لم يكد إجتماع الجبهة المدنية العريضة يكتمل ليباشر أعماله فى أديس أبابا ، وهو المعبّر الحقيقى عن آمال الشعب السودانى فى الحرية والعدالة والحكم المدنى المتداول سلميا، إلا وقد بدأ الهجوم (المتوقع) عليه من المحورين المعروفين بعدائهما للشعب السودانى ، فقد بدأ إعلام الفلول إدعاءاته بأن هذا الاجتماع لايمثل الشعب السودانى ، (على أساس إحصائية حسين خوجلى الشهيرة من أن 98% من الشعب السودانى إسلامويون)، والحقيقة التى يعرفها الشعب السودانى نفسه أن غالبيته (مسلمون بفطرتهم ، ووطنيون بطبيعتهم) ، كما أن إخواننا المسيحيين فى السودان مؤمنون أيضا بدينهم وبوطنيتهم ، وقد تغنى طلائع شبابهم وشاباتهم بالسلام ، وتمنوا الإستقرار لوطنهم السودان ، بأغنيات أسرت قلوب من استمعوا إلى غنائهم ، فى نفس الوقت الذى كان الطرف الآخر المعادى لتطلعات الشعب ، ينفخ فى كير الحرب التى لم تترك أخضرا ويابسا إلا دمرته وحولته إلى حطام..! أما المعسكر الآخر المعادى لتطلعات الشعب السودانى لستين عاما منذ الاستقلال حتى الآن ، فقد تم التعبيرعن أفكاره المسبقة بخصوص اجتماع الجبهة المدنية السودانية العريضة بما يفيد الوقوف بكل إمكاناته ضد هذا الاجتماع مبدئيا ، وثانيا ضد مكان تجمعه بالذات..! . فلم تنتظر الدكتورة أمانى الطويل (طويلا) وبادرت بقولها (إن على حدودنا الجنوبية في السودان تطورات ، من شأنها أن تشكل ضغوطا إضافية على مصر على الصعيدين الاستراتيجي والإنساني ، وأهمها مسار المدنيين الصاعدين على جبل متعرج صعب التضاريس ، بهدف الحفاظ علي دولة السودان كدولة موحدة مدنية ديمقراطية ، ترنو نحو الحداثة. كما أن تباطيء البرهان في الذهاب إلى منبر جدة ، كما دعوناه قبل شهر ، قد أسفر عن خسارة كبيرة لوزن الجيش التفاوضي ، وأن ثمة تفاهمات وتحالفات جديدة ، سوف تبرز بين القوي السياسية ، والتجليات القبلية في دارفور على أسس جديدة ، لا أستبعد معها أن تكون وحدة المكون الدارفوري في المرحلة المقبلة في مقابل باقي التكوين القومي السوداني ، وهو اتجاه تمت زراعة بذرته الأولى في اجتماعات "توجو" لو تذكرونها). هكذا تتمنى أمانى الطويل الفشل لاجتماع أدريس أبابا ، وتندب حظها لأن البرهان لم يستمع للنصيحة ، حتى يكون مركز الجيش قويا ، وهى متألمة الآن، لأن مركز الجيش – حلمهم فى السيطرة على السودان – ضعيفا متهاويا ، لا يستطيع تنفيذ رغبات السادة فى القاهرة..! . وهى تبشر بتقسيم السودان بسبب تناول منهج غربى فى المحاصصات ، تقول : (أننا أمام تقسيم فعلي للسودان في غضون عام ربما أو أكثر ، وهذا التقسيم قد يكون بلا علم ونشيد في مرحلته الأولى ، أي دون إعلان دولة مستقلة في دارفور) وفى تقديرها (أن هذا التطور يتماهى علي نحو ما مع المناهج التي تم تدشينها في اجتماعات أديس أبابا التحضيرية من جانب المكون المدني ، فعلى الرغم من حسن النية ، ونبل المقاصد من القوى السياسية والمدنية السودانية بشكل عام ، فإن الاعتماد على مناهج المحاصصة التي تمت صياغتها في البيان الختامي ، هي أسلوب غربي ، بامتياز يفجر الخلافات ويدمغ مهندسيه