأطلاق. ولكن ما هو أصعب على المواطن الجنوبي كانت سياسة الأسلمة والتعريب القسرية ضد الجنوبيين من خلال إجراءات واضحة إتبعتها الحكومة في الفترة من 1958م وحتى سقوط عبود في 21 أكتوبر 1964م . فقرارات وإجراءات سودنة البعثات التبشيرية التي عطلت العملية التعليمية تماما ، كانت تعني صراحة مسألة إحلال اللغة العربية للإنجليزية السائدة في المدارس والمكاتب الحكومية ما قضى بإقصاء العديد من مواطني جنوب السودان الذين لا يجيدون العربية – من المدارس وفرص الحصول على وظائف عليا في الدولة – وكذلك ملاحقة طلاب المدارس الثانوية المسيحيين الذين إعترضوا على قرار الحكومة الخاص بإبدال عطلة الأحد بالجمعة في فبراير 1960م ومحاكمتهم بالسجن لمدة وصلت إلى عشر سنوات كما في طلاب ثانوية رمبيك . ومع أن عملية التعريب تكثفت بدرجة كبيرة في حكومة عبود ، إلا أنها إمتداد لسياسة وضعتها نخبة الخرطوم وطالب بها عضو وفد الخرطوم في مؤتمر جوبا 1947م السيد عبدالرحمن على طه ليصبح لاحقا أول وزير تعليم سوداني 1953م ، وهي ذات السياسات التي ظلت – إلى اليوم – تبعد العديد من أبناء السودان من مواصلة المسيرة التعليمية في السودان وخصوصا بعد إعتماد اللغة العربية ضمن شروط النجاح في الشهادة الثانوية التي هي مدخل مؤسسات التعليم العليا.

مجزرة ضرب البيت "واو"
حادثة "ضرب البيت" 1965م ، وهي عملية إعدام جماعي لغالبية الموظفين الحكوميين في مناسبة زواج التاجر الشهير السيد سيبريانو تسشير ريئان بواسطة هجوم شنته قوة من الإستخبارات العسكرية السودانية على المناسبة وقتل معظم الحضور بحجة أن البلد تحت قانون الطوارئ . وقتل في الحادث معظم الحضور الذين يمثلون في مجملهم أعيان المدينة من الموظفين والتجار الذين لبوا الدعوة عدا البعض الذين تمكنوا من الهرب عبر المرحاض "كما روى الناجي وقتها المرحوم شيخ فؤاد ريتشارد". وكان من بين القتلى ضمن آخرين الدكتور بابيتي أكول ، دكتور جوزيف داني ، التاجر خضر عضو إتحاد الكرة "دارفور". فيما تم نقل عدد ستة من المصابين سرا إلى منزل المساعد طبي بونس بنداس حيث قام بالعمليات الجراحية للمصابين الدكتور بنايا . ولا يزال الرأي العام حول تلك المذبحة بأنها كان مخطط لها بصورة محكمة من قبل الإستخبارات العسكرية حيث يعتقد البعض أنها ساهمت في حشد المسئولين الحكوميين لمكان الحدث.

تصفية حزب سانو بقيادة وليم دينق .
إغتيال قادة حزب الإتحاد الوطني السوداني "سانو" الذين كانوا في طريقهم من رمبيك إلى واو خلال كمين نصبه الجيش السوداني بين رمبيك – شويبيت بما يعرف اليوم ب "كبري وليم" في مايو 1968م ، وجاءت التصفية مباشرة بعد الفوز الساحق الذي حققه رئيس الحزب السيد وليم دينق نيال في الانتخابات . وكان من بين القتلى رئيس الحزب السيد وليم دينق نيال والمهندس الكيلاني "جبال النوبة" وآخرين . حيث تعتبر عملية تصفية سانو والسيد وليم دينق تحديدا جريمة سياسية بإمتياز ووقعت في عهد ما يعرف بالديمقراطية الثانية ورئيس الوزراء حينها السيد محمد أحمد المحجوب ، ليست مجرد حادثة إغتيال لزعيم سياسي ، وإنما عملية إغتيال للثقة والروح الوطنية التي أولاها السيد وليم دينق ورفاقه لقوى الخرطوم ظنا منهم أنه بالإمكان ممارسة عمل سياسي سلمي على خلاف جناح سانو بالخارج والذي يرى إستحالة الإتحاد مع هذه القوى والسودان عموما . فعملية تصفية حزب سانو هي في الأساس تعتبر حجر الزاوية في تقسيم السودان بإعتباره الحزب الوحيد – على إمتداد السودان – الذي كان ينادي ببناء سودان موحد على خلاف سانو بالخارج بقيادة السيد أقري جادين والجبهة الجنوبية بقيادة سانتلاوس باسياما من جهة ، وقوى الخرطوم التي تشترط التعريب لقيام دولة موحدة في السودان من جهة أخرى.

