لم تقدم الحكومة حتى الآن سوى مبررين لما تعتزم الإقدام عليه برفعها الدعم عن المحروقات، وهما أن دعم الدولة للمحروقات لا يستفيد منه المواطنون البسطاء وإنما يذهب لصالح آخرين مقتدرين بجانب سكان الدول المجاورة التي يذهب اليها عن طريق التهرب. وبحسب وزير المالية علي محمود أن «جالون» البنزين يباع في دولة تشاد ب (7) دولارات، وفي إثيوبيا ب (4.5) دولارات ومثلها إريتريا وجنوب السودان وكينيا وأفريقيا الوسطى ويوغندا. ويشير إلى أن كل دول الجوار يتم تهريب النفط السوداني إليها عدا دولتي مصر وليبيا، بينما سعر جالون «الوقود» بالداخل يباع بما يوازي دولارين وعندما يصل الحدود يصل إلى أربعة دولارات، ويباع في الدولة المجاورة ب (7) دولارات. ويقول وزير المالية «ووقتها سيقوم الجميع بالتهريب بدءاً من الموظف والتاجر وغيرهم، ولا يمكن إيقاف ذلك إلا بموازاة السعر». لكن حجة الوزير لا تبدو مقنعة للكثير لجهة أن التهريب لم يكن بالشيء الميسور لوجود شرطة مختصة بمكافحة التهريب، حسبما يقول رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي إسماعيل حسين الذي يقول ل (الأحداث) «التهريب لدول الجوار لا يبدو مبررا مقنعا، في ظل وجود شرطة الجمارك ومكافحة التهريب، بجانب وجود القوات المسلحة التي تحرس الحدود بين الدول، فكيف يتم التهريب، اللهم إلا إذا كان بموافقة السلطات، لكن تبقى حجة غير مقنعة لأن إدارة الشرطة لم تعلن عدم قدرتها على السيطرة على مكافحة التهريب وحماية الثغور على الحدود» فضلاً عن حالة الطوارئ المعلنة على طول الحدود بين البلدين؛ والتي تتعامل وفق توجيه النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه «اضرب لتقتل». في وقت يرى خبراء اقتصاد أن مبرر استفادة دول الجوار من دعم السودان للمحروقات لم يكن منطقياً سيما عقب تعويم الجنيه السوداني وتحرير سعر الصرف، لجهة أن الحكومة في السابق كانت تدفع على الوقود المستورد حوالي 30 دولاراً على الجالون عبارة عن جمارك، لكن هذه النسبة اختفت عقب تعويم الجنيه. ويعتقد البعض أن هنالك حجة أخرى ربما حملت الحكومة على رفع دعمها للمحروقات؛ وهي أن تكون الخطوة وسيلة أخرى لتضييق الخناق على دولة جنوب السودان؛ لأن الخطوة ربما أدت إلى مضاعفة أسعار جالون الوقود بالجنوب، حيث أن الدولتين لم يكفا منذ الانفصال عن تسديد الضربات لبعضهما البعض، وفي إطار الحرب السياسية والاقتصادية والعسكرية المتبادلة بين السودان وجنوب السودان، اتخذت الدولتان ما بوسعهما للضغوط على الاخرى ومحاربتها بأي الوسائل، وفي ذلك قامت دولة الجنوب بإيقاف ضخ النفط عبر أنابيب الشمال، ما كان له الاثر البالغ على اقتصاد السودان الذي كان يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، وكان الجنوب عند اتخاذه الخطوة يعلم ذلك وكان بحسبانه أن إيقاف النفط يسرع من غضب الجماهير التي تسارع إلى هبة شعبية تسقط النظام في الخرطوم ويتحقق لها ما تريد، ولم تكتف دولة الجنوب بذلك بل سارعت إلى احتلال منطقة «هجليج» أكبر الحقول المنتجة للنفط بالشمال والتي استطاعت أن تنتج ما يجعل الانابيب تعمل رغم إيقاف بترول الجنوب، وفي انتهجت دولة السودان عدة سياسات لخنق حكومة الجنوب ومعاملتها بالمثل، سيما عقب احتلال الجنوب «لهجليج»، لعل أبرز تلك السياسات هي منع تصدير أي مواد غذائية من الشمال لدولة الجنوب رغم الفائدة الكبيرة التي يجنيها اقتصاد الشمال من عائدات التصدير، بجانب وجود قطاع كبير من المواطنين الذين يعملون في مجال التجارة بين الجنوب والشمال قبل انفصال الدولتين، لكن الرغبة في المعاملة بالمثل مع حكومة الجنوب جعلت حكومة السودان تتخذ قرار منع تصدير البضائع إلى الجنوب، بل أردفت