السلفيون الجدد هم ببساطة الكوشيين . ناس كوش . القوم الذين يقولون بأن مرجعيتنا في كوش ووجب العودة إليها لأنها الأصل وأعظم نقطة مشرقة في تاريخنا وبل تاريخ البشرية قاطبة . النقطة الأخيرة صحيحة . لكن الخطأ الجسيم أن تظن أن كوش هي المكان الذي عاشت فيه في زمانها والجين الذي في دمك . أي أن كوش ستعود . لن تعود. الحضارة أي حضارة عبارة عن فكرة (نظام إداري محكم وخطة إستراتيجية) ليست وجوه بشرية جامدة أو حجارة صامدة . كوش لن تعود . لأن كوش ببساطة لم تمت ! . هي عائشة كل الوقت أمام أعيننا ولكن جلنا عنها غافلون . الفكرة رحلت إلى أماكن أخرى طقسها أنسب وأرضها أخصب بعد أن تصحر مركز الحضارة وإزدادت درجة الحرارة وما عاد المكان هو ذاته كرمة ونبتة كما كانتا بين الاعوام 5000 ق م و 1500 ق م. فرحلت الحضارة (رحلت الفكرة في تجليات عديدة) إلى أرجاء أخرى جنوب وشمال مركزها الأول إلى الجيزة في الشمال حيث جفت مستنقعات الدلتا وأصبح المكان أرحب وظلت ترحل بشكل مستمر ناحية الجنوب الذي بدوره تجف مستنقعاته ويصبح المكان أرحب في البجراوية ثم سوبا ثم سنار .. ترحل في أقساط مستمرة إلى الجنوب من مركزها دوما .. ورحلت الفكرة في ذات الوقت وقبله وبعده إلى : العراق والأغريق/ اليونان وإلى الروم والفرس وإلى الصين وإلى أكسوم وإلى أورشليم القدس وإلى مكة والأندلس ثم أخيراً إلى بريطانيا وأمريكا وسويسرا واليابان وهولندا "مثال". فأنت لن تعيد كوش لأن لونك أسمر مثل ألوان أهل الحضارة الأوائل .. هذا مجرد وهم كبير ومحاولة كسولة للتغطية على العجز والفشل الحضاري والهزيمة أمام الآخر . لأن كوش ليست لون بشرة ولا مجرد شفرات جينية ولا إهرامات أو آمون أو الأله رأس الأسد بل فكرة ديناميكية متحركة ومتحررة . والفكرة رحلت . عليك أن تسعيد الفكرة قبل أن تنظر إلى لونك . لان ألوان أخرى أخذت الفكرة وواصلت الحضارة. إذن ماذا علينا أن نفعل لنحقق السلام والأمن والعيش الرغد والتكنولوجيا لنغزو ونستكشف الفضاء؟. علينا بالفكرة . ببساطة الخطة الإستراتيجية العلمية . القول بأننا كوشيون أو لون واحد أو تاريخ واحد لن يمنعنا من ذبح بعضنا البعض كما هو حادث في كل أرجاء أفريقيا ليست ارض السودان فحسب (مذابح مستمرة في لايبيريا والكنغو ورواندا والصومال وانقولا وجنوب السودان بعد إنفصاله وإلخ) ولن يحقق لنا ذلك وحدة وطنية . لم يحدث . وفي غياب الفكرة يحدث التخلف أيضاً بفظاظة في أرجاء أخرى من حولنا في الشرق . العرب لم تمنعهم عروبتهم ولا دينهم الأعم الواحد من قتل بعضهم البعض والحروب المستمرة في غياب الفكرة . بعد نستطيع أن نستخدم الآثار الحضارية في الثقافي والمتعة بها وفي السياحة وترقية المناشط الإقتصادية .. ليس إلا .. وذلك من الاهمية بمكان . لا توجد حضارة منقرضة أعادت نسخ نفسها من جديد في زمكان جديد .. مستحيل .. هو مثله وخيال السفر في الماضي او المستقبل .. مستحيل.. أتعس الشعوب الآن وأفقرها هي الشعوب التي أحتضنت أولى الحضارات البشرية : السودان ومصر والعراق وسوريا واليمن والصومال "حضارة بونت" والمكسيك "الأنكا" واليونان "أرسطو" وإيطاليا "بقراط" أمثلة. لسببين ضياع الفكرة وتغير الأحوال المناخية . وهذا بالزبط ما حدث لحضارة السودان الكوشية : ضاعت الفكرة من جراء تصحر البيئة أي رحلت إلى عوالم أخرى أرحب .. وتلاقحت الفكرة مع طقسها الجديد في كل مكان ذهبت إليه . وهي ترحل بشكل مستمر. ترحل ولا تموت . ترحل ولا تعود هي ذاتها إن عادت بل تعود وفق شروط الزمكان . قوموا أيها السلفيون الجدد إلى أداء الواجب ودعوا الأماني اللذيذة المخدرة "الترامادول" فأنتم لستم أهل الفكرة . أهل الفكرة أولى العزم ماتوا منذ الأزل والفكرة رحلت . قوموا أصنعوا فكرتكم الحضارية الجديدة التي تقوم على الخطة الإستراتيجية في الزمكان والعيش السلمي المشترك الذي يقوم على الوعي العلمي والعملي بالمصلحة المشتركة والإحترام المشترك ووفق حقوق وواجبات متساوية للمواطن "الفرد" ووفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلانات المعضدة له. [email protected]