لا اعتقد ان هنالك شخص، اتيحت له فرصة ان يتحول الي شخصية تاريخية يشار لها بالبنان ، فاختار طائعا ان يتحول الي طاغية ملعون ، مثل الشقي البرهان ! وهذا للاسف جانب من متلازمة حظ عاثر لازم ما يسمي دولة السودان . فالبرهان الذي لم يسمع به احد ، في الحياة العامة والوسط السياسي علي وجه الخصوص ، وجد تاييد يشابه ما حدث لحمدوك ، كبديل للجنرال المكروه ابن عوف . وهو بهذا السند ، كان في امكانه رد الاعتبار للقوات المسلحة ، بالناي بها عن الحياة السياسية . وتقديم خدمة للثورة بحمايتها من الانقلاب . والمساعدة في التخلص من نهج الاسلامويين اللصوصي وارثهم التخريبي ، واسترداد ما نهبوه من ثروات البلاد . وبصفة عامة ، العمل علي تهيئة البلاد للتحول الديمقراطي والدولة المدنية ، كقطيعة ابدية مع لعنة الانقلابات وثقافة الاستبداد ، وما احدثته من تعطيل لمسيرة البلاد في دروب النهضة والتقدم . وكذلك كان في امكانه توظيف علاقاته مع قائد قوات الدعم السريع ، للتفاهم حول كيفية الخلاص من هذا السرطان سلميا؟ او ايجاد الوسيلة المناسبة للخلاص من هذه المليشيات باقل الخسائر . بحكم معرفته الدقيقة بخبايا هذه المليشيات ، وبوصفه احد مهندسي او صناع هذا المسخ الاخطبوطي! وفي ذات السياق توظيف علاقاته مع الامارات لرد كيدها ، واجبار المصريين علي تبني علاقات ندية تراعي مصالح البلدين. هل قلنا شيئا عن ما اتاحته الثورة من ظروف مثالية ، كان في امكانه توظيفها والبناء عليها وفق تصور شامل ، للوصول لمعادلة سلام عادلة ، تلبي مطالب الحركات المسلحة المتوائمة مع شعارات الثورة ، في الحرية والسلام والعدالة ، والتاسيس للدولة المدنية ، وانصاف ضحايا الحروب واعادة اعمار وتنمية مناطقهم . اي صناعة السلام الذي يساعد علي بناء اللحمة الوطنية في دولة المواطنة . اقلاه هكذا جهد ونية صادقة ، كان سيشكل مدخل للتعافي من غبن الحروب ، وتقديم فرصة ذهبية للبرهان للتخفيف من وزر جرائمه علي المستوي الخاص ، وجرائم الجيش السوداني، بعد ان تحول الي مليشيا تخدم ايديولوجيا الاسلامويين. وبدلا عن ذلك وغيره الكثير ، رضي البرهان بكل خسة ، ان يلعب الدور القذر ، من خلال العمل علي اجهاض الثورة بكل الوسائل . وارجاع الفلول للسيطرة علي جهاز الدولة. والتآمر مع الدعم السريع والحركات المسلحة ، لاقصاء شركاء الفترة الانتقالية . والاسوأ من ذلك ، رهن مصالح البلاد ومقدراتها وقرارها السياسي ، لدي دول محور الشر ورعاة الاستبداد في الخارج . اي اصر بكل صلف وعنجهية وموات ضمير علي المحافظة ، علي علاقات الامتيازات ، وتجيير البلاد لصالح اقلية، لا يصدف انها مركب للجريمة المنظمة . وهو ما لا يمكن تمريره إلا عبر ازاحة السياسة (كادوات وبرامج) او افراغها من مضمونها ، كوسيط لتنظيم العلاقات الاجتماعية علي اسس عقلانية ، تحافظ علي حقوق المواطن وكيان الدولة ووظيفتها. والاستعاضة عنها بكيانات ضد سياسية اذا جاز التعبير ، من جيش نظامي وحركات مسلحة ومليشيات واجهزة امن متعددة المسميات والوظائف ، لتكوين وحماية وتمدد السلطة الاعتباطية (منظومة قهر واهدار حقوق) . وهي في الحقيقة الوصفة المجربة التي تناسب تطلعات (غرائز) الطغاة. والحال كذلك ، اذا كان حضور السياسة كممارسة واعية ، دليل رقي وتحضر. فعلي قدر تغييبها وتهميشها واحتقارها ، تستبين طبيعة الطغيان ومستوي بدائيته . من هذه الزاوية ، البرهان كطاغية مستجد ، تجسد حالته ، انحطاط في قيمة وممارسة الطغيان نفسه ! اي البرهان ككتلة تشوه علي كافة المستويات ، يسئ للطغيان كواقعة هي اصلا بالغة السوء ، وهو ما يبيح وصف طغيانه ، بما بعد الطغيان . وهذا يفسر لماذا ينفر البرهان من الثورة وما يمت لها بصلة ، وكذلك الحياة المدنية وما يتعلق بها. وينحاز بكل اريحية لارث البشير في امتهانه الكذب والنفاق ، وتجربة السيسي في فرض سيطرته عبر ممارسة البطش واشاعة الارهاب . ولكن مشكلة البرهان (النسخة