منذ اندلاع المعارك في السودان، يعاني سكان العاصمة، الخرطوم، وبعض المدن من انهيار في الخدمات خاصة الصحية، في ظل تضرر بعض المستشفيات والمنشآت الطبية ناهيك عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وفق ما ذكرته منظمات وأطباء يعايشون ما يحصل. ورغم وصول المساعدات الطبية يشكك أطباء سودانيون تحدثوا لموقع "الحرة" بالتصريحات الرسمية التي تتحدث عن توزيعها على جميع الولايات بشكل عادل، مؤكدين أن الجيش السوداني يستحوذ على نصف المساعدات على الأقل. وحذروا من استمرار نقص الأدوية خاصة على المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مستعصية مثل السرطان أو الكلى وغيرها من الأمراض التي تحتاج إلى رعاية طبية متواصلة. وقالت وزارة الصحة السودانية، الأربعاء، إن "إيصال الإمدادات وتقديم الخدمات لا يزال مستمرا في معظم الولايات"، مشيرة إلى "استلامها لإمدادات طبية من أكثر من 10 جهات دولية وإقليمية" حيث يتم توزيعها بشكل منتظم على مناطق السودان. *وزارة الصحة الاتحادية: إنتظام إيصال الامداد وتقديم الخدمات في معظم ولايات السودان* *الصحة الاتحادية:تراكمي الإصابات… Posted by وزارة الصحَّة الإتحاديَّة on Wednesday, May 24, 2023 "شبهات فساد" غرفة مستشفى في السودان.. صورة أرشيفية الطبيب علاء الدين عوض، استشاري جراحة الكبد وزراعة الأعضاء قال في رد على استفسارات موقع "الحرة" إن القطاع الطبي في السودان يعاني تحت وطأة التوترات الحاصلة، وحتى مع وصول شحنات مساعدات "إلا أن هناك شبهات فساد ترتبط بعملية توزيعها". وقال إن "الجيش والسلطات وضعت يدها على ما لا يقل من 50 في المئة من شحنة المساعدات الطبية التي أرسلتها منظمة الصحة العالمية، حيث يحتفظون بها في مستودعاتهم، ولا يتم تزويد المراكز في الخرطوم بأي كميات منها". وأوضح الطبيب عوض أن السودان تسلم ما لا يقل عن 26 شحنة مساعدات، 18 شحنة منها طبية، وثماني شحنات غذائية، ولكن "المشكلة ليست في تسلم هذه الشحنات إنما بعدم تواجد شفافية أو آلية دولية واضحة تشرف على توزيعها". وأضاف أن بعض الشحنات، التي أرسلها الهلال الأحمر، تم توزيعها بشكل عادل، ولكن "المساعدات الطبية التي أرسلتها منظمة الصحة العالمية، وضع الجيش يده عليها بذريعة وجود مخاوف أمنية"، لأنها قادمة من دول معينة وعليهم تفتيشها "حتى لا تكون تحمل أسلحة مرسلة لقوات الدعم السريع". وذكر أن المساعدات تلك تم إرسالها إلى مطار عسكري حيث لم تتمكن أي جهة طبية من الوصول إليها. وبدأ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هدنة تستمر أسبوعا دخلت حيز التنفيذ، الإثنين، بهدف السماح بتوصيل المساعدات وتقديم الخدمات بعد المعارك المستمرة بين الجانبين، منذ منتصف أبريل، التي أدت لمقتل المئات وتسببت في أزمة لاجئين. ودعا عوض إلى ضرورة تشكيل لجنة وطنية مستقلة تشرف على توزيع المساعدات الطبية، مشيرا إلى أن "مرضى السرطان والكلى هم الأكثر تأثرا بنقص الأدوية"، مؤكدا أن بعض المرضى "توفوا بسبب عدم توفر الأدوية أو المستلزمات الطبية". وعلى الرغم من أن القتال هدأ قليلا، وردت تقارير على مدى الأيام الماضية بوقوع اشتباكات وقصف مدفعي وضربات جوية. وقالت السعودية والولاياتالمتحدة في بيان مشترك "بغض النظر عن رصد استخدام طائرات عسكرية وإطلاق نار متقطع في الخرطوم، فقد تحسن الوضع في الخرطوم منذ 24 مايو، عندما اكتشفت آلية مراقبة وقف إطلاق النار انتهاكات جسيمة للاتفاقية". وحاول موقع "الحرة" الاتصال بوزارة الصحة السودانية الاتحادية، من دون تلقي إجابة حتى وقت نشر التقرير. وكان وزير الصحة الطبيب، هيثم محمد إبراهيم، قد أعلن سعي الوزارة لجعل ولاية نهر النيل "ركيزة إقليمية" للإمدادات الطبيبة والطوارئ الصحية للسودان وذلك "لما تتمتع به من ميزات تفضيلية جعلتها تحتل موقعا استراتيجيا ومتميزا". "معاناة مستمرة" للمرضى العديد من المنشآت الطبية خرجت من الخدمة . أرشيفية طبيب الكلى السوداني، هشام حسن عبدالوهاب، قال إن مناشداتهم للمجتمع الدولي نجحت بتوفير أدوية لمرضى الكلى، والتي ستكفي احتياجات "مرضى زراعة الكلى لمدة شهر ونصف على الأكثر". وأشار