من المؤكد ان الاسلام لم ينتشر في ربوع السودان بحد السيف في السودان بل برمايات المنجيق وحبال العبودية ، اذ نصت اتفاقية القبط على امداد خلافة دين التسامح والرحمة في مصر ب 360 عبدا من ذكر وأنثى سنويا ، من أهل النوبة إضافة إلى 40 عبدا يتم توزيعهم على وجهاء مصر. وبقيت اتفاقية الذل هذه نافذة لمدة 700 سنة.ومن الثابت تاريخيا ان الاسلام ادخل ما لا يقل عن ثمانية ملايين انسان في سلك العبودية في العصور الوسطى . وبالعودة الى مجريات تاريخ الحملات الاسلامية على بلاد النوبة يذكر بان أولى حملاتهم بائت بالفشل اذ يقول المؤرح البلاذري : (لقي المسلمون بالنوبة قتالا شديدا. فرشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم، فانصرفوا بجراحات كثيرة وحدق مفقوءة، فسموا أهل النوبة " رماة الحدق"). وفي الحملات التي تلت لم ينجح عبدالله بن سرح والي مصر من تطويع بلاد النوبة في حملته الاولى لكنه في الحملة الثانية حاصر دنقلا ورماها غزاة المسلمين بالمنجنيق مما أجبرحاكمها ان يرضخ حقنا للدماء وتوقفت الحملة بعد توقيع حاكم النوبة على اتفاقية القبط . وخلال عهد الخليفة المأمون تم اخضاع بلاد البجا ، وفي عهد الخليفة المتوكل تم اخضاع المنطقة التي تقع بين النيل والبحر الاحمر نهائيا وبعد عهد المتوكل جندت الدولة الطولونية حملة بقيادة العمري،أحد رواد الثقافة الإسلامية الذين يدين لهم النوبة والبجة بالإسلام. لكن بعد ان طرقت مسامعه اخبار مناجم الذهب بالنوبة والعلاقي تحول رجل الدين هذا إلى مغامر. فقاد الحملة نحو بلاد النوبة وأرض البجة لنهب ذهبها. وبعد ان استقل الاخشيديون بحكم مصر سيروا عددا من الغزوات على النوبة .وخلال العهدالمملوكي ايضا جند الظاهر بيبرس عدة حملات في احداها استولى على سواكن وفي الحملات التي تلتها اخضع مملكة مقرة لسلطته وضمّها إلى السلطنة المملوكية وبعدها تساقطت المملكات المسيحية وانتشر الإسلام في النوبة. وفي مقال سابق ذكرنا ان لا عنصرية في السودان لسبب احصائي حيث ان نسبة المسلمين تبلغ 95% من عدد السكان لكن حقيقة الامر انه هناك شبهات كثيرة حول عنصرية دين الاسلام اما المؤكد فان الثقافة الاسلامية هي ثقافة عنصرية بامتياز وبالعودةالى النص ورد اية :" يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴿106 آل عمران﴾ وفي"معالم التنزيل": تفسير البغوي يُرِيدُ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُخْلِصِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْمُنَافِقِينَ. وفي اية اخرى: "فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ،فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿106 آل عمران﴾ وفي تفسير الحسن البصري : وهم المنافقون : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) وهذا الوصف يعم كل كافر . والغريب في الامر لماذا اختار النص القراني الوجه الاسود عنوانا للكفر والنفاق؟! ومهما اجتهد البعض في تبرير هذه الايحاءات العنصرية عبر احالتها الى الرمزية فان السيف سبق العزل حيث انتجت هذه الايحاءات بذور العنصرية في الثقافة الاسلامية . حتى ان قصة النبي نوح التي وردت في التوراة استخدمتها الثقافة الاسلامية لادانة السود بعكس ما ورد في النص الاصلي وبالعودة الى القصة : في قصة النبي نوح تقول التوراة أنه بعد الطوفان وفي احدى المرات شرب نوح خمرا كثيرا من صنعه حتى فقد صوابه وحينما دخل خيمته استلقى عارياً حتى غط في نوم عميق. وما إن دخل عليه ابناءه الخيمة ورأوه في هذه الحال وضعوا ثوباً ليغطوا جسد والدهم والتفوا بوجوههم إلى الجهة الأخرى حتى لا يروا عورة أبيهم. إلا ابنه الأصغر حام سخر من والده. ولما استيقظ نوح من نومه وعلم بما فعله أبناءه سام ويافث باركهما؛ ولما علم بما فعله ابنه الصغير لعن نسله ودعى عليهم ان يكون عبيدا ولم تذكر التورات