هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد السوداني ومآلاته..!!..الخبير الاقتصادي السوداني محمد إبراهيم كبج في حوار صريح
نشر في الراكوبة يوم 15 - 11 - 2010

تم كل شيء في بساطة ودون اعداد أو ترتيب مسبق. سمعت عن الاستاذ محمد إبراهيم كبج كثيرا كخبير اقتصادي سوداني ولكن هذه المرة الأولى التي ألتقيه.
وعرفت أنه متواجد في الدوحة كمستشار تستعين به حركة التحرير والعدالة للعمل معها كخبير في مفاوضات الدوحة لقسمة الثروة. وهو في هذا المجال له باع طويل فقد عينته الأمم المتحدة من قبل خبيرا في قسمة الثروة، وعمل في اللجنة العليا لاتفاق أبوجا ضمن الجانب الدارفوري.
حينما تحدثت اليه كنت استعرض شريطا لرجال عرفتهم من جيله شهد لهم بالمعرفة الموسوعية.. تلكم العقول النيرة والقدرات الكبيرة التي صاغت صورة للسوداني المنفتح والتقدمي واسع الأفق لا تملك إلا أن تحييها.
وفاجأني بمعرفة مذهلة ودقيقة بكل تفاصيل وأرقام الحياة الاقتصادية السودانية. ولذا فكل ما ستقرأه في هذا الحوار من ارقام وبيانات استدعاها من الذاكرة وعرضها محفوظة مرتبة وصافية دون الاستعانة بمرجع أو أوراق على الرغم من ان غرفته بفندق موفنبيك بدت كورشة عمل كبيرة لا يخلو فيها مكان من أوراق وملفات.
شيء آخر، فقد حرصت على حصر الضوء عند حال السودان الاقتصادي وتوصيفه كما هو عاريا إلا من حقيقة المعلومة والكلمة الصادقة. وفي الأحيان كان يتوقف ليقول هذه أشياء خاصة لا يمكن نشرها خارج السودان. وماعدا فالحقيقة لابد أن تقال لأن السودان يقاد إلى منحدر مهول ومصير مجهول.
وبعيدا عن كوني الصحفي الذي اجرى هذا اللقاء فكلي يقين بأن الحكم في السودان وخلال عقد الانقاذ قد أدير بشكل كارثي بكل ما تحمله كلمة كارثة من معنى. ويكفي أن السودان يواجه حربا في دارفور وحربا خمدت كبركان عملاق في جنوب السودان، وحربا أخرى في الشرق لا يزال غبارها عالقا فوق المشهد السياسي.
كذلك شهد إدارة اقتصادية من السوء أن مشروع الجزيرة العملاق المصدر الأول للاقتصاد إلى ما قريب ينفصل تماما عن خارطة الاقتصاد السوداني تماما كما ننتظر لحظة انفصال الجنوب.
ولذا فضلت ان نسلط الضوء من خلال هذا الحوار على الاقتصاد السوداني ومآلاته. ولذا فقد يبدو الحوار واقعيا للبعض وقد يبدو مفرطا في التشاؤم للبعض الاخر ولكنه على كل حال مدعاة لتفكير الجميع في المخرج من أزمة مصير التي تواجه السودان. فإلى الحوار:
قلت : سمعت عن حديثك لجمع من السودانيين رسمت فيه صورة تعرض حال الثروة المائية وعن اسطورة السودان سلة غذاء العالم؟
السودان يرشحه الجميع لكي يكون سلة غذاء العالم وهذا ليس صدفة وانما لما يتمتع به من كثير من الموارد الطبيعية وبالذات في جانب الزراعة والتصنيع الزراعي. والسودان به مساحات واسعة جدا من الأراضي البكر، وأيضاً لديه مصادر المياه الوفيرة، فمياه النيل تساوي 18 مليار متر مكعب بجانب مياه جوفية في الحوض النوبي تبلغ حوالي 4 مليارات متر مكعب من المياه المتجددة.
