نزار العقيلي: (كلام عجيب يا دبيب)    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    (25) دولة تدين بشدة الفظائع وانتهاكات القانون الإنساني الدولي في السودان على يد ميليشيا الدعم السريع    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    الهلال يدشن انطلاقته المؤجلة في الدوري الرواندي أمام أي سي كيغالي    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    شاهد.. إبراهيم الميرغني ينشر صورة لزوجته تسابيح خاطر من زيارتها للفاشر ويتغزل فيها:(إمرأة قوية وصادقة ومصادمة ولوحدها هزمت كل جيوشهم)    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان.. ما بين "طوفان الأقصى" و"معركة الكرامة"
نشر في الراكوبة يوم 16 - 10 - 2023

ما أن اشتعلت حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023 في عمق عاصمة "اللاءات الثلاثة" حتى صرّح مستشار قائد الدعم السريع – يوسف عزت إبراهيم لقناة "كان" الإسرائيلية مشبّهًا هجمات الجيش السوداني على عناصره بما ظلت تتعرض له إسرائيل آلاف المرات من اعتداءات حماس "الإرهابية" – على حد وصفه. بدا التصريح الغريب مع روعي كايس المذيع بهيئة البث الإسرائيلية بعد أسبوع من اندلاع الحرب ممعنًا في ما أسماه محللون "الاستثمار في سرديات الإرهاب وعداء السامية" وإنتاج دعاية مضادة تقضي على حقانية الجيش في إخضاع ما جرى من تمرد على سلسلة أوامره وصرامة تعليماته بعد حادثة مطار "مروي" في 13 نيسان/أبريل 2023 والتي ينتفي مع غيابها منطق المؤسسة، باعتبارها صاحبة الاحتكار الحصري لممارسة العنف الشرعي. ولم تلقَ تصريحات عزت التي قصد بها استمالةً صريحةً لإسرائيل أي أصداء علنية من الحكومة الإسرائيلية التي تتبنى نهجًا مزدوجًا في تطبيع العلاقة بالمكوّن العسكري، إذ تركّز الخارجية الإسرائيلية على مد جسور الصلة بالبرهان بوصفه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش معًا، في حين تميل أجهزة الأمن والمعلومات –وعلى رأسها الموساد– إلى توطيد العلاقة بقوات الدعم السريع التي تلقت تقنيات حديثة في اختراق أنظمة الاتصال والتنصت وأجهزة متطورة في التشويش والتعقب.
محلل ل"الترا سودان": أجندة الدولة السودانية أكثر نفاذًا في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية التي تعد المقاومة إحدى أهم أدواتها المجربة
وكان مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية ورئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية مبارك أردول قد أوضح في منشور بصفحته على "فيسبوك" أن هاتفه كان مراقبًا من استخبارات الدعم السريع بفضل التقنيات التي زودتهم بها شركات إسرائيلية، وأن قائد الدعم السريع كان يكاشفه بكثير من أخبار تحركاتهم السياسية المضادة لترتيبات الاتفاق الإطاري.
وأوضح مصدر مأذون فضّل حجب اسمه أن قيادات عسكرية وازنة أظهرت تذمرها من نمط التعامل التفضيلي مع الدعم السريع واستقبال قائدها الثاني عبدالرحيم دقلو أكثر من مرة في تل أبيب واجتماعه إلى قادة رفيعين في الموساد.
وذكر المصدر أن قوات الدعم السريع سعت إلى تغيير قناعة نافذين في صنع القرار الإسرائيلي بالعدول عن دعم البرهان كونه ظل ممتثلًا لآراء مكونات إسلامية داخل الجيش لديها موقف رافض من التطبيع، مؤكدًا أن حقيقة الموقف المناوئ للتطبيع لا يصدر عن مشكاة أيديولوجية لتكوينات الإسلام السياسي في القوات المسلحة، وإنما من خلال توصيف دقيق للدور الإسرائيلي الداعم لنزعات التمرد، كما تدل الوثائق والحقائق المجردة.
