تتابع إصدارات «دار الفراشة» في البحث عن كل ما يتعلق بشؤون الصحة والتربية من خلال عناوين بارزة وضعها اختصاصيون ملمّون بالميادين المطروحة. وقد نشرت أخيراً كتاباً عن الصحّة العامة وضعه الكاتب والصحافي جين ستون المتخصص في هذا المجال بعنوان «أسرار الناس الذين لا يمرضون أبداً». انطلقت فكرة هذا الكتاب من مسيرة حياة النبيل لويجي كورنارو الذي ولد قرابة العام 1460 في عائلة ثرية عاشت في مدينة البندقية (ايطاليا). فقد ترك لويجي كتابًا يستعرض فيه مراحل حياته التي أمضاها في سلسلة من اللذات التي أوقعته فريسة المرض الشديد وهو في الأربعين. فنصحه أطباؤه بأن يعتدل في نظامه الغذائي إذا أراد أن يبقى على قيد الحياة. وضع لويجي كورنارو نظامًا غذائيًا جديدًا لحياته يعتمد فيه على التقليل من كمية الطعام التي يتناولها بشكل كبير جدًا، فنجحت الخطة وتحسّنت صحته إلى حدّ كبير. واستمر في الخطة نفسها لما تبقى من حياته فعاش عمرًا مديدًا تجاوز المئة عام. من هذا الكتاب الذي يتألف من أربعة مجلّدات انطلق الكاتب جين ستون مقتنعًا بفلسفته التي تقول إن على الناس أن يتناولوا كميات أقل من الطعام كلما تقدموا في السن، وإن الجسم يفضل الراحة على عملية الهضم خلال فترات المرض. أصبحت مهمة جين ستون في السنوات الأخيرة البحث عن أناس لا يمرضون واكتشاف الأسباب التي تقيهم من الأمراض لينتفع بها الآخرون. في الواقع، قد يصاب هؤلاء الأشخاص الذين لا يمرضون أبدًا برشح خفيف من حين إلى آخر أو يعانون ألماً هنا أو هناك. ما لا يصابون به هو الرشح القوي والأنفلونزا والحمى التي يصاب بها الكثير منّا غالبًا. كذلك نادرًا ما يعانون أمراضاً خطرة. ولعلهم ورثوا مرضًا جينيًا يظهر في مرحلة ما إلا أنهم يحاربونه بحيوية أو يصابون في بعض الحالات بالمرض، لكنهم يكيّفون سرّهم مع الوضع ويستعيدون عافيتهم. بمجمل الأحوال، نجدهم يعيشون حياة طويلة وصحية. تجدون في ما يلي بضعة أسرار من خمسة وعشرين سرًا تستحق العناء والاهتمام. خميرة البيرة اختارت بربارا وزوجها مارتي أسلوب حياة آديل دايفس الصحي فامتنعا عن تناول الأطعمة التي تحتوي على مواد حافظة والسكر المكرر والأطعمة المصنّعة، وعمدا إلى تناول الأطعمة الكاملة كلما أمكنهما ذلك. يقولان: «لم يعرف الأولاد المشروبات الغازية حتى رأوها في منازل الآخرين». ويتمحور برنامج دافيس حول خميرة البيرة وهي مصدر ممتاز للفيتامينات B، خميرة البيرة يتناولها مارتي وبربارا كل صباح مذوّبة في كأس من المياه، وهما لا يفوتانها أبدًا حتى عندما يسافران. أَكملت بربارا دراستها الجامعية ونالت في ال56 من عمرها شهادة في علم الآثار، وبقيت حتى ال83 من عمرها تنتقل مع فريقها من موقع أثري إلى آخر في مختلف أرجاء العالم وهي تتمتّع بنشاط رائع بفضل خميرة البيرة التي تجتمع فيها عناصر الفيتامينB كلها. الثوم تعرّفت سوزان إلى فكرة أن الطعام مهم حين كانت يافعة فوالدتها «نباتية صاحبة رسالة... وهي تقوم بحركات غير سارة في وجه كل من يأكل أيّ طعام آخر». تدير والدة سوزان البالغة من العمر أربعًا وسبعين سنة (وبصحة جيدة) حاليًا مركزًا صحيًا بديلاً في ديلاوار. واضطرت سوزان نفسها إلى أن تفكر في الطعام عندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها، إذ كانت تعاني تبدّلاً في المزاج وسوءه، وسرعة الانفعال والغضب من الإرهاق. وتوقفت عن تناول السكريات واحتساء المشروبات الغازية فشعرت بتحسّن. بعد بضع سنوات، عندما راحت تعاني آلاماً مبرحة في المعدة، قررت أن سبب آلامها هو مشكلة في المرارة وتوقفت عن تناول المأكولات الدسمة والمقلية. وشعرت مجددًا بالتحسّن. وكانت تصاب بالرشح في كل عام قبل أن يخبرها صديقها عن الثوم. توضح: «قال إنّ الثوم يشفي الأمراض كافة. وذات ليلة، شعرت يأني سأمرض فقشّرت فص ثوم نيء وتركته يذوب في فمي فاختفى الرشح. الآن، كلما شعرت باني سأصاب بالمرض، أبدأ بتناول الثوم ثلاث مرات في اليوم فأشعر بأني على ما يرام خلال أربع وعشرين ساعة». تتناول سوزان الثوم أيضًا «على سبيل الوقاية». وهي تستخدمه في الطهي يوميًا وتضعه في كل وجبة عشاء تتضمن الخضار والبصل وأحد