والأهم من ذلك وهو الشيء المهمل في قطاع الري وهو مياه الامطار التي تهطل في السودان بكمية تصل إلى 1200 مليار متر مكعب من مياه الامطار منها 600 إلى 700 متر مكعب في الجنوب و500 إلى 600 مليار في الشمال.
ورغم تأثيرات التغيرات المناخية والتصحر الذي زحف على الأراضي في السودان إلا أن السودان مازال يتمتع بالنصيب الأوفر من هذه الارقام. وعليه كان من الطبيعي ان يرشح السودان إلى جانب كندا واستراليا لكي يكون منقذ العالم في ظل أزمة الغذاء. وهنا مربط الفرس، فالسودان المرشح لكي يلعب دورا هاما في حل ازمة الغذاء العالمية مازال يتزايد استيراده للغذاء.
فعندما أطلقت حكومة الانقاذ الوطني عند مجيء نظام عمر البشير إلى السلطة "شعار نأكل مما نزرع" عام 1990 نجد ان ما كان يستورده السودان من الغذاء في ذلك الوقت يعادل 72 مليون دينار من كافة انواع الغذاء من قمح ودقيق والبان ومنتجات البان وزيوت وسكر وغيرها.
وقامت حكومة الانقاذ في ذلك الوقت بوضع خطة عشرية تبدأ في عام 1992 وتنتهي في عام 2002 وكان هدفها ان نأكل مما نزرع اولا ونلبس مما نصنع ثانيا وتطوير المنتجات الزراعية في السودان وزيادتها وأيضاً تطوير الانتاج الصناعي في السودان. وسنرى كيف تم التعامل مع هذه الخطة وما تحقق منها وعلى أي مستوى.
فعندما جاء الانقلاب العسكري للانقاذ كان آخر انتاج للحكومة الديمقراطية المنتخبة في عام 1988 – 1989 في السودان 4 ملايين و425 الف طن من الذرة. ورمت الخطة العشرية للانقاذ إلى مضاعفة هذا الرقم إلى مايزيد إلى أربعة أضعافه أي الوصول به إلى 20 مليون طن من الذرة.
ولكن عند نهاية الخطة العشرية تدهور الانتاج ليصل إلى 2 مليون و825 الف طن من الذرة. وهذا يعني انه اقل من 15? من الرقم الذي استهدفته الخطة العشرية ويساوي 65? من الرقم الذي تحقق قبل وصول الانقاذ للسلطة أي قبل 12 سنة.
كذلك وضع شعار الاكتفاء الذاتي من القمح واكثر من ذلك تصديره إلى الخارج. وعندما جاءت حكومة الانقاذ كنا قبلها نستورد 250 ألف طن من القمح ووضعت الانقاذ خطة لانتاج يبلغ 2 مليون و360 الف طن من القمح.
وعندما انتهت الخطة العشرية لم ندرك حتى الجزء اليسير من هذا الهدف إذ انتجنا فقط 47 الف طن من القمح. وهذا الرقم يعادل 11? من الخطة العشرية ويعادل بالضبط ما كان ينتج من قبل الانقاذ في الموسم الأخير 1988 – 1989. وهكذا بعد 12 سنة منها عشرة اعوام يفترض أن تفضي فيها الخطة العشرية إلى تحقيق قفزة كبيرة بتكريس التنمية في هذا القطاع إلا أننا مازلنا في مكاننا الذي كنا عنده في العام 1988 – 1989.
وأيضاً في مجال انتاج الدخن وهو المصدر الثاني للغذاء في السودان بعد الذرة الرفيعة فقد وضع هدف انتاجي يبلغ 2مليون و100 ألف طن ولكن وبنهاية الخطة العشرية وصلنا إلى أقل من 600 ألف طن. وفي مجال انتاج الحبوب بشكل عام فقد سقطت الخطة العشرية سقوطا مدويا. ذلك لأنه لم يكرس لها التمويل الكافي، ولم يكن هناك عزم سياسي من خلفها يدعم تحقيق تلك الأهداف.
