هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    ((نصر هلال قمة القمم العربية))    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة المرأة وصورة الآخر في رواية 'الموعود بالجنة'
نشر في الراكوبة يوم 09 - 03 - 2013

على الرغم مما تثيره كتابات المرأة من جدل حول طبيعتها النصية والموضوعية في التعبير عن عالمها الإنساني الخاص، ورفضها القاطع لأي مصطلح يصنف كتاباتها الإبداعية تصنيفا يضعها على هامش المشهد الإبداعي، أو يدّني من جهدها الموضوعي على أي مستوى مثل مصطلح الأدب النسوي أو الأنثوي أو النسائي إلا أن هناك ثمة جهد ورؤية خاصة لا شك تكمن في نصوص المرأة الكاتبة الإبداعية من حيث اختيار موضوعات الكتابة ونسقها وإيقاعها والتقنيات المستخدمة في طريقة كتابتها وتشكّل ملامحها، بحيث تتفاعل فيها كتابات المرأة مع بعض هذه المصطلحات سواء من قريب أو بعيد، كما تتفاعل معها رؤيتها تجاه الواقع الخاص بجنسها وتجاه قضايا عدة ترتبط بحياتها وما يجري على الساحة من مجريات واقعية ومتخيلة وفاعلة تدخل تحت ما يسمى بصوت الأنثى في التعبير عن ذاتها.
وساحة الرواية من الساحات التي شهدت هذا الجدل الدائر حول إشكالية الأدب الذي تكتبه المرأة، والأسئلة المطروحة حول هذا الموضوع كثيرة ': فهل تكتب المرأة أدبا خاصا بها؟، هل الأدب النسوي هو أدب الوعي المتقدم المقترن بجرأة اقتحامية؟، هل هو الأدب الاحتجاجي؟، هل هو أدب التمرد وحرق المراجل؟، هل هو أدب النحيب على أعتاب خسارات النساء؟ هل هو أدب الميلودرامات الاجتماعية؟. اسئلة كثيرة تثار حول ما تكتبه المرأة من إبداع. والإجابة على ذلك يكمن في الإبداع ذاته هو الذي يتحدث ويجيب من داخله بكل وضوح عن الظاهرة التي ما زالت تراوح المشهد الروائي والسردي الآن، والمرأة الكاتبة عن المرأة هي التي ما زالت تبذل قصاري جهدها لتؤثث لنفسها صفحة إبداعية في المشهد الروائي المعاصر وهي كثيرا ما تحاول أن تدفع صخرة سيزيف إلى أعلى التل مع كل تجربة هي تتعلم من الإخفاقات والنجاحات حتى تصل إلى لحظة التنوير التي يتوق إليها المبدعين في كل زمان ومكان.
وفي روايتها الأخيرة 'الموعود بالجنة' ترفد الكاتبة سحر الأشقر صفحة من حياة أسرة ارتبطت بواقعها الخاص من خلال رؤى عدة لشخصيات انتخبتهم من الواقع الاجتماعي العام لتجسد من خلالهم صورة المرأة في تعاملها مع الواقع الإنساني بكل ما يطرح من علاقات مأزومة وجرأة في التناول والممارسة ونظرة حياتية مستمدة من الواقع الاجتماعي والنفسي وعلاقات المرأة مع الرجل بكافة توجهاتها المألوفة والشاذة، وصورة الرجل الذكورية الراسخة في مجتمعنا، وأبنية القيم بكل توجهاتها التي يعمل عليها الرجل في تعامله مع المرأة في مفارقة ناتجة عن سوسيولوجية اجتماعية خاصة تفرزها الشخصية المريضة والسوية على السواء داخل نسيج النص. وتطرح الرواية رؤية تتشكل من واقع مأزوم في طبيعته وإن كان هناك ثمة أمور أنثوية تحملها شخصيات الرواية بعضها يبدو لأول وهلة وكأنه يمتح الصورة الدائمة للمرأة في عدة شخصيات كاشفة عن كنه ما ترفده طبيعتها في صورها المختلفة الرومانسية والواقعية والمريضة والداعرة والمتسلطة وغير ذلك من طبائع المرأة الكاشفة والمضمرة في نسيج النص.