مجزرة "هنا كادوقلي"
صفّت الإستخبارات العسكرية السودانية أكثر من 27 مواطنا معظمهم من المعلمين والعاملين بالخدمة العامة في مدينة كادوقلي في العام 1989م إبان ما يعرف بالديمقراطية الثالثة بقيادة الصادق المهدي فيما كان يتولى حاكم جنوب كردفان آنذاك السيد عبدالرسول النور . وقد تم قتل أؤلئك المعلمين والموظفين بتهمة التعاون مع التمرد "تحت مسمى هنا كادوقلي" دون عرضهم لأي محاكمة مباشرة بعد معارك شديدة بين قوات الحركة الشعبية والجيش السوداني ومليشياته جنوب المدينة . وكان من بين الضحايا عدد من المعلمين منهم الأساتذة : برير خليفة بخيت "إبتدائي"، أبوزيد شلال "إبتدائي"، عصمت حسن خيرالسيد "ثانوي"، محمد المدني "ثانوي"، التجاني محمد شكرالله "مساعد طبي" محمد نوار أسد "مساعد طبي"، عمر إبراهيم كنو "مختبري"، حمدان "محامي"، عمر فضل الله "عضو مجلس تشريعي" وآخرين تجاوز عددهم الثلاثين شخص. بعض من شاركوا في العملية من الإستخبارات أفادوا بأن التهمة كانت قد تأسست على بلاغ يفيد بأنه قد عثر على خطاب وجد ملقيا في بيت أحد أمراء قبائل كادوقلي يحوي تهديد للأمير في محاولة لثنيه عن موقفه الداعم لتسليح المراحيل لمحاربة النوبة. وتظهر هذه الحادثة كأنها صورة طبق الأصل لمذبحة واو ، حيث أنها وقعت في ظل الحكم المدني بقيادة الصادق المهدي ، كما أنها تركزت على تصفية المتعلمين وأعيان البلد . يذكر أن السيد عبدالرسول النور حاكم الإقليم كان قد أفاد بأنه قاد حملة تجييش وتسليح وإستنفار المواطنين في كادوقلي في أواخر مارس – أبريل 1989م التي سبقت المجزرة المعنية ، وهي كانت بمثابة إمتداد لعملية تسليح المراحيل التي بدأها حزب الأمة والجيش في العام 1987م بقيادة وزير دفاعه اللواء فضل برمة ناصر رئيس حزب الأمة الحالي .