ان يصبح لونهم اسود . لكن ورد المرويات الاسلامية ان نوح دعى على ذرية حام وليس على حام وان حام هرب لما راى اولاده من السودان ولم يعد. حتى ان الطبري اورد رواية اخرى لمنشأ اللون الاسود حيث ذكر ان حام اصاب امراته في السفينة فدعا نوح ان يغير الله نطفته فولد كنعان اسود . ولم تكتف المخيلة الاسلامية بذلك بل اتهمت السود بخراب برج بابل اذ ورد ان خراب برج بابل حدث زمان نمرود بن كنعان بن كوش بن حام بن نوح وهو اول جبار كان في الارض وكان أحمر العينين مشوها في جبهته كالقرن وكان أول اسود يرى بعد الطوفان وهو الذي أمر باحراق النبي ابراهيم . ولم يرد في القران الكريم اي ذكر لاسماء ابناء نوح ولا اسماء الشعوب التي تنتسب اليهم لكن المخيلة الاسلامية ملئت هذا الفراغ بالرواية التالية :روى ابو هريرة عن النبي انه قال: سام وحام ويافث و سام العرب والفرس والروم وفيهم الخير وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولاخير فيها وولد حام القبط والبربر والسودان .ووردت احاديث كثيرة منسوبة للرسول مليئة بالعنصرية ومنها : " إذا جاع الزنجي سرق، وإذا شبع زنى" [عن السخاوي و ابن الجوزي والطبراني و ابن عدي]وفي حديث عوسجة عن ابن عباس قال :( لا خير في الحبش إذا جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا وإن فيهم لخلتين حسنتين إطعام الطعام وبأس عند البأس ) من حديث يحيى بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس بلفظ ذكر السودان عند النبي فقال ( دعوني من السودان فإن الأسود لبطنه وفرجه) ومن الاحاديث التي نسبت اليه : " يا أيها الناس ! اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله " . عن أم الحصين.وانس" . كذلك الامر "اياكم والزنج فانه خلق مشوه" "شرار الناس اسودكالقير" "ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر لا يشرك بنسب السودان " وفي قول الله" صبغة الله ومن احسن من الله صبغة " اعتبر ابن عباس ان صبغة البياض من الله اما صبغة السواد من الشيطان . هذه شذرات ومقتطفات قليلة من ما ورد في التراث الاسلامي . ورغم ذلك هناك من يسعى ان يكون الاسلام دين ودولة حيث تعشش في مخيلتهم فكرة الفئة الناجية فالى هناك : يعتقد الكثيرون ان الفرقة الناجية هي من اولائك الذين ينتمون الى اهل السنة والجماعة ويمارسون معتقداتهم وفقا لنصوص المذاهب الاربعة (الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي ). علما ان التعددية الفقهية وحصرها بالمذاهب الاربعة هي من بنات أفكارالحاكم المملوكي الظاهر بيبرس أي لا علاقة لها بالدين بمقدار ما نتجت عن احتياجيات سياسية ، ومن خلال هذا التدبير اصبحت ابواب الاجتهاد موصدة وصارت أقوال فقهاء هذه المذاهب هي الشريعة، واعتُبر كل من يخرج عن أقوالهم مبتدعاً لا يوثق بأقواله، ولا يُعتد بفتاويه. اضافة الى ذلك عودي من تمذهب بغيرها، وأنكر عليه، ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد، ولا قدم للخطابة والإمامة من لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب.وهنا لا بد من توضيح الاسباب التي دفعت بالظاهر بيبرس الى اعتماد البنية الرباعية للقضاء بعد ان كان المذهب الشافعي هو المذهب المعتمد طيلة العصر الايوبي ؟ للاجابة على هذا السؤال نستعين ببعض الامثلة : مثلا في الزندقة : وهي تهمة تطال الخصوم السياسيين بشكل أساسي . في المذهب الشافعي- تظاهر المتهم بالتوبة تعفيه من العقوبة اما المذهب المالكي فلا يؤخذ بالتوبة . ففي المذاهب الثلاثة يُلْزِمُ القضاةَ بحقن دماء الزنادقة إذا رجعوا إلى حظيرة الإسلام، الا المذهب المالكي يُوجِبُ على القاضي الحُكْمَ بإراقة دم هؤلاء متى ثَبَتَ كُفْرُهم، دونما التفاتٍ إلى توبتهم بعد ذلك. لذلك دأبت السلطاتُ المملوكيةُ على إحالة القضايا التي تستوجب التعزير إلى قضاة