أنجز السودانيون ثلاث ثورات شعبية عظيمة وفشلوا بعدها جميعا في توطيد واستدامة الحكم الديمقراطي ، اختلف زمان تفجير الثورات بين 1964م و 1985م و 2018م واختلفت الاجيال التي فجرت هذه الثورات ، وظل العجز موجودا في اقامة نظام حكم ديمقراطي مستدام ، فأين هي العلة؟ . حينما يدور الحديث عن السلطة فنحن نتحدث عن مؤسسة تديرها مجموعة من الناس ، تحيط بها مجموعات اخرى من الخارج ، الطبقات الثلاث التي تشكل الحكم هي : طبقة الحكام ، طبقة السياسيين المعارضين والجيش ، والجماهير ، لكل طبقة من هؤلاء دورها الايجابي والسلبي في عملية توطيد اركان السلطة المدنية او هدمها. طبقة الحكام ، وهي تعني الجهة او الجهات التي تحوز على السلطة وتديرها بعد الثورات سواء بتفويض جماهيري او بانتخابات ديمقراطية ، مثال قوي الحرية والتغيير بعد ثورة ديسمبر حيث تم تفويضها جماهيريا. وتلعب طبقة الحكام الدور الاهم والاخطر في عملية الانتقال من النظام الشمولي الى النظام الديمقراطي. بعد ثورة أكتوبر 1964م وثورة أبريل 1985م استطاعت قوى الانتقال ان تعبر بالفترة الانتقالية بسلام الى الانتخابات بينما فشلت قوى الحرية والتغيير في ذلك ، والخلاف الأول الذي يمكن الإشارة اليه بين ما حدث بعد ثورة ديسمبر وما حدث سابقا بعد ثورتي أكتوبر وابريل هو طول فترة الانتقال نفسها ، كانت فترة الانتقال في الثورات السابقة قصيرة ، سنة او اقل ، بينما اتفق ان تكون ثلاث سنوات او اكثر بعد ثورة ديسمبر. قرار اختيار فترة انتقالية طويلة بعد ثورة ديسمبر كان مبنيا بالاساس على افتراض يقول ، ان الفترة الانتقالية القصيرة تنتج حكم ديمقراطي هش سرعان ما يسقط بالانقلاب ، بينما الفترة الانتقالية الطويلة تؤسس لحكم ديمقراطي متين ومستدام. الذي حدث ان الانقلاب على الفترة الانتقالية الطويلة حدث بصورة أسرع، اذ انقلب البرهان على الحرية والتغيير بعد أقل من سنتين ، بينما حدث انقلاب النميري بعد خمسة سنوات من ثورة أكتوبر ، وحدث انقلاب البشير بعد اربعة سنوات من ثورة أبريل. هذه الوقائع والمقارنة تشير الى ان طول الفترة الانتقالية قد يخصم من التحول نحو الديمقراطية وليس العكس ، وهو ما يدعم وجود فترة انتقالية قصيرة نشيطة لا تتعدى السنة تتمحور أهدافها حول ارساء الأمن وإعداد البلاد للانتخابات العامة ، وقوى الاتفاق الاطاريء والتغيير الجذري كليهما يؤمنان بضرورة وجود فترة انتقالية طويلة. يتبع ….