تحدثت المصادر امس الاحد عن تعثر في المفاوضات في جدة ، وعودة الوفدين منها. بالطبع هذا الخبر متوقع فحقيقة ان السودانيين جعلوا امر الحرب رهنا على الاطراف المتقاتلة، يؤكد ان الحرب لن تتوقف بالتفاوض ، اذا لا يمكن عقلا ان تتوقف الحرب بجهود المستفيدين من استمرارها ! . والمستفيدون من استمرار الحرب ثلاثة : قادة الجيش ، قادة الدعم السريع ، والكيزان . بينما المتضررين من استمرارها اثنان : القوى السياسية ، والشعب السوداني (الشعب السوداني هنا يشمل حتى جنود الجيش وجنود الدعم السريع وكل مشارك فعليا في المعارك من غير القادة). الطريق لايقاف الحرب يمر عبر وحدة الطرفين المتضررين من الحرب (القوى السياسية والشعب) من أجل الضغط على الاطراف المتقاتلة والمستفيدة من استمرار الحرب ، داخليا ودوليا. القوى السياسية إستطاعت ان تحشد الدعم الدولي لإيقاف الحرب ، ولكن الشعب السوداني مازال رد فعله ضعيف جدا ضد الحرب وضد اطرافها وخطابها. وفي البحث عن السبب وراء تقاصر الشعب عن دوره ، استنتجت من حوارات ونقاشات متعددة ان الكثير من الجماهير لا يعلم حقيقة موقفه الكارثي من الحرب. فداعمي الحرب من الجماهير يقولون لك في بداية كل حوار ، لا يوجد عاقل يريد الحرب ، مع ذلك الكثير منهم يدعمون هذه الحرب بصورة متطرفة رغم أنها حرب بكل المقاييس العقلية والمنطقية ضد مصلحتهم ومصلحة بلدهم ، فلماذا يحدث ذلك؟ هل هم لا يرون الحقائق؟ . نعم ، هم لا يرون الحقائق ، هم الآن منفعلين بحالة معروفة في علم النفس الاجتماعي ، يمكن أن يطلق عليها اسم : (الحالة الجماهيرية). وهي حالة تتلبس الأفراد ويتحولون من أفراد مستقلين في تفكيرهم ، قادرين على التمييز بين الصاح والخطأ في الأمور العامة المتعلقة بالسياسة والدولة ، الى جماهير تحمل افكارا غير قابلة للنقاش العقلي ، افكار عاطفية هوجاء مندفعة ، تعمل ضد مصلحة الشخص وضد مصلحة المجتمع والدولة ، ولو كان هذا الشخص يفكر بصورة مستقلة عن الحالة الجماهيرية لما دعم أفكاره هذه ولا للحظة واحدة. اخراج الجماهير من هذه الحالة هو دور القوى السياسية والمدنية ، عليها ان تنشط في سبيل إخراجها منها وجذبها لموقف مناهضة الحرب، فالحلول التي تهندسها الجماهير وتشارك فيها هي الحلول المستديمة، بينما الحلول الجاهزة المفروضة عليها لن تقود الا الى حلول مؤقتة فقط. [email protected]