القرار بعقوبات مغلظة تطال المهربين غير الملتزمين بالقرار، وقد أوقعت بالفعل عقوبات رادعة بحق مهربين تم القبض عليهم في حدود الدولتين يقومون بتهريب كميات كبيرة من المواد الغذائية للجنوب، وقد تمت محاكمتهم في محاكم مختصة شكلها رئيس القضاء بولاية النيل الابيض، وصلت الاحكام ضد المتهمين بالسجن عشرة أعوام والسجن المؤبد ومصادرة البضائع لصالح اللجنة العليا للاستنفار بكوستي، ومصادرة السيارات التي كانت محملة بالبضائع لصالح حكومة السودان، وتمت محاكمة المتهمين بتهم التهريب والجرائم الموجهة ضد الدولة، بجانب المخالفة للقانون الجنائي وقانون مكافحة التهريب وقانون الجمارك لسنة 2008. وأتت الخطوة وفقاً للسلطات في إطار محاصرة ظاهرة تهريب البضائع إلى الجنوب. بينما يرى إسماعيل حسين أن الخطوة ستكون لها آثار سالبة على معدل الاسعار كلياً حال تطبيقها، وسترتفع أسعار جميع السلع الاخرى ولا تقف على زيادة ارتفاع أسعار وسائل النقل، وستكون لها نهايات مأساوية وستزيد من الوضع سوءاً، سيرتفع معدل التضخم الذي يكون له الاثر المباشر على القدرة الشرائية من المواطنين والفقراء الذين يزداد بؤسهم بؤساً، بينما المترفين الذين عنتهم الحكومة بأنهم المستفيدون من دعم الدولة للمحروقات، لن يتأثروا كثيراً بذلك، ويقول حسين إن الحكومة تريد أن تستثمر في حادثة الاعتداء على هجليج وتريد أن توظفها لتحقيق أغرض مختلفة تماماً. ويرى محللون سياسيون أن الوضع في دولتي السودان وجنوب السودان لن ينصلح ما لم يذهب أحد النظامين الحاكمين في الدولتين، وذلك لأن النظامين في الشمال والجنوب وصلا إلى قناعة بأن الثقة بينهما أصبحت معدومة وان الدولتين لايمكن أن تعيشا في وئام في ظل وجودهما على السلطة، ووفقاً لذلك فإن النظامين يبذلان ما في وسعمهما لمحاربة بعضهما البعض. يقول المحلل السياسي حمد حاوي إن الحكومة بتلك الخطوة كأنها أصدرت حكمها على المفاوضات بينها ودولة الجنوب الجارية بدولة إثيوبيا، لأن المبررات التي قدمتها لم تكن كافية لتبني الخطوة. بينما يذهب الدكتور الحاج حمد إلى اتجاه آخر ويقول إن الحكومة ما أردات بالخطوة إلا زيادة الضرائب غير المباشرة على المحروقات لأنها ذات عائد سريع، لجهة انه لا يوجد دعم أصلاً للحكومة على المحروقات، ويقول ل (الأحداث) إن الحكومة تعلم وجود أزمة اقتصادية وتريد أن تشرك المواطنين في معالجة الازمة بهذه الخطوة لتغطية الازمة الاقتصادية، في وقت يوجد حل الازمة في مكان آخر؛ وهو خفض الانفاق الدستوري بالدولة، بجانب إدخال قنوات إيرادية لخزانة الدولة بينها الزكاة، وإيرادات الأجهزة الشرطية، بجانب إرجاع ضريبة الجمارك على أعلاف الدواجن التي أعفيت من الجمارك في وقت سابق، لجهة أن أسعار الدجاج رجعت كما هي ولم تنخفض كما أريد لها. ويتفق إسماعيل حسين مع حاج حمد حول أن الحل يكمن في خفض الانفاق الدستوري وتقليل الصرف على الاجهزة النظامية المختلفة وحل وتسريح بعضها، وهي ذات النقطة التي طرقها رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني صابر محمد الحسن حينما اقترح حلولا بحسب «سودان تربيون» على ثلاث مراحل الأولى منها اتخاذ الجهات الحكومية قرارا بخفض وزراء الجهاز التنفيذي للتمكن من تقليل النفقات ، وفي المرحلة الثانية إجبار وزارات الكهرباء والدفاع وجهاز الامن الوطني على تحويل كل مواردها إلى وزارة المالية والتحول إلى بند الصرف العادي مع بقية الوزارات بعيداً عن تجنيب الحسابات الذي تمارسه تلك الجهات حاليا. وأشار صابر إلى أن المرحلة الثالثة من المعالجة تتمثل في رفع الدعم عن المحروقات، وقال إن تنفيذ المرحلتين السابقتين سيجعل الشعب السوداني متفهما لزيادة أسعار الوقود. الاحداث