(1) الكتابة في السودان الآن في ظني ان الكتابة في السودان قد بلغت شأناً عظيماً من الرقي والتطور في منابرها الادائية المختلفة فهناك الكتابة الاكاديمية وهناك الابداعية والصحفية. وأول مظاهر هذا التطور ان صوت الكتابة الخاص هنا أصبح سودانوياً قحاً، بعد ان كان الخطاب تابعاً للخطاب العربي البلاغي والنحوي المعاصر في عواصم الكتابة العربية المعاصرة، القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد (سابقاً)، وان الخطاب الابداعي الشاب في السبعينيات كان يردد اصداء خطاب عواصم المغرب العربي.. الجزائر والمغرب وتونس وهكذا شاع لمدة طويلة ان القاهرة وبيروت تكتبان وان الخرطوم تقرأ. وكان جزء كبير من حركة تحديث الكتابة في اوائل الستينيات يستعير شكل وصوت ذاك الخطاب وجودياً أو بنيوياً مستنسخاً في نسخته العربية الثانية التي تكاد تكون نقلاً عن مصادر أوروبية. وكانت أسماء كثيرة عربية ذات سلطة على سوق الكتاب في الخرطوم. فكان كاتب ذاك الزمان يقع ان اراد او أبى تحت عجلات هذه السطوة، التي وقع فيها القاريء العربي من المحيط الى الخليج. وهكذا كتب رجاء النقاش مقالته تلك «مظلة نجيب محفوظ»، والتي لم تفلح في حجب شمس الطيب صالح. وكان هناك نجوم كبار.. في الشعر والرواية والقصة والنقد. وكذلك نجوم في الفكر.. كان عبد الحي والمجذوب ومكي وسند وكان علي المك والزبير علي وابراهيم اسحق. ومنصور خالد وعبد الله علي ابراهيم وحيدر ابراهيم وابراهيم محمد زين. ونقاد بلغوا الذرى ووصلوا أبعد مما وصل إليه نقاد المشرق والمغرب العربيين. ربما كان تطور الكتابة الاكاديمية في السودان الآن قد اتى بسبب التطور النوعي والكمي في التعليم الجامعي مما جعل الحاجة للكتابة في هذا المجال مطلوبة بشدة. كما كان هناك ارتفاع في نسبة التعليم القومي مما ادى بدوره لارتفاع الوعي العلمي فأصبح الانسان السوداني السياسي يدخل الى فضاء الفكر السياسي عبر حواره مع الايديولوجي. فكان ان ارتفع معدل القراءة بارتفاع نسبة زيادة هذا الوعي. ومن ثم ارتفع تجديد الكتابة في الحقول المجاورة للاجتماعي والسياسي. وزاد الاهتمام بالابداع القصصي والروائي الأدبي.. وكان طبيعياً ان تصل لغة التعبير الى درجاتها العليا من النصوع والصفاء. وبسبب تراكم التجربة الابداعية السودانية ووجود تيارات ومدارس متأصلة داخل الحياة الثقافية السودانية منذ الستينيات حتى الآن، استطاعت الكتابة في السودان ان تدير حواراً حياً مع الثقافة العربية المعاصرة في كل من آسيا وأفريقيا. وان تدير ذات الحوار مع الفضاء الكوني.. ومن خلال هذا الحراك الحي استطاعت الكتابة السودانية ان تكسب تجربتها الخاصة التي يمكن ان تنمي قدرتها على الحوار وعلى التعبير عن زمان وجغرافية المكان السوداني. وبالتالي أصبح المعيار الذي يمكن ان يقاس عليه هذا الابداع (الكتابة) هو ذاك المعيار الكوني الانساني الذي يؤكد على الحرية الابداعية فكرياً وحضارياً. ولذا لم تعد الدائرة التي تدور في فلكها هي تلك الدائرة الضيقة التي كانت تمثلها العواصم الثقافية العربية التي سادت سلطتها في الستينيات من هذا القرن. ولهذا يمكن القول ان الكتابة السودانية لم تعد هي تلك التي كانت تعتبر على حدود الهامش الثقافي العربي. لقد آن الاوان ان تتعلم الكتابة في الجوار السوداني من الكتابة السودانية المعاصرة وليس العكس.