أنواع النشويات كالرز أو المعكرونة. وهي تعصر الثوم على الطبق أيضًا. إزالة السموم في السبعينات، علّم فيليب في هاواي التي كانت تعج بالباحثين عن الطب البديل والوعي الروحاني. ووجد في نهاية الأمر وسيلة لاعتماد طريقة عيش بديلة مع إدراك روحاني للذات فضلاً عن تخليص الجسم من السموم وهي عملية أيض (metabolism) يقوم بها الجسم تمكّنه من القضاء على التأثيرات المؤذية للسموم المتراكمة فيه. يقول إنّ «تخليص الجسم من السموم مكّنه من العودة إلى حالة تقارب النقاء الطبيعي»، حيث يمكن للجسد أن يمارس ذكاءه الفطري وأن يعمل كما وجِد ليفعل: بالتناغم مع الطبيعة. التسمم أو تراكم السموم في الجسم هو عملية سلبية وإيجابية في آن. فنحن نتعرّض من جهة للمواد السامة (التي يصنعها الإنسان) والسموم (المواد الخطرة الموجودة في الطبيعة) التي لا يمكننا التحكّم بها: انبعاثات المصانع، الأمطار الحمضية، المبيدات، المياه الملوّثة. لكن ومن جهة أخرى، ما نشتريه من المتاجر وما نأكله في المطاعم هو خيارنا وينطبق هذا أيضًا على المنتجات التي نستخدمها. يقوم نظام فيليب الخاص للتخلّص من السموم على تناول المأكولات الخالية من الدهون، والطازجة والنيئة غالبًا: «كلما كانت مأكولاتنا دهنية أكثر، معالجة ومغشوشة أكثر، كلما تكدّست كمية أكبر من السموم في أجسادنا. وتتعرّض الأعضاء للضغط فيما هي تبذل الجهد للتخلّص من الجزيئات السامة. وكلما قلّ تركيز المأكولات كلما ازداد التخلّص من الفضلات فاعلية، من الدم عبر الأمعاء والمثانة الرئتين والبشرة، بحيث لا تتكدس السموم في الخلايا». يقول فيليب إنه عندما اعتمد هذا النمط من العيش: «توقّفت عن تناول المأكولات ببطء. ما زلت آكل بعض اللحوم، لكنني لا أتناول النقانق واللحوم الدهنية، بل أختار البرغر الخالي من الدهون مع خبز معدّ من القمح الكامل مع الخس والطماطم والبصل. واستبدلت الرز الأبيض بالرز الأسمر والطحين الأبيض بطحين القمح الكامل». وسرعان ما أصبحت الحبوب المنبّتة جزءًا مهمًا من النظام الغذائي أيضًا، بمعدل 100 غرام يأكلها كل مساء قبل الخلود إلى النوم. رفع الأثقال كانت صحة ساشا لوري ممتازة على مدى حياته، وهو يعزو ذلك إلى تدريب القوة. بدأ ساشا برفع الأثقال وهو في السادسة عشرة من عمره ليكتسب القوة اللازمة ليتمكّن من لعب كرة القدم والكروكيت، واستمر حتى سن السابعة والخمسين. وفي إحدى المرات، شارك في بطولات كمال الأجسام حيث نال لقب بطل باكستان للناشئين وبطل مونتريال. وعلى رغم التدريبات، مرّ ساشا بمرحلة في حياته حيث لم يكن بصحة جيدة. بعد «أربعين سنة من العيش كراهب» وقع في الثمانينات أسير موجة الديسكو في نيويورك وانجراف في دوامة الرقص والمخدرات والملذات. وأخرجته ولادة ابنه الثالث في العام 1988 من هذا الحال. في هذه الأيام، تجده في النادي سبعة أيام في الأسبوع، حيث يدرب ثمانية أشخاص تقريبًا في اليوم ويتدرّب هو خمسة أيام من أصل سبعة. وليساعد جسمه على استعادة قواه بعد الجهد، يقوم كل يوم بتمرين جزء مختلف من جسمه فيكمل دورة كاملة خلال الأسبوع. وهو يقول إنّ رفع الأثقال مفيد للصحة لأنه يزيد الأيض أكثر من أيّ نشاط آخر كما يزيد حجم العضل في الجسم. يتابع: «هذا هو الفرق الأساسي بين التقدّم في السن والشباب. إذا بلغت الثلاثين وبقيت الكتلة العضلية لديك هي نفسها كما كانت وأنت في الثامنة عشرة، فلن يشهد جسمك تغيّرات كثيرة. أيّ شكل من أشكال الرياضة مفيد، لكن التمارين التي ترفع نبض القلب cardi، تفيد القلب فحسب، لكنها لا تمرّن العضلات بما يكفي». والنظام الغذائي مهم أيضًا. يعتمد ساشا نظام «نسبة 90/10»: 90% من الطعام الجيد و10% مما يرغب في تناوله. إلا أنه لا يستخدم السكر أو الطحين الأبيض أبدًا كما لا يحتسي القهوة بل يفضّل الشاي ليحصل على الثيانين وهو حمض أميني يساعد على رفع المعنويات. هذه أربعة أسرار فقط لأربعة أشخاص يرى كلٌّ منهم طريقة مختلفة للعيش بصحة ممتلئة نشاطًا وعافية، أما أسرار الناس الآخرين الذين لم نأتِ على ذكرهم فهي أيضًا مدهشة، وتتناول أطعمة عدة وطرائق عيش متنوعة ودراسات علمية عن الشفاء بواسطة الصلاة وغيرها. الجريدة