صورة المرأة
المرأة كما أوضحنا هي المحور الرئيسي للنص وإن كان الرجل يشاركها في شغل مساحة سردية كبيرة على مستوى الأحداث لها فاعلياتها الخاصة من منظور الذكورية المهيمنة والمسيطرة على الواقع الاجتماعي خاصة ما يتصل منه بواقع المرأة جسديا ونفسيا، إلا أن المحرك الرئيسي لهذا الجهد الروائي يكمن اساسا في صورة المرأة المتمحورة بصورها المختلفة في النسيج العام النص والتي تتحرك من خلالها الأحداث لتكّون في النهاية صورة درامية لواقع مأزوم في بعض جوانبه يأخذ من القضايا الاجتماعية والسياسية، وتابوهات السرد من خلال المسكوت عنه الأيديولوجي والجنسي ملامح تشكّله، فثمة رؤى تتخلق داخل نسيج النص تبرزها شخصيات أنثوية تبدأ من شخصية الممرضة وهي شخصية ملتبسة بدأ بها النص في عيادة طبيب أمراض النسا هشام، وهي وإن كانت شخصية ثانوية مهمشة إلى حد كبير في تجسيد صورتها إلا أن الكاتبة استطاعت من خلال هذه الشخصية أن تبرز جانبا مهما من جوانب المرأة اللعوب العارفة ببواطن الأمور بإيحاءاتها ودلالة نظراتها للطبيب والمرضى على حد سواء، وهي وإن كانت أبرزتها كعامل مساعد في مستهل الكتابة النصية إلا أن دورها في تجسيد واقع ما كانت عليه عيادة الطبيب الذي تعمل لديه وهو الدكتور هشام إحدى الشخصيات الرئيسية كان لها دورها المعمق والفاعل في إدارة دفة تعامل طبيب أمراض النسا الشاب خاصة مع النساء المترددين عليه في العيادة والعليمة بممارسته الذاتية الشاذة معهم، بل إنها أيضا كانت تسلمه نفسها في الأوقات العجاف على حد قوله، هو يقول عنها ': تلك الممرضة السمجة التي تعتني بجسدها الذي تعشقه، تبدو فخورة بجنونها الذي هو من نوع خاص، وهو علمها بكل خبايا الأشياء'. (ص22).
كذلك كانت الشخصيات النسائية الأخرى بأدوارها الفاعلة والمهيمنة على نسيج النص تكرس الكاتبة من خلالهن وضعية المرأة في مجتمعها الطبقي، الذي ينتقد هذه الوضعية وينقدها ويعريها كجزء لا يتجزأ من وضع اجتماعي مرفوض عقليا وحسيا وشعوريا، بدءا من الأم (ملك)، وهي شخصية كما هو واضح أيضا من أسمها تملك من جماع المتناقضات الكثير، تزوجت من رجل ريفي ثري يكبرها بعشرين عاما، أنجبت منه ولدين هما هشام وعامر، وشخصية (ملك) حسبما رسمتها الكاتبة شخصية تسلطية بفعل ظروف تجربة عاطفية قاهرة تعرضت لها في مرحلة الشباب، كانت تحب طبيبا شابا يدعى هشام، تركها وتزوج أبنة طبيب كبير لطموحاته وتطلعاته الذاتية، بينما تزوجت هي زواج المصلحة لتنقذ عائلتها الأرستقراطية بعد إفلاس والدها ومرضه، لذا كانت حياتها العاطفية الأولى تطاردها دائما نتيجة لهذه الصدمة وتنسحب على كل ممارساتها بماضيها على واقعها الآنى، ما دعاها أن تعيش الوهم الدائم في كل مناحي حياتها فتسمى أبنها الأول هشام على أسم حبيبها الطبيب هشام، وأن تسير به إلى نفس المصير الذي آل إليه حبيبها فيصبح هشام الصغير طبيبا هو الآخر له عيادته الخاصة': ذلك الأصل الذي حاولت، أن أصنع أبني على صورته؟ أسميته نفس الأسم أدخلته كلية الطب، أغدقت عليه بحنان، ليعوضني عن الحلم الذي اغتالني'. (ص8) كانت تفرّق في المعاملة بينه وبين أبنها الثاني عامر، الرافضة له على طول الخط والذي لم يكن على شاكلة أبنها الأول شكلا ومضمونا: 'لم أجد أدنى استعداد لأن يسلبني عامر جزءا من اهتمام أخيه. هشام ملامحه أرستقراطية.. بشرته بيضاء ناعمة، كأن عين الشمس تخشى عليه، فترفض أن تنظر له، والآخر بملامحه الريفية وبشرته السمراء الخشنة، كأنه يعمل في الحقل ليل نهار، دائما ولداىّ يختلفان، وسرعان ما يتفقان، وقبل أن يتآخيا، أفتح لمليكي (أبني الأكبر) أبواب المملكة'. (ص10)، إن نزعة الإقصاء التي مارستها الأم (ملك) مع أبنها الثاني عامر كان مردها إلى عقدتها النفسية التي نشأت جراء الإقصاء الذي مارسه معها حبيبها هشام في مرحلة الشباب، لذا كان أبنها الأول هشام هو الأثير لديها تدافع عنه بكل ما تملك من قوة وتمنحه حنانها بقسوة بالغة حتى إنها كانت تطرد الفتيات اللاتي كن يحاولن الاختلاط به أثناء الدراسة بدافع الغيرة والاحتفاظ به لنفسها، أما عامر فكان أبن أبيه كما كانت تنعته، كانت هذه النظرة الشاذة من الأم ملك تجاه أبنيها نابعة من أرستقراطيتها الزائفة وفقدها لحبها الأول بطريقة هزت أنوثتها وأفقدتها جزءا مهما من عاطفتها المشبوبة ولكنها عوضتها في أبنها الأول الذي أحبته حبا غير طبيعيا ما جعل أبنها الآخر عامر يحتل مكانة خاصة لدى الأب مصطفى الذي احتضنه وعوضه عن حنان أمه، لذا فإنها كانت رافضة له لأنه يمثل لها الواقع المأزوم الذي تعيشه الآن من وجهة نظرها، على الرغم من ذلك فإن الأخوين كانا يحاولان التمسك كل منهما بالآخر كرد فعل لمعاملة الأم القاهرة لهما، كانت حياة الأم مستحيلة القياس بالنسبة لما كانت تفعله مع أبنيها وزوجها الذي كتب لها كل ممتلكاته إرضاء لفارق السن الكبير بينهما، فقد كان دائما ما يقف عاجزا عن التصرف عند مشاهدته التفرقة في المعاملة بين ولديه في أكثر من موقف، لذا فقد احتضن أبنه الثاني عامر ليعوضه عن حنان الأم بحنان الأب وجعله نديمة في القرية يساعده في الاعتناء بالأرض، لذا نشأ هشام مدينيا وأصبح طبيبا ونشأ عامر نشأة ريفية وانتهى إلى أن أصبح أستاذا في الأزهر الشريف، ولكنهما منذ الصغر كانا لا يفترقان في السمات والأخوة والحب، على الرغم من هذه المفارقة في التربية بين كل من الأخوين إلا أن هناك صلة روحية تبقى جزءا من مشهدية الأسرة داخل كل منهما، هي عند هشام وإن كانت متضخمة ذاتيا بعض الشئ نتيجة لتدليل أمه له والتي أسقطها على النساء المرضى اللائي كن يترددن على عيادته، إلا أن هناك مسحة من الإنسانية لا زالت باقية داخله، وتجذرت في ذاته بعمق وقد بدأت بوادرها تظهر حينما كان يدرس في لندن وتعرف على (لورا) الفتاة الأنجليزية اليهودية التي تزوج بها هناك وأنجب منها يوسف، وحينما حاولت أن تدفعه للسفر معها إلى إسرائيل، يرفض هذا العرض رفضا باتا، فتعاقبه لورا بأن تهرب بأبنهما يوسف إلى إسرائيل وتترك هشام نهبا لهذه المأساة التي ألمت به في غربته خارج الأسرة، وكانت هذه أول مأساة حقيقية يتعرض لها هشام في حياته ': تكشف لورا قناعها المزيف، تفاجئني بجنسيتها الإسرائيلية وحلمها هي وأبوها وباقي الصهاينة بإسرائيل الكبرى، التي تمتد من النيل للفرات، وقبل أن أستوعب الصدمة الأولى.. فجأتني بالصدمة الثانية، وهي عضوية أبيها بالكنيست، وانتماؤه لحزب المفدال الديني القومي'. (ص22)، كانت هذه الصدمة الأخرى مدعاة للتحولات التي ألمت بشخصية هشام وجعلته يحاول الانتقام من جنس المرأة بأكمله.