في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "أدوية ومستلزمات مرضى غسيل الكلى لا تزال تشهد نقصا في العديد من المراكز الطبية، خاصة في الخرطوم، إذ قد تكون المساعدات وصلت للميناء ولكن هناك مشاكل في تخليصها وتوصيلها للمراكز". وتشير بيانات وزارة الصحة السودانية إلى تواجد نحو 12 ألف مريض كلى، بين من يجرون عمليات الغسيل الدوري أو الذين لديهم كلى مزروعة. في ظل تحذير من "كارثة" إنسانية وطبية في السودان بسبب القتال، وجهت وزارة الصحة السودانية رسائل تطمينية لمرضى الكلى في البلاد تشير إلى توفر العلاجات، واستمرار تقديم خدمات غسيل الكلى، كاشفة، في بيان، وجود نحو 12 ألف مريض كلى، بين من يجرون عمليات الغسيل الدوري أو الذين لديهم كلى مزروعة. ودعا عبدالوهاب إلى "ضرورة نقل مرضى الكلى من الخرطوم ومناطق الصراع إلى المدن الأخرى، وضمان توفير ما يلزمهم من العلاج، حتى لا تزيد معاناتهم والإنهاك الذي يزيد من حدة مرضهم". وحذر عبدالوهاب "من استمرار النزاع المسلح، الذي سيكون كارثيا على المرضى في السودان ممن يعانون من أوضاع صعبة" أصلا. الطبيبة صفاء محمد، وهي من أعضاء المجلس المنتخب لنقابة الأطباء، وصفت وضع القطاع الصحي في السودان ب"السيء جدا"، إذ تستمر المعاناة في مشكلة "الإمدادات للأدوية والمستلزمات الصحية". وأكدت في حديثها لموقع "الحرة" ما ذكره الطبيب عوض بأن "الجيش السوداني يستحوذ على المساعدات الطبية، حيث يتم وضعها في مستودعات في مطار وادي سيدنا العسكري، ورغم محاولة التواصل مع طواقم طبية عسكرية، إلا أنهم أكدوا عدم توفر سلطة لديهم (لتحديد مصير) هذه المساعدات". وتقول الطبيبة صفاء إن "شح الأدوية والمستلزمات ليس في الخرطوم فقط، إنما وصل للمنشآت الطبية في الولايات الأخرى، خاصة مع اكتظاظ هذه المرافق بسبب تحويل المرضى من العاصمة، ناهيك عن تعاملهم مع المصابين من الحرب التي تعانيها البلاد، منذ منتصف أبريل". وشككت في التصريحات الرسمية التي لا تنقل ما يحصل على أرض الواقع، مشيرة إلى أنها "طبيبة تمارس عملها في الميدان، وهي تنقل صورة حقيقة ما تعانيه الطواقم الطبية الذين يعملون من دون معدات أو أدوية تكفي احتياجات الحالات التي يتعاملون معها". وقال جان نيكولا أرمسترون، من منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية، في بيان، الأربعاء: "عقب تعرض أحد مستودعاتنا الطبية للنهب في الخرطوم، قطع التيار الكهربائي عن الثلاجات وأخذت الأدوية". وتابع "دمرت سلسلة التبريد بأكملها، ففسدت الأدوية وباتت غير صالحة لعلاج أي مريض". وأضاف أرمسترونغ "نشهد خرقا للمبادئ الإنسانية، والحيز الإنساني المتاح آخذ بالتقلص بشكل لم أشهده إلا نادرا". وتظهر قاعدة بيانات تابعة لمنظمة الصحة العالمية وقوع 28 هجوما على مرافق الرعاية الصحية في السودان، منذ اندلاع الصراع الشهر الماضي، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتعمل 16 في المئة فقط من المنشآت الصحية في الخرطوم، لكنها تعاني نقص المستلزمات وكوادرها الطبية منهكة، حسب الصحة العالمية. فرّ أكثر من مليون سوداني من البلاد منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، منهم من غادر خارج الحدود، ومنهم من اكتفى بالانتقل من الخرطوم التي تعد المسرح الأبرز للاقتتال بين الموالين للمعسكرين، لكن الحظ لم يكن حليف كثيرين، ممن بقوا محاصرين داخل الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري. وأفادت عدة وكالات إنسانية بوقوع أعمال نهب خلال أزمة السودان، من بينها برنامج الأغذية العالمي الذي قال إنه خسر إمدادات تراوحت قيمتها بين 13 و14 مليون دولار. وفر نحو 1.3 مليون بسبب القتال في السودان، ونزحوا داخل السودان أو لجؤوا لدول مجاورة. وقالت وزارة الصحة إن 730 على الأقل قتلوا رغم أن العدد الحقيقي أكبر بكثير على الأرجح. ومع احتياج نصف سكان السودان البالغ عددهم نحو 49 مليون نسمة إلى مساعدات، قالت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إن كمية من الحبوب تكفي لإطعام مليوني شخص ستصل للسودان على متن سفن. لكن من غير الواضح كيف يمكن توصيل تلك الشحنة وغيرها من المساعدات إلى السودان دون ضمانات أمنية وتصاريح.