مجزرة وادي صالح
بعد تقدم الجيش الشعبي إلى دارفور في العام 1991م بقيادة السيد داؤود يحيى بولاد الذي تمت تصفيته في يناير 1992م بعد اعتقاله "سليما" وإخفاء مكان مقبرته كما حدث لضباط إنقلاب 28 رمضان في الخرطوم لذات العام . جاءت الحملة العسكرية الحكومية معدة وفقا للقاء التنويري الذي أجراه حينها الرئيس عمر البشير ونائبه اللواء الزبير محمد صالح لقادة الجيش – رتبتي العقيد والعميد – عن تقدم الجيش الشعبي نحو دارفور ، حيث أفاد مصدر عسكري رفيع – بالجيش – أن التعليمات التي أصدرها البشير في اللقاء كانت هي حرق جميع القرى التي تلي مدينة كاس غربا إلى الحدود التشادية "ما داير أي حلة بعد كاس لى تشاد". وبالفعل تم تجييش المليشيات التي قامت ببعض المهمة ليحصل بعضهم إلى إسم "الفرسان" وتغيير إسم منطقتهم إلى "عد الفرسان بدلا من عد الغنم". وكانت العمليات بقيادة العميد بكري عمر خليفة قائد منطقة الجنينة العسكرية وتحت إشراف اللواء سمير الذي تمركز وقتها بفرقة من الجيش في منطقة دليج . بعد تصفية بولاد – التي يتهم فيها الجيش ضباط ينتمون لجهاز الأمن والمخابرات وقيادات إسلامية بارزة – عملت الإستخبارات العسكرية للجيش السوداني على إصطياد عدد من المواطنين وإعقتال بعضهم وتعذيبهم وتصفيتهم بوحشية منقطعة النظير إلى درجة الإخصاء وبتر الأطراف خصوصا بعض مواطني منطقة دليج وقرى كيرتينق وفورقو ، ومن أبرز ضحاياهم السيد عيسى النور وأبكر ضمن أخرين .
يذكر أن محافظ منطقة وادي صالح ، العقيد محمد علي عبدالله ، قد جمع أعيان الفور في المنطقة بقيادة جعفر عبدالحكم وخيّرهم ما بين دعم الحكومة ضد بولاد أو التعامل معهم على أنهم متمردون ، الأمر الذي أكده الفريق حسان عبدالرحمن رئيس هيئة أركان الجيش الذي وصل المنطقة بعد 48 ساعة من القبض على بولاد – وأخذه إلى غارسيلا – مخاطبا بعض الأعيان بلغة ملئها التهديد بالقول "المنطقة دي بالنسبة لينا نقطة سودا ، ولو ما قبضتوا على بولاد كنا ح نمسحكم تماما". وهنا تجدر الإشارة إلى أن بولاد تم القبض عليه بعد أن وشى به أحد شباب المنطقة الذي إلتقاه بولاد في منطقة وادي كوروسوني بالقرب من قرية قينجو ، وائتمنه بولاد ليساعده على لقاء الشرتاي أرباب رزق في دليج، ثم قام – الشاب – بتبليغ الجيش بعد أن خبأ بولاد في منزله حيث خاطبه بولاد لحظة القبض عليه بالقول "خذلتني يا مصطفى". ومن المصادفة أن كل من السيد داوود يحيى بولاد والسلطان علي دينار لقيا حتفهما في نفس المنطقة على أيدي قوات ارتبط تاريخها ببعضها.

جوبا 1992م
مجزرة جوبا أعقاب أحداث 7/7/1992م ، كانت من أبشع المجازر التي إرتكبها الجيش السوداني ، حيث حولت تلك المجزرة مدينة جوبا إلى مدينة رعب حقيقي بعد أن قامت الإستخبارات العسكرية بتصفية العديد من منسوبي الجيش والشرطة السودانية وموظفين بالخدمة المدنية ، مات أغلبهم بعد إختفاء وتعذيب عنيف ، فيما فقد العديد ممن أفلتتهم آلت الموت حينها أطرافهم ورجولتهم أو أصابعهم على أقل تقدير . وكان أغلب الضحايا من الضباط والمسئولين الحكوميين ، منهم إيفيلينو مودي / أموسا لاكو / بنانسيو جمعة لاكو / أركانجلو يوقو فليمون / الضابط لازاروس تاديو ماني / تعبان مارك / إستيفن دانيال لادوكو / أركانجلو بيتيا لادو / دانيال أقويي يونا / لينو لادو كاميلو / نقيب إدوارد واني ديري / الضابط رافائيل لاكو / ويلسون سمتايمز وآخرين.
ويلاحظ من خلال المذابح أعلاه وكأنما الجيش السوداني يستهدف المتعلمين من أبناء هذه المناطق بغض النظر عن إنتمائهم السياسي ، وهو ما يمكن قراءته على أنها حرب ضد هذه المجتمعات أكثر من كونها مجرد إجراءات أمنية عسكرية مهنية يتم تطبيقها أو ممارساتها ، كما أنها تشرح عقيدة الجيش السوداني المتحيزة ضد أبناء هذه المناطق ، كما تبين في الوقت ذاته سلوك الأجهزة الأمنية في السودان وكيفية إستغلال الظروف الأمنية لمواصلة حربها السياسية ضد هذه المجتمعات ، وهذا بالضبط ما قام به الفريق صلاح قوش مدير أمن جهاز نظام البشير مطلع حراك ديسمبر 2018م ، حيث أنه أعلن عن قوة متمردة تتبع لحركة تحرير السودان تشيع الفوضى في السودان بمعاونة إسرائيل ومن ثم قيامه بحملة قتل خلالها طلاب دارفور العزل في كل من سنار والخرطوم بالرغم من أن إعلانه كان رد فعل على أحداث عطبرة 19 ديسمبر 2018م ، أي في الإسبوع الثاني لبداية الحراك الذي أدى لإزاحة البشير عن السلطة في 11 أبريل 2019م.