بالسعي وراء سلطات أكثر من صناعة توافقات سياسية ووطنية ، خصوصا وأن اجتماعات أديس أبابا هي تحضيرية ، ورغم ضخامة عدد من حضروا ، فإن هناك من الرموز السياسية والمدنية من كانت لديه تحفظات ، كان من الضروري أخذها بعين الاعتبار ، وكلها أمور تجعلنا ، نقول إن زرع بذور الخلاف عبر مناهج بعينها في معسكر الجانب المدني مطلوبة..!) الشىء الثانى الذى تبشر به هو استمرار الحرب ، فتتساءل عن (مدى قدرة منبر جدة على تجاوز مسارات تدشين النموذج الليبي في السودان ، وذلك في ضوء ما رشح من تسريبات ؛ بشأن التوقف عند النقطة التي وصل إليها في المراحل السابقة ، أي الاهتمام بالملفات الإنسانية ، بينما يقبع التفاوض على وقف الحرب في الظل حتى الآن..!) (https://sudanile.com/) وفى هذا المقال ، بما فيه من أهداف واضحة لا تخفى على المواطن العادى ، والممهور بتوقيعها فى موقع سودانى ، وكأنها تحاول توجيه الفكر السودانى السياسى نحو أهدافها بعبارات منمقة ، تبدو وكأنها (تتوقع) ، ولكنها فى الحقيقة (توجه) الجبهة المعادية للشعب السودانى (بخطة عمل) لإفساد تطلع الشعب نحو دولة مدنية تتساوى فيها حقوق المواطنين أمام القانون، وتتوزع الثروات بعدالة على من يستحقونها. ومن المؤكد أن هذه (التوجيهات) قد وصلت إلى صانعى القرارات (غير الشرعيين الآن فى السودان) ، فتمت إقالة وزيرى الثروة الحيوانية والنفط ، الأول لاستناده (فى صحوة ضمير مفاجئة) على الضوابط المتبعة في عمليات تصدير الماشية واعتراضه على التجاوزات ، وقد حدد الشروط والضوابط التي يجب أن تتبعها الدولة في سياسات تصدير الماشية بناءً على القوانين واللوائح المحلية والدولية المتعلقة بالحيوانات والصحة العامة والصادرات ، وقد تم عزله، خوفا من تأثير تلك الإجراءات على المكاسب التى (تجنيها) الدول المستوردة بعملات معظمها مزورة، وحيث يتم التعامل خارج النظام المصرفى السودانى..! . وتم عزل الوزير الثانى لإرساله مذكرة عاجلة وسرية لرئيس مجلس السيادة ، ترفض تنقيب الدولة الجارة في بلوك (16) ، بمنطقة حلايب ، والسبب وراء تحذير وزير النفط (فى رأيه) هو الحفاظ على العلاقات الدولية الجيدة والاحترام المتبادل بين الدول ، فإذا تم التنقيب عن النفط في منطقة حلايب بدون الحصول على موافقة السودان ، فسيتم اعتبار ذلك (انتهاكًا لسيادة السودان وللاتفاقيات الدولية..!) ، مما يعطى صورة سيئة عن السودان فى الخارج ، ومع حسن نية الوزيرين الكريمين وشعورهما ب(وطنية) فجائية ، وهى حالة إيجابية على كل حال ، إلا أنهم (يجب أن يمشوا) ..! ولمقاومة هذا المشهد المأساوى من الفلول ومن أقرب الجيران ، ينبغى التركيز على شيئين ، أولهما : 1/ الاستمرار فى التوافق المدنى ليصل إلى الذروة ليحقق أهداف الشعب السودانى المرجوة ، وأهمها الآن إيقاف الحرب ، وذلك بإرسال وفود (قليلة العدد) و(فى وقت واحد) إلى الدول المؤثرة فى أفريقيا والعالم العربى والعالم الخارجى ، لشرح وجهة نظر الشعب السودانى فى إيقاف الحرب ، وتوجهه لإقامة دولته المدنية الديموقراطية. ليتم إبطال مفعول زيارات البرهان وسياسييه