السفر الى بقاع السودان له مذاق غريب تختلط فيه المعاناة بالمتعة وتتناثر المناظر من على مخيلتنا وهي تشكل (فسيفساء) المشهد الشاق .اما ما تبقى في ذاكرة الناس من ذلك التسفار فهو شجن الترحال ووعثاء السفر وكثيرا من الذكريات الجميلة . نعود الى نفس المشهد وبرفقتنا العم صالح احمد خليل الذي يحدثنا حول هذا الامر حيث يقول في السابق لم تكن هناك وسيلة للسفر غير اللواري والنيسانات حيث ان الطرق لم تكن معبدة وممهدة بالشكل الذي يساعد على تيسير عملية السفر وبرغم كل هذه الظروف فقد كان لهذه الرحلات متعة لا تضاهيها متعة .انطلاقا من التجهيز للسفر باعداد الحقائب وتجهيز (الزوادة) فقد كان الناس في السابق اسفار معلومة وهي الاجازات والاعياد والمناسبات بشقيها السعيد والحزين ولم تكن الاسر تتحرك الا عن طريق العربات ولم تكن تعرف ثقافة القطار نسبة لارتباطه الجغرافي بمناطق ومحطات معينة في السودان ايضا لم يكن للسفريات الداخلية بالطيران وجود على خارطة الاشياء وكانت الطرق المسفلتة تعد على اصابع اليد فالمسافرون الى الابيض مثلا كانت معاناتهم تبدأ بعد كوستي مباشرة وهي المحطة التي ينقطع فيها (الزلط) والمسافرون الى الجزيرة ابا وربك كانوا يسلكون طريق الدويم بالغرب وهكذا ينتقل الامر الى (ناس الشمالية) فكان سفرهم عبر اللواري فقط وهي قطعة من جهنم بحق وحقيقة لان السفرية تستغرق منهم عدة ايام واذكر ان لنا جيران من القرير كانوا لا يسافرون الا مرة واحدة في العام حيث يجمعون كل المناسبات ويسافرون مرة واحدة ويقول العم صالح ان متعة السفر باللواري والنيسانات كانت تتجسد في التآلف والتواصل الذي يحدث بين الناس اثناء السفرية بحيث يصبحون اسرة واحدة اضافة الى ذلك كانت اغلب الرحلات تفضل المسير ليلا وما اجمل ليل السودان حيث الصفاء والهدوء والمسامرات (الخاصة) ايضا كانت القهاوي تضفي نكهتها على الرحلة لانها اماكن يقضي فيها الناس بعض الراحة وشرب الشاي والقهوة وتناول الطعام المختلف عن الذي تعودنا عليه في مناطقنا اما الان فالوضع مختلف جدا فكل المسافات باتت في متناول اليد ولا توجد مشقة (فالاسفلت اكل المسافات) وقضى على البعاد لاننا كنا نسافر الى بورتسودان في يومين اما الان فتكفي ثماني ساعات فقط عن طريق عطبرة وهناك اماكن يمكن ان تذهب منها في نفس اليوم . الاحداث