تختلف الرؤي وتتقاطع الأراء والأفكار حول العلاقة بين السودان وموجة الربيع العربي في دول الجوار العربي، والذي يصعب من مهمة التكهنات والقراءات أن السودان سبق كل الدول العربية بنص قرن من الزمان في إسقاط الأنظمة الشمولية عبر الثورات الشعبية وفي ذات اللحظة يظل الوضع السوداني في حالة من الكمون والصمت لدرجة أن قادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم منذ العام(1989م) ظلوا يرددون أن الربيع العربي لن يمر بالسودان وقال الرئيس البشير من قبل أن الربيع العربي مر بالسودان قبل 23 عاماً. وينتج الواقع السوداني المثقل بالأزمات والحروبات الكثير من الأسئلة التي ستعصي علي قادة الحزب الحاكم الإجابة عليها، الصراع المشتعل في جنوب كردفان والنيل الأزرق والأوضاع الغير مستقرة في دارفور وتوتر العلاقة مع دولة جنوب السودان والمصاعب الاقتصادية التي تحاصر النظام والعزلة الدولية وحالة الإحتقان الماثلة في المجتمع السوداني وغيرها من الشواهد الأخري تظل مؤشرات تدل علي تنامي حالة السخط علي النظام الحاكم الذي أصبح يحتمي بعدد من الهيئات والواجهات الدينية والتي لاتملك من أمرها شيئاً فيما يتعلق بهموم المواطن العادي غير بعض الشعارات التي لاتغني ولاتسمن من جوع. ولقد ازداد عدد الساخطين على الوضع الاقتصادي في البلاد، واستفحال الفساد، وعدم المساءلة، وتركّز السلطة في أيدي قلّة قليلة، في ما مضى ، كان من السهل على الحزب الحاكم أن يلعب على الانقسامات والتناقضات الداخلية للمجتمع السوداني والتكسب السياسي عبر شعارات دينية وترديد الإكليشيهات المعروفة (نحن مستهدفون). أما الآن، فقد بات من الصعب على النظام احتواء الاحتجاجات من خلال ذات الأساليب المعروفة. لقد نشأت تحالفات عابرة للتكوينات التقليدية لها سقوفات مرتفعة جداً وهي تعمل بمعزل عن المعارضة التقليدية (الرسمية). وكان السفير البريطاني بالخرطوم قد حذر الحكومة السودانية من موجة الربيع العربي أثناء مؤتمر صحفي عقد مؤخراً بالخرطوم وقال: (السودان لن يكون بعيدا عن رياح الربيع العربي حال اتخاذ الحكومة خطوات غير سليمة من شاكلة إغلاق الصحف واعتقال الصحفيين والسياسيين). في مقابل الموقف الحكومي الذي يستبعد وصول موجة الربيع العربي للبلاد وتمسكه بسياسة قمع كل التحركات الاحتجاجية تقف قيادات عديدة في محور المعارضة في مربع من الرمال المتحركة فهمي تمسي علي شيئ وتصبح علي النقيض منه تماماً ، وأدمنت بعض أحزاب المعارضة مهمة القيام بصرف الروشتات لإطالة عمر النظام وما أن تشتد ساعد المعارضة حتي تخرج قيادات تلك الأحزاب وتلقي علي أسماع الناس خطب ومواعظ منتهية الصلاحية. وتبدي جهات كثيرة تخوفها من شكل ونوع التغيير القادم في السودان ويري عدد من الخبراء أن الوضع السوداني المعقد سينتج سيناريوهات مشابهة للوضع الليبي والسوري واليمني وربما بصورة أكثر دموية،وفي هذا الإطار تتخوف بعض أحزاب المعارضة كحزب الأمة علي سبيل المثال حيث يتحدث رئيسه في كل المحافل عن طرق سلمية للتغيير ويقدم النصيحة تلو النصيحة للنظام دون جدوي منذ ورقته التي قدمها أثناء إلقاء القبض عليه بعد انقلاب الانقاذ (معكم القوة ومعنا الشرعية) ومنذ تلك اللحظة يبجث المهدي عن شرعية ضائعة دون جدوي. وكانت الوثيقة التي أصدرها مشروع كفاية بعنوان «ماذا يعني الربيع العربي بالنسبة للسودان»، قد طالبت بضرورة انتهاج مسارين متلازمين للإطاحة بنظام البشير أولهما: