إن الحرب التي اندلعت في 15 إبريل بين قوات الشعب المسلحة والدعم السريع ألقت بظلالها على القطاع المالي والمصرفي، كما تفاقمت الأزمة الإنسانية مع إغلاق المصارف وبات عملاء البنوك يعانون من أزمة حادة في السيولة النقدية، وسط توقعات بإستفحال الأزمة في حال إستمرار عمليات القتال، وتطاول أمد الحرب. وتشهد المصارف السودانية اضطرابات شديدة بشأن مستقبل القطاع المصرفي لفترة ما بعد الحرب. وتعد هذه الاضطرابات الأولى من نوعها منذ الاستقلال. في خلال سريان الحرب تعرض عدد من فروع البنوك العاملة في مختلف أنحاء العاصمة الخرطوم لعمليات نهب بعد أن تمكن مسلحون من الوصول إلى الخزن والغرف المحصنة وصناديق حفظ الأمانات داخل البنوك. ومن خلال ما يجري في البنوك نخلص الاتي:- أولًا :- موقف ودائع العملاء :- ما تم سرقه من العملة المحلية من خزن البنوك يمثل نسبةً ضئيلةً جداً مقارنةً مع حجم الودائع بالبنوك ، حيث لا تتعدي النقدية بالخزينة نسبة 10% من حجم الودائع وعليه نفيد جمهور المتعاملين مع البنوك بأن ودائعهم في أمان. أما الكارثة الكبرى التي تعرضت لها البنوك سرقة العملات الأجنبية حيث تشكل خسائر فادحة تؤثر علي الموقف المالي للبنوك ولا سيما شركات التأمين لا تغطي الخسائر في حالات الحرب. خزن الأمانات وهي صناديق بأحجام مختلفة داخل غرف محصنة يتم تأجيرها للعملاء لحفظ الأشياء الثمينة بداخلها بموجب عقد بين الطرفين والبنك لا يعرف ما بداخل الصناديق. خلال الحرب تم نهب مجموعة كبيرة من خزن الأمانات تقدر بأطنان من المجوهرات والحلي وعملات أجنبية ومستندات وأوراق مهمة. ومن الجانب القانوني وبموجب العقد الموقع بين الطرفين، فإن البنك ليس طرفاً في ذلك وهي مسؤولية شخصية لصاحب الصندوق، إلا أنه يهز ثقة الجمهور في المصارف. ثانيًا:- أسباب فشل البنوك في مزاولة العمل أثناء الحرب ؟؟ إن من أهم واجبات إدارات المخاطر وضع خطة التعافي من الكوارث، وهي العملية التي من خلالها تتوقع الكوارث المتعلقة بالتكنولوجيا وكيفية معالجتها، حيث يمكن أن تتعطل أنظمة تكنولوجيا المعلومات بشكل غير متوقع نتيجةً لظروف قاهرة ( Force Majeure ) غير متوقعة، مثل إنقطاع التيار الكهربائي أو أحداث طبيعية أو مشكلات أمنية أو حروب أو غيرها. تتضمن عملية التعافي من الكوارث إجراءات وسياسات التعافي بسرعة من مثل هذه الأحداث ، ويتم ذلك بالإحتفاظ بقاعدة البيانات( Disaster Recovery ) في مكان آمن خارج موقع تواجد {المخدم } ويتم تشغلها فوراً عند حدوث الكوارث من أجل إستمرارية الأعمال بتشغيل النسخة الموجودة في السحابة. وهذا ما فشلت فيه كل البنوك السودانية ماعدا ( بنك الخرطوم) الذي باشر عمله فوراً و منذ اليوم الأول من إندلاع الحرب؛ حيث كانت لديهم نسخة من قاعدة البيانات خارج العاصمة. ثالثًا :- مشكلات ما بعد الحرب إن شبح الإنهيار يخيم علي سماء السودان في جميع المجالات