ويشير جمال الشريف في سفره الموسوم "الصراع السياسي على السودان" مُحيلًا إلى إيان بلاك وبني موريس في كتابيهما (حروب إسرائيل السرية) (Israels Secret Wars: A History of Israels Intelligence Services) إلى أن الحكومة الإسرائيلية كانت تجري مفاوضات سرية مع أعضاء الحركة الاستقلالية السودانية من أجل المساهمة في استقلال السودان، وأن جزءًا من تلك المفاوضات انعقد في إسطنبول ولندن، وآخر في تل أبيب بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي آنئذٍ ديفيد بن غوريون. ليتتبع بنظر استقصائي حثيث دور الإدارة البريطانية (1898 – 1956) في فصل السودان عن مصر، واختراق الحركة الاتحادية، ليغدو داعية الوحدة مع مصر هو من رفع علم الاستقلال في مفارقة تشير إلى نجاح آلية اختراق بنية الوعي المضاد، كما حدث مؤخرًا مع قوات الدعم السريع نفسها وهي محمولة بمركزية القضية الفلسطينية التي برزت في أحرفها "ق د س" إشارةً مرموزة إلى القدس لتصبح حلقة مهمة ضمن رهان يتمظهر مشروعه ممتدًا في مسرح متعدد الأبعاد يعيد ترتيب الوقائع والعبث بالخرائط وفق أجندة لا تخفي نوازع التفكيك وإنشاء سلطات هشة في جغرافيا الصراع الراهن.
تبادل الأذى
ويرى الدبلوماسي السوداني المتقاعد السفير عبدالله الأزرق أن المسألة الإسرائيلية ظلت حاضرة بنحو عميق في الواقع السياسي السوداني؛ إذ أُثر عن مسؤول "الشاباك" (الأمن الداخلي الإسرائيلي) آفي دختر اضطلاع إسرائيل بدور فعال في سياق تأزيم الأوضاع في السودان، لا سيما في حروب الجنوب وأزمة دارفور، مشيرًا إلى أن جهاز الأمن السودان كان قد ألقى القبض بمعسكر "كلمة" على اليهودي ديفيد أمري (كوري الجنسية) ويحمل جواز سفر أمريكي ويعمل لصالح الوكالة اليهودية الأمريكية العالمية، وأنه –أي أمري– كان يقدم محاضرات معادية للسودان في أمريكا، ويتهم حكومة "الإنقاذ" بممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي مقرًا بأن النهج الإسرائيلي المتربص بالسودان دفع أجهزة الدولة إلى دعم المقاومة الفلسطينية بمختلف أنواع الأسلحة ونقل كثير من القدرات العسكرية سواء بتدريب مهندسين فلسطينيين على إنتاجها وتبيئتها، مؤكدًا أن مهندسي التصنيع الحربي قد دربوا المهندس التونسي محمد الزواري على صناعة المسيرات، وهي فاعلة في معركة "طوفان الأقصى" الراهنة، ومبينًا أن وصول السلاح إلى غزة عبر الأنفاق أثار غضب الأجهزة الإسرائيلية ودفع قوتها الدفاعية إلى استهداف مصنع "اليرموك" في قصف شهير.
دعوات التطبيع
وأشار الأزرق إلى أن البشير ذكر له أن الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي حمل إليه قبل ستة أيام من سقوطه دعوة إسرائيلية إلى التطبيع، مبينًا أن أهم عنصرين في أجندة إسرائيل المعادية لنظام "الإنقاذ": محو التوجه الإسلامي وتدمير القدرات العسكرية ومنظومة الصناعات الدفاعية المتطورة.
