هل يؤثر المجتمع المنفتح اجتماعياً على حياة أبنائه الاجتماعية؟ هو سؤال شائع يطرح كثيراً في الآونة الأخيرة حول بلدان الخليج العربي وبشكلٍ خاص في الإمارات العربية المتحدة، على اعتبارها أكثر دول المنطقة احتواءً للجنسيات العربية والعالمية. ويأتي الجواب من ضمن الواقع المعاش، دون الاضطرار إلى تجميله أو المبالغة فيه. فلا أحد يستطيع أن يحجب التنوع الاجتماعي الهائل الذي تحظى به الإمارات، والذي ينعكس على جميع أنماط الحياة والعلاقات فيها. وبشكلٍ عام فإن للخليط العرقي والإنساني الذي نتحدث عنه، إيجابياته الواضحة وسلبياته الواضحة. وتتجسّد الإيجابيات في الانفتاح الثقافي والمعرفي على كل بلدان العالم في العمل والتعليم والفن والثقافة، الشيء الذي يوسع أفق ووعي الأفراد في مثل هذه المجتمعات، وبالتالي يزداد حجم الإنتاج في كل المجالات ولا يبقى أسير نمط معين أو ثقافة محددة. وهو ما نجده في الإمارات كلها، حيث تسهم أكثر من 200 جنسية في رسم معالم الثقافة بما يخدم منهج الدولة والإنسانية بكل تجلياتها. قد تبدو هذه النقطة في غاية الإشكالية، أي كيف لبلد تضم كل هؤلاء المختلفين عنها في العادات والتقاليد أن تجعلهم يسيروا جميعاً وفق منهجها وما تريده هي في الحاضر ومن أجل المتسقبل؟ إلا أن الإمارات ومن خلال احترامها للآخر قبل أي شيء نجحت في جعله يحترم عاداتها وتقاليدها هي. والذي يتجسّد في جعل هذا الفرد أو الآخر ينتج ويعمل لتطوير ذاته حسب مؤهلاته وماهية اختصاصاته، بالتزامن مع هدفه في تطوير الدولة التي يعمل بها ويعيش فيها وترسيخ هويتها، دون أن يفقد هويته الأصلية وانتماءه لبلده. أي أنّ دولة مثل الإمارات العربية المتحدة، تفرز لكل الجنسيات التي تعيش فيها ثلاثة أنواع من الانتماءات، لا تصطف تراتبياً إنما تمشي جميعها بالتوازي جنباً إلى جنب. الأول هو انتماء الفرد تجاه بلده الأصلي وطموجه الدائم بالعودة إليه والعمل من أجله، الثاني هو انتماء للإنسانية بأعراقها وجنسياتها المتنوعة، والثالث لا تستطيع كل الدول ذات المجتمعات المنفتحة عالمياً أن تفرزه، وهو انتماء حقيقي للإمارات يتجسّد بالعمل الفعال ضمن أراضيها ومبادلتها ذات الاحترام وذات العطاء. وما نقصده بالاحترام، أن تعيش حسب عاداتك وقناعاتك مع أشخاص آخرين لهم قناعاتهم وممارساتهم التي قد تختلف عنك لدرجات قصوى، ولا يؤذي أحدكم الآخر سوء بالتطالول على المعتقدات المغايرة أو نمط الحياة المختلف. على العكس تماماً، فإنك تتحول باللاشعور إلى ممارس لحريتك بما يضمن احترام الدولة وبقية الأفراد. وبالنهاية فإنّ هذه الحرية هي مسؤولية الدولة وتتبع للممارسة الحكومية. وأما السلبيات فكثيرة وواضحة في مجتمع منفتح، يأتي في طليعتها فقدان الهوية الأساسية للدولة والطابع المميز لها، فتغوص معالم البلد التقليدية وتنصهر ضمن بوتقة جديدة من نوعها شكّلتها الجنسيات مجتمعةً مع بعضها، وتنشأ منظومة حديثة لها صفاتها المميزة والفاعلة. إلا أنّ بعض الإجراءات قد تحدّ من ذلك الانصهار، وتتمكن من الحفاظ على الملامح الأساسية للدولة والمجتمع. وبالنسبة للإمارات، فقد أصبحت خبيرة في ممارسة إجراءات محددة تمنح مواطنيها من حملة الجنسية الإماراتية شعورهم المتجذر بأنهم يعيشون في بلد لها طابعها الخاص الذي يعتبر امتدداً لما أنجزه آباؤهم وأجدادهم في الحياة السابقة، وأنهم إنما يعيشون لتطويره ضمن معطيات واقعية جديدة فرضها التطور التكنولوجي والإنساني. ومن أجل الحفاظ على التراث وصون وحماية الروح الحقيقية للمنطقة، تسعى الإمارات إلى إقامة الكثير من المعارض والمهرجانات التراثية التي تعرض من خلالها منتجاتها التقليدية، وتروّج لعاداتها المستمدة من تمازج الصحراء والبحر. ومن الغريب والجميل أن تجد جنسيات مختلفة تعمل لتصدير الثقافة الإماراتية في مثل هذه المهرجانات، وتحقيق الأهداف المرجوة منها والتي تتجلى في الترويج للموروث الشعبي الإماراتي كاستمرار لمنهج الدولة ورؤيتها في مواكبة التطور مع ترسيخ الماضي كجزء لا ينفصل عن الحاضر والمستقبل.