المالكية. خصوصا وان المذاهبُ الأخرى قد ذهبت إلى أن التعزير لا ينبغي أن يزيد على أقل العقوبات الحدِّية المنصوص عليها في القرآن سوى المالكيةُ التي أجازت للقاضي أن يفرض ما شاء من عقوبات تعزيرية ، حتى إن بلغت حدَّ الحُكْمِ بالقتل. وقد اورد المؤرخون ست وعشرين محاكمة بتهمة الزندقة وقعت خلال القرن الرابع عشر الميلادي ، أربعةُ قضايا فقط انتهت بتبرئة المتهمين،وهي القضايا التي أُحِيلَتْ إلى قضاة شافعية أو حنفية. وأما المحاكمات الاثنتان والعشرون الأخرى التي أحيلت الى قضاة المالكية فقد انتهت بإدانة المتهمين وحُكِمَ عليهم بالقتل حدًّا. مثلا في الزواج : لا إزاحة العقبات التي تحول دون زواج العبيد وهو الامرالذي كان يصب في مصلحة النخبة العسكرية الحاكمة التي برز فيها الكثير من العبيدُ المماليكُ تم اللجوء الىالمذهب الحنبلي ،حيث لا يأخذ الحنابلةُ بمفهوم "الكفاءة" في النكاح للتفريق بين الأَمَةِ والحُرَّة، خلافًا للمذاهب الأخرى.اضافة الى ذلك لا يقول بجواز تضمين عقود النكاح بعضَ الشروط إلا الحنابلةُ . وكان الأمراء عادة يسجلون الطلاق مع زوجاتهم بالتراضي (وهو ما يُعْرَف بالخُلْع) أمام قاضٍ حنبلي ولما كان الحنابلة يعدّون الخُلْعَ فسخًا وليس طلاقًا، فإن الزوجيْن قد حصلا على حق الانفصال والزواج مرة أخرى لأكثر من ثلاث مرات متوالية. وفي الاوقاف مثلا : لا يُجِيزُ بيعَ الأوقاف الداثرة التي يتعذَّر إصلاحُهَا إلا الحنابلة فكانت النخبه الحاكمة تلجأ الى هذا المذهب عبر افادات كاذبة تؤكد تعذر اصلاح هذه الاوقاف لبيعها . والمذاهب التي حرمت وحوربت وتم منعها تتفوق على المذاهب الاربعة في التزامها النصوص واصحابها على درجة من الكفاءة بشهادة اتباع المذاهب الاربعة ومنها :مذاهب الثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وإسحاق بن راهويه . فسفيان الثوري كان كوفياً مذهبه يشبه مذهب أبي حنيفة، لكنه أكثر معرفة بالحديث والآثار منه، وأعرف بصحيح الحديث، وأقل قياساً. والأوزاعي مذهبه قريب من مذهب الشافعي إلى حدٍّ ما من ناحية الاعتناء بالأثر والإقلال من القياس.والليث بن سعد كان الشافعي يعتبر مذهبه أقوى من مذهب مالك. ويبدو أنه أقرب لمذهب الشافعي من ناحية اعتماد الدليل وعدم الاعتماد على الرأي المجرد. حيث قال الشافعي: «الليث أفقه من مالك، إلاّ أنّ أصحابه لم يقوموا به». كما أن المالكية قد بذلوا جهداً كبيراً في إخفاء هذا المذهب واستبداله بمذهب مالك. وعبد الله بن المبارك تتلمذ على أبي حنيفة والثوري، إمامي الكوفة. ومذهبه هو مزيج بين مذاهب العراقيين والحجازيين، مع معرفة عالية بالحديث الصحيح. أما مذهب إسحاق فهو شبيه بمذهب أحمد،. قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : «وأما الأئمة المذكورون فمن سادات أئمة الإسلام. فإن الثوري إمام أهل العراق. وهو عند أكثرهم (أي أكثر العلماء) أجل من أقرانه: كابن أبي ليلى، والحسن بن صالح بن حي، وأبي حنيفة، وغيره. وله مذهبٌ باق إلى اليوم بأرض خراسان. والأوزاعي إمام أهل الشام. وما زالوا على مذهبه إلى المئة الرابعة. بل أهل المغرب (وبالذات الأندلس) كانوا على مذهبه قبل أن يدخل إليهم مذهب مالك. مما تقدم نستنتج ان الظاهر بيبرس وبشكل تعسفي حدد دين الاسلام الصحيح وان ضياع بعض المذاهب هو نتيجة عدم تبني السلطان لمذهبه. فالثوري وابن المبارك أفقه من أبي حنيفة، وقد ضاع فقههما. وهذا الليث أفقه من مالك (بشهادة اثنين من كبار تلامذة مالك)، وقد ضاع فقهه. وما كان الأوزاعي دون أبي يوسف، ومع ذلك فقد ضاع فقه. الخاتمة : بعد هذا التوضيح هل يرضى اي سوداني بان يبقى حزب سياسي اسلامي ام يجب حظر اي حزب من هذا النوع ؟ ان من يرغب بعبادة الله هذا حقه الطبيعي وعلى اي دين او مذهب اما ان يدخل الاسلام كمرجعية سياسية بعد هذه الحرب فالامر لم يعد معقولا. [email protected]