من الفلول ، والذين طالبوا فى زياراتهم لبعض الدول ، بمساعدات عسكرية للإنتصار فى حربهم ، حتى لو تم تدمير الوطن بالكامل. وهذه الزيارات من المدنيين لدول العالم يجب أن تتم اليوم قبل الغد ، نظرا لضعف إعلامنا وسيطرة الفلول على منافذه ، وستكون المشكلة من أين تمول هذه الزيارات والتى سترفض – بطبيعة الحال – من جانب سلطات الفلول ، ولكن الأمل فى رجال الأعمال فى الداخل والخارج ، وإن اعتبروا ذلك دينا على الشعب السودانى يسدد فى المستقبل..! . 2/ أهمية الإسراع فى إنشاء القناة الفضائية المقترحة ، لمواجهة الإعلام المضاد ، فقد أرسلت المقال الأول إلى جريدتنا الوطنية (الراكوبة) ، ولم ينتبه إليه إلا القليل ، وقرأت بالراكوبة مقالا لزميل يطالب بنفس مطالبتى، وقد أفرحنى أن الموضوع يفكر به آخرون ، وهذه ظاهرة صحية ، فكتبت مقالى الثانى وأرسلته للراكوبة فى ساعة متأخرة من الليل ، وحسب ما تعودنا فمراجعة المقال -وهذا حق للراكوبة- كان يستغرق يوما أو يومين ، ولكنى فوجئت فى صباح اليوم التالى مباشرة وفى الساعة التاسعة صباحا ، بأن المقال قد نشر مبكرا جدا ، ووجدت عشرون تعليقا يؤيد الفكرة..! وكانت فرحتى غامرة ، ولم تكن فرحتى بسبب سرعة النشر وكثرة التعليقات ، ولكنها كانت لإدراكى أن (الفكرة) موجودة وتعشش فى تفكير كثيرين ، ولكنهم كانوا يستبعدون تنفيذها لكبر تكلفتها ، وقد قمت بنشر (ثلاثة تعليقات) فقط منها ، لتشجيع الآخرين على استيعاب الفكرة ، والعزم على تنفيذها ، ودعونى أتساءل ، هل تكلفة اشتراك فى قمر صناعى موجود أصلا لكى نبث من خلاله قناتنا وعبرها ثقافتنا وتاريخنا وآمالنا وآمالنا، أكبر أم تكلفة سد النهضة الذى بناه الأثيوبيون من حر مال شعبهم المكافح فى أرجاء الأرض؟ وهل تكلفة القناة أكبر من تكلفة القمر الصناعى الرواندى؟ ويظهر أننى موعود بسعادة غامرة كنت أتمناها ، حتى يزاح عن كاهلى – بعض تبعات الإحباط القاتل الذى أدمى قلوبنا جميعا ، ونحن نرى وطننا يحترق ويتم تدميره بيد بعض بنيه غير البررة ، وسبب السعادة رسالة جاءتنى من أحد إداريى الراكوبة الأفاضل وهو الصحفى الكبير الأستاذ بكرى الصايغ يقول فيها : (الحبوب الدكتور د. محمد عطا مدني ، مساكم الله بالعافية. من مكتبي في صحيفة (الراكوبة) الي 10 مليون سوداني بالخارج: (تبرع بدولار لفضائية الضمير السوداني) . لا تتصوروا مدى فرحتى بقبول جريدتنا الوطنية الأولى والعريقة ، الاستجابة لمطلب أعتقد أن كل جماهير الشعب السودانى تطلبه ولديها الإمكانات المهنية والثقافية ممثلة فى أبناء وبنات السودان ، الذين يزينون القنوات الفضائية العربية والأجنبية بطلعتهم الزاهرة ، بينما قناتنا الفضائية الحكومية تراوح مكانها ولا تستطيع العبور حتى لأقرب الجيران..! ورددت على الأخ الكريم الأستاذ بكرى الصايغ ، شاكرا له قبول الراكوبة تلك المهمة الصعبة ، وأرسلت له طى ردى بعض المقترحات التنفيذية للمشروع لمدارستها ، وأعتقد أننا جميعا سنؤيد (رؤية الراكوبة) لتحقيق حلم سماع هذه العبارة: (هنا الخرطوم ، قناة الراكوبة الثقافية ، صوت الضمير السودانى)..! .