السياسة هي عملية الصراع السلمي نحو تشكيل واقع الحكم في البلد، وبالتالي ليس متوقع ان تخلو ساحة السياسة من صراع مدني-مدني، فهذه هي طبيعة السياسة والديمقراطية وعنوانها منذ ان ظهرت في اثينا القديمة . وهناك شروط لهذا الصراع تبلورت مع التجارب الانسانية عبر الزمان: – الشرط الأول هو ان يكون هذا الصراع المدني-المدني بادوات سياسية سلمية لا بالعنف عبر استغلال الجيوش والاسلحة. – الشرط الثاني ان يكون صراعا مدنيا صرفا، وليس صراعا بين المدنيين والجيش، لأن الجيش بيده القوة العسكرية ويمكنه في اي لحظة الاطاحة باي حكومة مدنية مما يجعله صراعا غير متكافئا، وهو ما سيجعل هؤلاء الذين أطيح بهم يصنعون جيشا مضادا لكي يتوازن الصراع، مع ان هذا التوازن سيكون مكلفا ومدمرا للبلد والشعب لانه سيكون صراع جيوش وليس ساسة. ونحن للأسف بعد كل هذه الحروب والدماء مازلنا نحاول إقناع هؤلاء العسكر بأن الحكم ليس من اختصاصهم، وأن تدخلهم في الشئون السياسية هو الذي انتج الحروب والخلافات الوطنية العميقة وتمدد خطابات الكراهية والانفصال. ويحمد للقوى السياسية انها ظلت على الدوام تساوم في الجيش من أجل العودة إلى ثكناته بطريقة شريفة ومنظمة تحفظ له قيمته وتضمن امن وسلام البلد، لكن الادلجة التي حدثت للجيش في عهد الانقاذ وقبله جعلته يفكر ويعمل بلسان فصيل سياسي، فتحول بذلك الجيش من مؤسسة قومية الى حزب سياسي مسلح، وهذا التحول هو الذي فجر الأوضاع كلها وقاد البلاد الى ما هي فيه الان. اصرار البعض على تقديس هذا الجيش المؤدلج وتصويره كمؤسسة قومية وتفويضها للحكم، هو أسوأ مقاربة لمعالجة الأشكال الضخم اعلاه. الحرب الحالية ليست سوى إفراز لهيمنة الجيش على السياسة، فوجود المليشيات والحركات المسلحة المتعددة والكثيرة، هي تعبير عن واقع البلد حيث أصبحت ممارسة السياسة بالجيوش والسلاح والكتائب وليس بالاحزاب السياسية. اذا لم يقد الجيش بنفسه عملية انسحاب حقيقية من السياسة وليس التلويح بهذا الانسحاب ككرت كما يفعل البرهان كلما تم حصاره، اذا لم يفعل الجيش هذا، فان مصير هذه البلاد ومستقبلها لن يكون الا كما هو حاضرها الراهن حرب ونزوح وتشريد وقتل ودمار. [email protected]