إحتلال أبيي مايو 2011م
حرق منطقة أبيي في 20 مايو 2011م حيث إقتحمت قوات الجيش السوداني المنطقة بأكثر من 15 دبابة محمية بالسلاح الجوي الذي قصف كبري المنطقة بالدرجة الأولى قبل قصف بقية المدينة. ووثقت بعثة الأمم المتحدة عمليات نهب واسعة شملت أصول حكومة إدارية أبيي من قبل الجيش السوداني أعقبها حريق للمنطقة. كما أن إعلان وزير الدفاع الحكومي حينها الفريق عبدالرحيم محمد حسين بعدم تراجع الجيش عن منطقة أبيي، ومطالبة وزير الدولة برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر بضرورة التوصل إلى ترتيبات جديدة حول أبيي بخلاف ما هو متفق عليه في نيفاشا 2005م يظهر بوضوح أن حرق منطقة أبيي كان قرارا سياسيا يؤكد تراجع الحكومة السودانية عن برتكول أبيي ومؤشر واضح لتكرار ذات السيناريو في منطقتي جنوب كردفان والنيل في الأزرق لاحقا كما حدث في 6/6 – 1/9 / 2011م على التوالي.

مجازر كادوقلي والدمازين 2011م .
في مجازر كادوقلي 6 يونيو 2011م قتلت القوات الحكومية كل من وقع من المواطنين في مرمى بندقها بغض النظر عن إنتماءهم طالما أنهم نوبة أو زرقة. ومن أغرب أسباب إصطياد الناس في أحداث كادوقلي أنه كان بسبب إرتداءهم للزي الإفريقي "المعروف في السودان بالكنغولي" وكذلك قمصان الانتخابات التي كانت عليها صورة القائد عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية – شمال إضافة إلى كل من كان يستخدم الهاتف في الطريق بإعتبار أنه يخابر الجيش الشعبي أو ينقل ما يحدث من مجازر على أرض الواقع. بجانب قتل المئات من الناس بدم بارد بعد تجميعهم في مقرات الجيش والدفاع الشعبي والشرطة الأمنية ومن ثم أخذهم إلى منطقة خور العفن أو أي مكان آخر وقتلهم . بينهم من أطلق عليه النار أمام أعين الناس بمقر الشرطة الأمنية . أيضا لقد تم هدم العديد من المنازل وتخريب ممتلكات لمتهمين أو منسوبين على الحركة الشعبية – شمال . ونفس الأحداث كانت قد تكررت في مدينة الدمازين مطلع سبتمبر 2011م بعد الهجوم على الحركة الشعبية ومنسوبيها وتدمير كل ما يخصها في مناطق سيطرة الجيش السوداني بالنيل الأزرق.

مجازر دارفور
ساهم إنفتاح التكنولوجيا تزامنا مع إندلاع الحرب في دارفور – خصوصا في الفترة بعد 2002م – في توثيق عدد مهوّل من الجرائم التي قام بها الجيش السوداني والقوات التابعة له من الجنجويد وجهاز الأمن . قام الجيش السوداني بحرق آلاف القرى عبر طيرانه الحربي ومليشياته حيث قتلت هذه القوات ما يزيد عن 300 ألف مواطن (في الفترة ما بين 2003م – 2008م) حسب تقديرات الأمم المتحدة وقد جاءت الحملات العسكرية ضد القرى الآمنة تحت عمليات الجيش السوداني المعروفة ب "تجفيف منابع التمرد" وهي ذات الحملات التي إتبعها الجيش في حربه ضد المناطق الأخرى. بينما تواصلت المجازر إلى اليوم بينها التعدي على معسكرات النازحين في الجنينة حاضرة غرب دارفور في الفترة ما بعد سقوط البشير أبريل 2019م ، فيما لا تزال الإعتداءات جارية إلى الآن على مواطني جبل مون ومناطق غرب الفاشر حاضرة شمال دارفور . وهنا لا بد من الإشارة إلى العديد من أبناء دارفور الذين تم إستهدافهم وقتلهم في مناطق بينهم طلاب الجامعات كما حدث في طلاب جامعة الجزيرة التي تم إغراقهم في إحدى الترع بالجزيرة 2012م وآخرين تم إستهدافهم عقب مناطق هجوم حركة العدل والمساواة على مدينة أم درمان عبر عمليتها المسمى ب "الذراع الطويل" في 10 مايو 2008م.