ثمة نساء آخريات يختزلن الواقع المأزوم في نسيج النص، وهن من المترددات على عيادة الدكتور هشام أبن ملك وطبيب أمراض النسا المعروف للعلاج، بعضهن كن يقعن في براثن وحبائل شخصيته الآسرة، والبعض الآخر يحاول هو الإيقاع بهن لأغراض في أنفسهن مثل (ميرفت) المرأة اللعوب التي تتفنن في منحه نفسها بغرض الحمل، لتوهم زوجها أن الحمل تم عن طريقه، وما أن يتم لها ذلك تفاجأ بأن زوجها غير قادر على الإنجاب فتنتحر، و'حسناء' الفاتنة التي كانت ترمي بشباكها حوله انتقاما من زوجها الذي يخونها من النساء، وكان هو بدوره يتعامل معها لإذلالها من منطلق معرفته بهذه النوعية من النساء المنحرفات: 'تشدني حسناء من يدي، أنهرها بقسوة، أشير لها بالانصراف.. الكشف الآخر حان ميعاده، كنت هكذا معها، انتقم من انوثتها الطاغية'. (ص29) وبعضهن كان هو يحاول الإيقاع بهن ولكنه كان يقابل بالرفض الشديد مثل (فضيلة) زوجة عامل المدرسة الابتدائية التي باعت الطقم النحاسي لتنفقه على الاطمئنان على حملها، الذي كانت تريده ذكرا بعد أن أنجبت أربع بنات لترضي بذلك زوجها، حاول الدكتور هشام الإيقاع بها لأنوثتها الطاغية وجمالها الآسر رغم شدة فقرها. إلا أنها صدته بشدة ': أحاول أن أجردها من ملابسها، تقاومني وهي تبكي، صدق بكائها، صدّقني بكل الصادقين الذين مروا بصحراء حياتي، أبى، جدي، خالي، حبيبتي، (ص43)، لقد كانت شبقية هشام تجاه المرأة نزعة مرضية وملتبسة في ممارساتها مع الجميع هو يتعامل مع النساء جميعا بوجه واحد حتى أمه كان يكره ممارساتها معه ويتهمها بأنها السبب فيما هو فيه، فهو يستطيع بوسامته وطبقته وماله ومركزه الاجتماعي أن يوقع بأي امرأة لذا فقد كان مسيطرا على هذه الناحية خاصة وأنه يعمل في مجال أمراض النسا وهو ما أتاح له أن يشبع هوايته الجنسية مع كل ما تروق له من مرضاه، حتى مع ممرضته التي كانت تساعده على ذلك مقابل ما يعطيه لها من نقود وما يقضيه معها في بعض الأحيان، لقد كانت هذه النزعه ناتجة عن تدليل أمه له، ومحاولتها إبعاده عن جنس النساء كله لتستأثر به لنفسها كعقدة أولية حدثت لها فترة شبابها مع الدكتور هشام الكبير، وعقدة نفسية حدثت له أيام الشباب حينما كان مرتبطا برباط الرومانسية مع الفتاة الريفية (سلمى) ازميلته في الكلية والتي أبعدتها أمه عنه بحيلة رخيصة دبرتها بإحكام فكان تأثيرها فيه عميقا ظل معه حتى النهاية، كما كان أيضا يريد أن ينتقم من المرأة بصفة عامة كما كان يفعل شهريار انتقاما من فعلة الإسرائيلية لورا التي سرقت أبنه وهربت به إلى أبيها عضو الكنيست في إسرائيل، كانت هذه الثيمات النفسية التي حكمت شخصيتي الأم (ملك) والأبن هشام، يمكن اختزالها في عبارة مفترضة قالها جان بيلمان نويل في كتابه 'التحليل النفسي والأدب' وهي عبارة 'الأنا ليست سيدة بيتها'. ومعنى هذا أن هناك أشياء تفكر بداخل الأنا وتوجّه أفعالها مع أفكارها دون حتى أن تحاط علما بحدوث بعض الظواهر. أما الأدب فعن طريقه نعي إنسانيتنا التي تفكر وتتكلم، فيه يمكن للإنسان أن يسائل نفسه وقدره الكوني والتاريخي واشتغاله الذهني والاجتماعي'. (الرواية والتحليل النصي.. قراءة من منظور التحليل النفسي، د. حسن المودن، الدار العربية للعلوم ناشرون/ منشورات الاختلاف، بيروت/ الرباط 2009 ص13)
وضعية الهوية والأيديولوجية