الإقتصادية، والتجارية و الإستثمارية، وبالأخص قطاع المصارف. ومن الأسباب الرئيسة للأزمات المصرفية والتي قد تؤدي للإنهيار: ازمة السيولة؛ تحدث أزمة السيولة عندما يتعرض البنك إلى زيادة كبيرة ومفاجئة في طلب سحب الودائع، نتيجة لحالة كساد حاد أو تضخم جامح أو أزمة عملة حادة، وذلك عندما يقوم البنك لمنح التمويل بمعظم الودائع التي لديه وعدم التحسب لمواجهة طلبات السحب اليومي. القروض المتعثرة لأي عملية استثمارية. قد يدخل البنك في أنشطة استثمارية تنتهي بالفشل لأي سبب من الأسباب والبنوك عادة ما تمنح قرض وهو من صميم عملها وقد تفشل نسبة عالية من هذه القروض مما يجعل الجمهور يفقد الثقة في البنك مما يودي إلى الإسراع في السحب0 أزمة التمويل: وهذه الأزمة تحدث عندما تتوافر الودائع لدى البنوك وترفض منح القروض، ومن خلال طرحنا لأسباب الإنهيار الثلاثة وهي ماثلة أمامنا، نؤكد بأن الأزمة الإقتصادية تمر بأقصى وأخطر مراحلها ومتجهة نحو الانهيار. وأوضاع البنوك تحتاج إلى إعادة هيكلة وفق برنامج متكامل وقرارات جريئة لإصلاح الوضع الراهن. حيث في ظل أوضاع البنوك الحالية لا يتوقع بأن ينهض بالدور المناط به في حركة الإقتصاد. رابعًا :- خارطة طريق لمًا بعد الحرب (أ) وضع برنامج متكامل لكل الجوانب المالية والإدارية والفنية لعلاج الموقف الماثل الآن في قطاع البنوك. (ب) إلغاء كافة القوانين واللوائح الصادرة خلال الفترات السابقة. (ج) تشكيل لجنة من الخبراء المصرفيين والقانونيين للقيام بإعداد قوانين ولوائح تتماشي مع متطلبات المرحلة . (د) البنوك التجارية :- ⁃ علي الحكومة المساهمة في الخسائر الفادحة التي تكبدتها إثناء الحرب لفشلها في حماية ممتلكات المواطنين والبنوك. ⁃تشجيع البنوك العاملة علي الدمج في مجموعات متجانسة برضاء المساهمين . ⁃السماح للبنوك جدولة خسائر الحرب في شكل مخصصات مريحة طويلة الأمد . (ه) البنوك الحكومية والمتخصصة. – تحويل البنوك الحكومية إلى شركات مساهمة عامة وطرح الأسهم للمغتربين والجمهور. ⁃ دمج البنوك المذكورة إلى ثلاثة قطاعات( زراعي / صناعي / عقاري). وأخيراً علي البنك المركزى الاتي:- ⁃إلزام المصارف بتوفير احتياطي نقدي بنسبة لا تقل عن 25% تحسبًا لمخاطر الإفلاس. ⁃منح البنوك قروض حسنة وميسرة لانقاذ المصارف من الانهيار. ⁃ تقليل نسبة هامش الربح في التمويل. ⁃ جدولة التعثر بحيث لا يتضرر العملاء وإشهار الافلاس وعدم المقدرة علي سداد عمليات التمويل القائمة . ⁃استثناء العملاء الذين تاثروا بالحرب من قائمة المتعثرين مع دراسة امكانية اعادة تمويل المتعثرين . ⁃ إصدار توجيهات رقابية صارمة لإختبارات الضغط لحماية المصارف من المخاطر التي تتعرض لها جراء الأزمة الإقتصادية والمالية التي تحتم مجابهة الأحداث السلبية غير المتوقعة متمثلة في مخاطر السيولة وتركيز التمويل ومخاطر السوق و التشغيل بعد نشوب الحرب. القاهرة في 18 أغسطس 2023م