اعتقالات تطال اسلاميين متشدّدين، منع لرجال دين مسلمين من دخول البلاد، تهديد بتصعيد الحملات الأمنية ضد المتطرّفين، وعيد بإخضاع المساجد والأئمة وروّاد مواقع الإنترنت المتطرّفة للمراقبة: كل هذا تزامن مع تعليق مشروع ل"مساعدة" سكّان الضواحي المحرومة، تموّله قطر التي يبدو أنها، على العكس، ستضاعف من عزلة الجالية العربية والإسلامية في فرنسا. لم تقتصر نبرات التشنّج على زعيمة "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة، مارين لوبين التي هددت بقطع دابر "الفاشية الخضراء" في فرنسا بل طالت الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، صديق قطر الحميم، الذي ركب الموجة وبدأ يعوّل على قضايا الأمن من أجل التقدم على منافسيه في الانتخابات، كما أشارت الصحافة المحلية. عقب اعتقال المشتبه في انهم اسلاميون، شدّد ساركوزي على أن عمليات اخرى ستجري "وستسمح لنا كذلك بطرد عدد من الأشخاص الذي لا داعي لوجودهم" على الاراضي الفرنسية. وكان هنري غيانو، مستشار الرئيس وكاتب خطبه، قد شدد في حوار مع صحيفة "ليبراسيون" على أن قضايا الأمن والهجرة توجد "في قلب الحملة الانتخابية"، مضيفاً أن "مأساة تولوز (الهجمات التي أودت بحياة عدة أشخاص من بينهم أطفال وشهدت مقتل الجاني، محمد مراح، على أيدي الشرطة الفرنسية) جعلت ذلك الشعور بانعدام الأمن ينمو ويتسع". القرضاوي و"الفاشية الخضراء" تقول صحيفة "لا كروا" المسيحية إن "إعلان ساركوزي بأنه 'أخبر أمير قطر نفسه' أن يوسف القرضاوي 'ليس موضع ترحيب في الجمهورية الفرنسية' كان استجابة لمخاوف المجتمع اليهودي ووسائل الإعلام". وتذكّر الصحيفة بأن الداعية القطري من أصل مصري كان قد "وصف المحرقة اليهودية ب'العقاب الإلهي' على قناة الجزيرة القطرية". وبدورها تذكّر صحيفة "لو فيغارو"، القريبة من الحزب الحاكم، بأن القرضاوي "أداة طيعة في أيدي القطريين للسيطرة على الإسلاميين" في بلدان "الربيع العربي". وفي كل الأحوال، لم تبلغ حدّة هذه التصريحات ما اتسمت به هجمات لوبان النّارية. وقالت زعيمة الجبهة الوطنية الأحد قرب مدينة نانت "إن الأمر لا يتعلق بحماقة ارتكبها رجل وإنما هي بداية تقدم الفاشية الخضراء في بلادنا". وأضافت أمام أكثر من ألف شخص إن "محمد مراح ربما يكون هو الجزء الظاهر فقط من جبل الجليد". وحذرت لوبين من اتساع دائرة الإسلام المتطرف في فرنسا وقالت "سوف أجعل الإسلام المتطرف يركع على ركبتيه" في إشارة إلى أقوال محمد مراح التي نقلها وزير الداخلية والتي أعلن فيها أنه يريد من خلال جرائمه "جعل فرنسا تركع على ركبتيها". وعادت لوبين الأربعاء لتوجه سهامها لأمير قطر متهمة إياه ب"نشر النزعة الأصولية الإسلامية في كل بقاع العالم، حتى في قلب بلد كفرنسا". وشددت لوبين في مقابلة تلفزية على "وجود تأثير لقطر على الحملة الرئاسية" وصعدت من لهجتها المعادية للهجرة والمهاجرين، من أجل الاحتفاظ بمرتبتها الثالثة في الحملة الانتخابية. فتش عن قطر وكانت صحيفة "لو موند" قد نشرت مؤخراً تقريراً مطولاً بعنوان "صديقنا الأمير"، بقلم ثلاثة من كبار محرريها خلصوا إلى القول بأن "هناك من يعتقد أن فرنسا يمكنها أن تعاني من تحالفها مع الدوحة، وهذه هي نظرة بعض المحللين، الذين يشيرون بالخصوص إلى الفشل التجاري الذي يسجله مؤخرا الاقتصاد الفرنسي في الخليج". وأضاف المحررون "القطار السعودي الفائق السرعة فازت به شركة إسبانية، ومحطة الطاقة النووية في أبو ظبي منحت لمجموعة أمريكية-كورية دون إغفال أن طائرات رافال الفرنسية التي لم تجد من يشتريها في الخليج". وكانت قطر قد قررت، عقب "مجزرة تولوز"، قد قررت تأجيل انشاء صندوق استثمارات مثير للجدل بقيمة 50 مليون يورو لمساعدة الضواحي الفرنسية التي يتكون أغلب سكانها من الجالية الإسلامية القادمة من شمال أفريقيا بالدرجة الأولى. ويتخوف العديد من الفرنسيين أن تتحوّل هذه الضواحي إلى بُؤر للمتطرّفين بقيادة أئمة يتأثرون بالخطاب السياسي لحركة الأإوان المسلمين والسلفيين والذي تعد قناة الجزيرة واحدة من منابره. ويقول أحد المحلّلين أن "قطر ساهمت إعلامياً وسياسياً في زيادة عزلة 'الغيتو' الإسلامي في فرنسا. فقد ساهمت قطر إعلاميا من خلال تبني خطاب الاسلام السياسي بلكنة موجهة للجالية، وسياسياً من خلال التعامل مع جمعيات اسلامية". ويضيف المحلل الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "يبدو هدف قطر العلني وكأنها تساعد الجاليات المهاجرة في أوروبا عموماً والجالية المغاربية في فرنسا بالخصوص، لكنها أدت بالنهاية إلى زيادة عزلتهم من خلال عيشهم في الغرب وتماهيهم مع الشرق الذي قدموا منه".