في تحليل النص تبرز رؤية الأيديولوجية المتجذرة من خلال شخصية يوسف وأمه الإسرائيلية لورا التي أنجبته، ثم هربت به إلى إسرائيل بعد أن رفض هشام مرافقتها إلى هناك لتمسكه بهويته وذاتيته العربية :' نشأ يوسف في ظل مجتمع صهيوني، بعدما هربت به أمه (لورا) لإسرائيل، كان يعلم أن جذوره شرقية، دائما يتذكر أبيه الذي حرم من أحضانه، ليصطدم بقسوة جده لأمه، طالما جاهد بشتى الطرق، لينخرط حفيده داخل هذا المجتمع، ويصبح جزءا لا يتجزأ من أحلامه التي تمتد من النيل إلى الفرات'. (ص49)، وقد خصصت الكاتبة بذكاء كبير هذه الثيمة الأيديولوجية للخطاب الأدبي السياسي في مشهدية اعتراضية حول الصراع العربي الصهيوني وإن كان هذا الخطاب يستحق أن يفرد له مساحة أكبر من تلك المعطاه في نسيج النص بل هو يستحق رواية مستقلة عن هذه المشهدية النصية في تيمة تستحق الإفاضة في مجرياتها، إلا أن الكاتبة وظفت مشكلة الإنساني العربي وعلاقته مع الآخر الصهيوني في ظل مسوغات روايتها إشارة إلى وجهين نقيضين هما، الوجه السياسي، والوجه الإنساني المضمر، وهي إضافة مهمة استقلت بنفسها عن مجريات المشاهد الأخرى للنص، وإن كانت مرتبطة بها من ناحية التغلغل في المفارقات العجيبة التي تحيلنا إلى شخوص وأحوال تمر بها الأسر المصرية وتنحصر رؤيتها عبر رؤى اجتماعية وأيديولوجية قد تكون غرائبية في بعض الأحوال مثلما حدث في هذه المفارقة النصية في المشهد الخاص بلورا وأبنها يوسف، ولعل الروايات التي تناولت هذه التيمة المتجذرة بقوة في المشهد الروائي العربي المعاصر وهي ثيمة مهمة في هذا المشهد تبرز الصراع العربي الإسرائيلي في أشكال متعددة حسب رؤية الكاتب نحوها مثل روايات 'رجال في الشمس'، و'العائد إلى حيفا' لغسان كنفاني، و'سداسية الأيام الستة'، ' والوقائع الغريبة لأبي النحس المتشائل' لإميل حبيبي، و'أسطورة ليلة الميلاد' لتوفيق المبيض، و'الحرب في بر مصر' ليوسف القعيد، و'كنت جاسوسا في إسرائيل' لصالح مرسي، و'سلام على الغائبين' لأديب نحوي، و'المرصد' لحنا مينه وغيرها من الأعمال الكثيرة التي تناولت هذا الصراع وأصلت فيه معالم التعامل مع الآخر الصهيوني من خلال رؤية روائية سردية تعاملت مع هذه التيمة بحرّفية أبرزت الجانب الإيجابي في الصراع العربي الإسرائيلي من جوانبه المختلفة. وقد حفلت رواية 'الموعود بالجنة' بهذه التيمة من خلال الأبن يوسف': كان جدي يصطحبني لأماكن العبادة القديمة فوق مرتفعات أورشليم، يمارس الطقوس والشعائر اليهودية، يتمسح بالأماكن المقدسة التي وطأها أجداده القدماء'. (ص49/50)، كان هذا الصراع الخفي الدائرة بين الجد الإسرائيلي والحفيد العربي يظهر ويختفي حسب ما تمليه المواقف والأحداث، وتمثل شخصية الجد هنا شخصية الآخر الصهيوني، بكل سطوتها وطغيان شخصيتها على واقع الأسرة في إسرائيلن كما تمثل شخصية يوسف من وجهة نظر الجد شخصية العربي الذي يمكن أن يوظف لخدمة الكيان الصيهوني أو أن يصفي بحجة عدم خدمة الوطن.: 'نبرات جدي وهو يتهمني، بأنني نبتة شيطانية بلا جذور، تذكرني بذلك المسؤول الذي يعمل بإحدى الجهات الأمنية الإسرائيلية، وهو يصف غير اليهود بالحيوانات الناطقة التي يجب القضاء عليها'. (ص50)
من هنا نجد أن هذا النص الروائي الكاشف لرؤية المرأة والأخر في الحياة الاجتماعية يمثل إضافة جديدة لساعة كتابات المرأة وساحة الرواية على السواء في ثيمة حملت من السيوسيولوجية الاجتماعية والأيديولوجية السياسية أبعاد أزمة الإنسان في هذا العصر من خلال طبقة اجتماعية مستلبة وملتبسة في نفس الوقت.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.