الرديئة من الطغيان) انه يتميز بضيق الافق وضحالة القدرات ، وانعدام الحساسية تجاه كل المطلوبات السياسية . وهذا ما يتمظهر بجلاء في طريقة التعاطي مع السلطة كسرية في الجيش. وخلطه للخاص بالعام ، من خلال تحويل الاختلاف في وجهات النظر الي خلافات شخصية ، لا يتورع عن استخدام جهاز الدولة في تصفيتها ! اما الاخطر ، فهو تماهيه مع اجهزة الدولة ومؤسساتها ، ليحيل الخلافات مع السياسيين والثوار ، الي خلافات مع الجيش وكل الاجهزة الامنية النظامية وغير النظامية ! وهذا الاسلوب الخطير في ادارة الاختلافات ، لا يعكس قصر النظر وسوء التربية والجبن فقط ، ولكنه يفسد العلاقة بين القوات المسلحة والشعب وعلي الاخص النخب الناشطة سياسيا ، لتتحول علاقة الحماية (عقد المواطنة) الي علاقة احتلال (عداء وكره). ومؤكد هكذا علاقة مأزومة يستحيل عليها خلق استقرار في الدولة ، قبل ان تستدعي دخول القوات الاممية لحماية المواطنين العزل من القوات المسلحة المعتدية!! اما علامات قصر النظر الكبري ، فتعكسها علاقة البرهان بحميدتي ، الذي يحاكي برغوث غوته في قصر السلطان ، والذي تحول تحت رعايته ، الي بعبع يقض مضجع الجميع! فتنسيقه مع حميدتي وفتح المجال امامه ، قد يخدم البرهان علي المدي القصير ، ولكن المؤكد ان شخص بطموحات ودينامية ومكر حميدتي ، هو من يستخدم البرهان ككاسحة الغام للتخلص من اعداءه ، واعداد المسرح لاعتلاءه منفردا . وكذلك استعانته بالاسلامويين كحاضنة بديلة ، رغم كل جرائمهم وسمعتهم السيئة ونبذهم اجتماعيا ، وهذا غير ان الاسلامويين لا يتميزون بشئ قدر استغلالهم واستغفالهم لكل من يستعين بهم ، وتجربة نميري معهم خير دليل ! وهو ما ينطبق علي الحركات المسلحة ، التي تحركها اطماع سلطوية ومالية وغبن عرقي ، وهو ما يجعل التحالف مع البرهان ليس اكثر من وسيلة لنيل مبتغاهم بالحيلة ، وللتغطية علي تنفيذ مخططاتهم بهدوء. اما الطامة الكبري ، فهي كبار الجنرالات الذين يستعين بهم البرهان ، سواء في الخدمة او خارجها . فهؤلاء لا يقلون كفاف اخلاقي وفقر معرفي وضحالة سياسية وعداء للثورة والمدنيين عن البرهان . لذلك فهم يثيرون السخرية والرثاء ، اكثر من كونهم قوة دعم ومساندة ، تعمل علي تقديم المشورة للبرهان ، وتبريرات مقنعة لاخطاءه وجرائمه في حق الثورة والثوار ومستقبل البلاد . فهم يصدق عليهم قول اللهم اكفنِ شر جهالة الجنرالات بجانبي ، اما اعدائي الثوار فانا كفيل بهم ! (هذا بالطبع اذا كان للبرهان عقل نشط). اما العامل المشترك بين المحيطين بالبرهان او من يستند عليهم في الغدر بالثورة ، فهو الحرص علي المصالح الخاصة ، سواء كانت سياسية او مادية او اجتماعية ، ويضاف لها الناحية النفسية للمهوسين من امثال العاهات المسمي خبراء عسكريين (عبدالباسط وسوركتي ومحي الدين) . وهذا الاستثمار السهل في البرهان ، لم ينتج من فراغ، ولكنه يستند علي طموحاته السلطوية ، من غير استيفاء شروط اهليتها ، بما فيها شرعية الوصول اليها. والحال كذلك ، شخص بكل هذا المواصفات من الغباء السياسي وضعف القدرات القيادية والشهوة الصبيانية للسلطة والرغبة الطفولية في احتكارها ! . ليس في وارد ترك السلطة باي كيفية وثمن ؟! اما الاخطر فهو استعداده لتدمير الدولة وابادة الشعب ، اذا توهم في ذلك خلاص السلطة او خلاصه الشخصي لا فرق ، طالما هما في حالة دمج سيامية. وهو ما يجعل تحرير السلطة من قبضته لا يمر إلا عبر نزعها منه انتزاعا . واخيرا موكب 6 ابريل يستحسن التعامل معه ليس كنهاية المطاف او الضربة القاضية ، ولكن كنقطة تحول في العمل المعارض ، بتوحيد الجهود وتحديد الاهداف وطريقة انجازها . فهذا اقل وفاء يصلح تقديمه للشهداء والمصابين والغائبين. والاهم الاستفادة من تجربة 6 ابريل كرمزية تاريخية ، اهم ما فيها عدم الحاجة لاستعادتها في كل مرة بذات الآمال والتطلعات . وباذن الله في رحاب الحرية والسلام والعدالة يجتمع الجميع .