إفقار وحصار المواطنين
الملاحظ أيضا ، أن أكثر من 90٪ من عمليات الجيش السوداني العسكرية تجرى في مواسم الحصاد ، أي في الفترات ما بعد فصول الخريف – تبدأ من الدرت – في كل عام من أعوام الحرب ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الحديث المستمر عن الصيف الحاسم أوصيف العبور ، وهو توقيت يعني بالدرجة الأولى إستهداف المحاصيل والمنتوجات الزراعية وإعاقة مواسم الحصاد ، فيما يتم قصف المزارع البعيدة في المناطق خارج إطار سيطرة القوات الحكومية. مثلا على سبيل المثال ، ظلت الحكومة السودانية طوال تاريخها تمنع المواطنين في مناطق حربها من الذهاب إلى مزارعهم أو التعامل معهم كمتمردين وبالتالي إعتقالهم ، تعذيبهم وتصفيتهم أو دون ذلك الخنوع والعوز والفقر الممنهج ، فيما تقوم في بواكير المواسم الزراعية حيث عادة ما تقل العمليات العسكرية على إجبار المواطنين بأخذ أذونات يومية وتسجيل الحضور عبر بوابات تابعة لجيشها ، ليحصدوا في نهاية الأمر الرماد .
كذلك عمد الجيش السوداني طوال حربه في جميع جبهات قتاله ضد مواطني السودان على فرض حصار على هذه المناطق من خلال منع الأهالي من أخذ مواد تموينية كافية إلى قراهم ، بحيث لا يسمح للشاحنات التي تستجلب الفواكه من جبل مرة مثلا بأخذ أي وقود إحتياطي أو أي مواد تموينية أخرى، مع الحرص على ذهابها فارغة تماما. وكذا الحال في جبال النوبة وغيرها . وهناك قصص غير نهائية عن مصادرة البضائع والتموين، بحيث لا يسمح لمواطن الجبال بأخذ كمية لا تتجاوز 3 كيلوجرام من السكر إلى منطقة لا يستطيع سكانها القدوم إلى السوق بصورة دورية ، وخصوصا مع الإجراءات الإستخباراتية التي تعمل على التحقيقات والإلزام أو الإجبار للتخابر لمصلحة الجيش .
كل هذه الجرائم وغيرها لم تكن مخفية تماما عن القوى السياسية وخصوصا الجرائم السياسية لأن بعض منسوبي الجيش الضالعين فيها هم أنفسهم قيادات ببعض القوى السياسية كما أن بعض الجرائم وقعت أثناء فترات الحكم المدني. وما يدعو للإستغراب في مواقف قوى الخرطوم تجاه هذه الجرائم هي أنها ترى أنها مجرد إجراءات أمنية عسكرية عادية يقوم بها الجيش نيابة عنها تجاه من تختلف معهم سياسيا ، وهنا لا يرتقي الجيش السوداني لأن يكون أكثر من مجرد الجناح المسلح لقوى الخرطوم مقابل قوى المقاومة المسلحة المختلفة كما أنها – قوى الخرطوم – مجرد أحزاب مسلحة بالجيش . وفي هذه الحالة يمكن أن تفسر رغبة الجيش في السيطرة على السلطة بأنها قد طرأت من ذات الحيثيات التي جعلت من الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) وأخيه عبدالرحيم حمدان دقلو في قيادة مليشيات الجنجويد "الدعم السريع حاليا" يرغبان في قيادة الدولة بعد معرفتهم الدقيقة بنوعية وطبيعة الأشخاص الذين يتولون زمام أمرها السياسي مثل عمر البشير وبكري حسن صالح وغيرهم في حال نظر الجنجويد ، أو المحجوب والصادق المهدي والميرغني وعبدالخالق وغيرهم في حال نظر الجيش ، حيث يتشارك الجميع مشروع طمس الهوية الإفريقية لمصلحة قيام دولة عربية في السودان ، فيما يظهر أن القاعدة المشتركة في كل حالة "يمكنني القيام بكل ما يقوم به من هو أقل قوة مني" وهو الذي يجعل قادة الجيش يرتجفون أمام الجنجويد الآن.

يتواصل..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.