تقديم الدعم السياسي والمالي واللوجيستي للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني السودانية المطالبة بالديموقراطية، أما المسار الثاني فهو ذو طبيعة عسكرية . ويقول الناشط الأميركي برندرغاست أحد مؤسسي مشروع «كفاية» الذي ساهم في صوغ الوثيقة أن هذا التدخل العسكري المدعوم غربيّاً في السودان يمكن أن يؤدي إلى صراعات وفوضى في الأمد القصير كما حدث في الحالة الليبية، بيد أن ذلك على حد زعمه اقل ضرراً مقارنة بمساوئ النظام الحاكم في الخرطوم. وتجد الأفكار الإصلاحية مساحات واسعة في الفضاءات التي تخلقها الحكومة، مذكرات ونصائح ونداءات مرة من قيادات محسوبة علي المعارضة ومرات كثيرة من جماعات وهيئات داخل السلطة الحاكمة ،في مقابل الأفكار الإصلاحية هناك من يري أن عصر الإصلاحات قدولي. ولذلك، فإن من يدعو للإصلاح هو فقط يجَمل النظام القائم ويعطيه فرصة للبقاء حتى أبسط الإصلاحات تحتاج إلى ثورة من أجل تحقيقها. وتقف قيادات الحزب الحاكم بالمرصاد لكل من يحاول التقريب بين الربيع العربي والواقع السوداني حتي لو كان باب التحليل والأماني فقط، وعندما سألت صحيفة المصري اليوم الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل مستشار الرئيس البشير عن خلفيات ودوافع مقتل المواطنة عوضية عجبنا برصاص الشرطة الأسبوع الماضي قال اسماعيل: (إذا أخطأت الشرطة، فيجب أن تحاسب لكنه استدرك أولئك الذين يظنون أن مثل هذه الحوادث تقود إلى ربيع عربي في السودان، أقول لهم سيطول انتظاركم.). وتري الحكومة السودانية أن الأحزاب التي وصلت للسلطة في بلاد الربيع العربي ذات خلفية إسلامية وهي بمثابة رصيد لها وبالتالي هي محصنة ضد موجة الربيع العربي، يقول الدكتور حيدر ابراهيم في مقال منشور ‘‘تنسي أو تتناسي النخبة الدينية السودانية أنها تختلف عن الحركات الإسلاموية الأخري في كونها ممسكة بدولة وسلطة مطلقة منذ عام1989...لانها تحكم فعلا وبالتالي أن تطبق ما تقول.فالحركات الاخري خارج السلطة ولذلك توعد الناس أنها حين تصل الي السلطة سوف تفعل كذا وكذا.ولكن انتم- الاسلامويون السودانيون-في السلطة منذ قرابة23 عاما وبلا منافس-فما الذي منعكم من تطبيق دولة المدينة الإسلامية‘‘. تتعدد الأراء في تفسير الحالة السودانية وتأخر الثورة رغم توافر كل الشروط الموضوعية من فقر وقهر وحروبات وفساد... الخ ، في وقت تري فيه الحكومة أن الشعب يقف إلي جانبها وأن المعارضة معزولة عن الجماهير يقول بعض المراقبين أن هناك ظروف أخري تسهم في إبطاء حركة الثورة في السودان ولكنها قطعاً لن تلغي أو تشطب الثورة من واقع السودانيين وخاصة أنهم أصحاب سبق في هذا المجال، والذي يتفق عليه معظم قطاعات الشعب السوداني هو (التغيير) مع الإختلاف في درجة ونوع وشكل التغيير القادم والذي يتوقع أن يكون صيفاً حاراً. تتخذ أحزاب تحالف المعارضة مواقف متباينة نسبياً فيما يتعلق بالثورة في السودان، حزبا الأمة والأتحادي بصورة عامة مع المواقف الإصلاحية، الشيوعي والشعبي مع خيار اسقاط النظام مرة ومع الحوار المفضي إلي التغيير في بعض المنعطفات، وقال الدكتور الترابي في تصريحات صحفية أول أمس (لا بد من ثورة لكل أهل السودان يتجمع حولها حاملو السلاح الذين لا مجال لهم غير ذلك). ولكن هنالك قراءات أخري تري أن عملية التغيير ليست محصورة علي فئة أو جهة بعينها في المعارضة بل هي عملية مستمرة لها مسارات أخري جديدة. [email protected]