وعمّا راج من ضلوع السودان في تنمية القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية التي ظهرت جليًا في معركة "طوفان الأقصى"، يشير المصدر نفسه إلى أن دعم المقاومة هو الجند الذي تبقى إلى آخر يوم في "الإنقاذ" ولم يرتبط بالنازع الأيديولوجي، بعد أن خبا بريقه مع تصفية أعمال المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي الذي تولى أمانته الدكتور حسن الترابي بترشيح من ياسر عرفات –وهو الذي زامله في لندن في منتصف الخمسينيات– وضم أكبر تجمع من الأحزاب الحاكمة والمعارضة في العالم الإسلامي.
ويرى صديق محمد عثمان القيادي الإسلامي وأحد شهود المرحلة أن ما أنتجه المؤتمر من حراك ألقى بظلاله على الخلاف بين تيار السلطة والترابي الذي صوب نظره في مدى أوسع وسياق أشمل لمصلحة الأمة ولم يعكف على وثن الدولة القطرية، مشيرًا أن دورات انعقاد المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي كانت تحضرها كل الأحزاب الحاكمة والمعارضة في الحكومات التي تملك برلمانًا وهيئات تشريعية، وتبنى المؤتمر قضايا مصالحة بين الأنظمة ومعارضاتها، وبذل مجهودات في عقد صلح بين العراق وإيران وسوريا والعراق، ودعوة إلى انتظام حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في منظمة التحرير بغرض مقاومة مضاغطات أوسلو، إلا أنها لم تكلل بالنجاح.
ويرى محمد الواثق أبو زيد الفاعل السياسي والمحلل لبنية السياسات والمؤسسات أن أجندة الدولة السودانية أكثر نفاذًا في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية التي تعد المقاومة إحدى أهم أدواتها المجربة، وأن حرص البشير على دعمها في محطات مفصلية سببه النظر إلى إسرائيل بوصفها عدوًا إستراتيجيًا، فضلًا عن نزوعه منذ وقت مبكر نحو المد العروبي ومشاركته في حرب 1973، إلى جانب تأثير الحركة الإسلامية التي تعمقت صلاتها مع القضية الفلسطينية منذ عهد نشأتها، إذ شارك عدد من عناصرها القيادية أمثال محمد صالح عمر ومحمد محمد صادق الكاروري في حرب 1948، وامتداد العلاقة بحركة "فتح" ومنظمة التحرير عمومًا لا سيما العناصر اليسارية فيها –قبل خروجها من تونس– مشيرًا إلى مرحلة المؤتمر القومي الإسلامي الذي مثلت فيه القضية الفلسطينية ناظمًا رئيسًا في إطار الدفاع عن المظلومين ووحدة الشعوب وإنشاء وعاء حيوي يعيد تعريف المصالح الجوهرية للأمة، وموضحًا نشوء مفارقة بين الأجندة التنظيمية التي يحكمها المساق الأيديولوجي وبين إكراهات الواقع الذي تمتثل له الدولة، ومؤكدًا أن حضور دعم القضية الفلسطينية حتى آخر يوم في "الإنقاذ" سببه أولويته بوصفه جندًا سياسيًا ومحددًا أمنيًا مع تصدره باعتباره شرطًا لازمًا لمسار إعادة العلاقات بالولايات المتحدة الأمريكية.
تتواتر معلومات متطابقة عن دخول طيف واسع من الأسلحة الإسرائيلية المتطورة إلى السودان عبر مسارات محكمة لم تدركها يد الجيش ولم تعلق عليها في منصة رسمية، مثلما أن خطوط إمداد المقاومة المتصاعدة في أعقاب معركة "طوفان الأقصى" ظل متصلًا عبر مسارب سرية وأنفاق.
أشار الأزرق إلى إقرار قيادي مخابراتي في دولة كبرى بمعرفته بتفصيلاتها، لكنه يغض الطرف عنها قصدًا.. فإلى أي مدى وحتى متى تتصل حلقات الصراع القائم في بيئة أمنية موسومة بالهشاشة وسياق سياسي موصوم بالاضطراب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.