ü القصة الأدبية في السودان، مرت بمراحل فنية مختلفة، من حيث طرق الكتابة الابداعية، في بداياتها كانت بسيطة التراكيب الشكلانية، وذلك لأنها كانت تتناول موضوعات تصور أحداثاً اجتماعية ذات ايقاع بسيط، يخلو من التعقيد، إذ كانت تصور حركة المجتمع في صعودها وهبوطها السياسي والاقتصادي، وهي حركة ليست ذات شدة في ايقاعها الدرامي إذ يجئ الصراع بين الاحداث بذات بساطة الحراك الإجتماعي، وهو حراك لم يبلغ عنفوان صدامه الدرامي بعد. وقد كان المجتمع السوداني يوم ذاك مجتمعاً بريئاً في براءة التطور الحضاري الذي يتمثل في المجتمعات الرعوية ثم الزراعية.. حيث القيم الإجتماعية في اطارها الثقافي والحضاري لم تتعمد ذاك التعقيد الذي تشهده المدن الكبرى الآن.. ولهذا كان الطابع الذي يطبع القصة السودانية في هذا الطور هو طابع القصة الريفية.. وربما يمثل هذه القصة الريفية تلك القصص التي كتبت في مرحلة الاربعينيات والخمسينيات من هذا القرن.. وقد استمر هذا الخط حتى الآن حيث نجده في قمة نماذجه الأكثر نضوجاً عند الطيب صالح وإبراهيم اسحق ومبارك الصادق وأحمد الفضل.. وبشرى الفاضل.. »2« قصة المدينة وفيما بعد تعقدت الأوضاع الإجتماعية بسبب تعقيدات الصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية، إلى جانب تأثيرات الكتابة القصصية العالمية الوافدة التي لامست الكتابة السودانية في الستينيات حتى الآن »نقداً وابداعاً«.. مما ولد تيارات في الكتابة القصصية تعبر عن هذا الموقف الحضاري والثقافي المستجد.. فظهرت القصة التي تعالج تعقيدات انسان المدينة وهو موضوع عند مستوى الصراع الإجتماعي، وهذا ما عالجته من خلال مناهج طرحها السردي »الواقعية الاشتراكية الأدبية« .. وعلى الجانب المقابل لها كان كتاب القصة السودانية الذين تأثروا بتيار الكتابة الوجودية ذاك الاتجاه الذي روجت له دار الآداب البيروتية من خلال مجلة الآداب التي يرأس تحرير الدكتور سهيل ادريس.. هذا التيار كانت قصته تعالج المقولات الوجودية التي هي افراز للحياة المدينية التي اكتسحت المدينة السودانية في أقاليمها المختلفة.. ومن هنا بالضبط ولدت تيارات الحداثة الابداعية في القصة السودانية، حتى وصلت إلى »اللا قصة« التي كتبت في فرنسا اوائل الستينيات، إلى جانب تأثيرات مسرح اللا معقول »مسرح العبث«.. ثم القصة الشعرية.. ثم القصة الواقعية..ثم قصة الواقعية السحرية، التي كتبت في ذات الفترة في امريكا اللاتينية.. »3« القصة الريفية: أما القصة الريفية التي تكتب في العالم اليوم.. رغم زوال الظروف الإجتماعية والتاريخية التي صنعتها، فهي لا تزال تكتب حتى اليوم في كل أرجاء العالم، كما تكتب اليوم في السودان، وهي تحاول بعث القيم الإجتماعية والأخلاقية التي تؤكدها الثقافات القومية في بعدها التأريخي كنوع من المصادات للتيار الثقافي الذي يسعى للعولمة.. رغم أنها الآن قد سميت باسم جديد هو القصة المحلية، امام ما يسمى بالقصة الكونية، وعلى رأس هذه القصة في السودان ذات الكتاب الذين قادوا تيار القصة الريفية ولكن ينضاف إليهم الكتاب الجدد الذين أضافوا البعد الكوني على الشكل القصصي، وهم بركة ساكن وهاشم محجوب ومنصور الصويم ومحسن خالد ومحفوظ بشرى ومحمد خلف الله سليمان وبشرى الفاضل.. »4« القصة وذائقتها النقدية: ü ليست هذه هي الحالة النهائية للقصة الادبية في السودان، هناك طرائق كتابة مستحدثة، تعدت الحداثة لما بعد الحداثة.. لها سماتها الجمالية والمضمونية.. وكل هذه المستويات من الأداء الكتابي الابداعي تحتاج لذائقة عريضة ذات شمول في النظر النقدي لتستطيع تذوق هذا الاداء الجمالي البديع، ولتكشف عن كل القيم المضمونية والشكلانية التي انجزتها الكتابة القصصية السودانية الآن..