وهكذا فتوقع العالم ان يصبح السودان سلة غذاء العالم، وذلك البرنامج الطموح الذي وضعته حكومة الانقاذ يبرهن على وجود الإمكانات الحقيقية في السودان والقادرة على تحقيق تلك الأهداف ولكنها تحتاج إلى عزم سياسي والى تدبير تمويل مع تحديد الأسبقيات.
إذ ان الزراعة في السودان هي قاطرة التنمية. فإذا نجحنا في تحقيق التنمية الزراعية وخلق فوائض هذه الفوائض ستؤدي إلى صادرات والى انتاج محلي.. مثلا انتاجنا من الفول السوداني يمكن ان يؤدي إلى صناعة للزيوت في السودان نحقق الاكتفاء الذاتي منها ونصدر وقد كنا فعلا مكتفين قبل الانقاذ ونصدر الفول الخام بجانب الزيوت.
ولدينا في السودان انتاج بمصانع حديثة يزيد على 600 ألف طن من الزيوت ولكن نتيجة لتراجع انتاج الفول السوداني نجد ان كل الذي نحصل عليه حاليا في حدود 120 الف طن إلى 150 الف طن. وحتى عندما نتحدث عن انتاج 150 الف طن فإن هذا يعني ان مصانع الزيوت تنتج بربع طاقتها التصميمية.
وكان الهدف الأول في مجال الزراعة بالنسبة للخطة العشرية هو ان نتمكن من اطلاق صناعات زراعية في السودان منتجة وبكامل طاقاتها التصميمية. لكن وبنهاية الخطة العشرية ارتفعت وارداتنا من الغذاء من 72 مليون دولار في عام 1990 إلى 420 مليون دولار في عام 2002، وبدلا من أن نأكل مما نزرع ويكون لدينا اكتفاء ذاتي من الحبوب والغذاء في السودان فاننا قد ضاعفنا استيرادنا للغذاء في السودان إلى ستة اضعاف أي من 72 إلى 420 مليون دولار.
ولم يكن ذلك استثناء لعام واحد فقد كان استيراد الغذاء يتزايد وبشكل مستمر حتى وصل إلى 420 مليون دولار، بل تواصل ذلك إلى ما بعد نهاية الخطة العشرية ففي عام 2005وصل استيراد السودان من الغذاء إلى ما قيمته 811 مليون دولار أي ضعفي ما وصل اليه عام 2002 عند نهاية الخطة العشرية ويساوي 11 ضعف ما كنا نستورده عندما رفع شعار نأكل مما نزرع في السودان.
وفي عام 2006 تراجع الاستيراد قليلا عندما صار استيراد السودان من الغذاء بقيمة 745 مليون دولار، ثم ارتفع مرة اخرى في عام 2007، ثم مرة اخرى عام 2008 وبلغ مليارا و333 مليون دولار وهو ما يعادل حوالي 20 ضعف ما كان عليه الحال عندما رفعنا شعار نأكل مما نزرع عام 1990. بل وارتفع مرة اخرى عام 2009 حينما بلغ حجم الاستيراد ما يعادل حوالي 1.6 مليار دولار أي ما يعادل 22 ضعف ما كنا نستورده عند بداية حكم الانقاذ.
واذا ما سار الحال على ماهو عليه الان فإن من المتوقع ان تصل واردات السودان على اقل تقدير في عام 2010 حوالي 1.8 مليار دولار وقد يصل إلى 2 مليار دولار نسبة لارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية وهو المحصول البديل للذرة والحبوب في السودان.
كذلك نجد اننا قد استوردنا حوالي 1.3 مليون طن من القمح عام 2007 وكانت قيمتها في ذلك الوقت اقل من 350 مليون دولار، ولكن في عام 2008 استوردنا نفس الكمية من القمح بقيمة 625 مليون دولار أي قد تضاعف السعر تقريبا.
وهكذا الحال في عام 2009 وهذا ما يوضح ان فشل الخطة العشرية وما بعدها في انتاج الحبوب قد كان أمرا حتميا، إذ كان من الضروري ان نوفر لها الامكانيات لكي تحافظ على قوت الشعب السوداني خاصة وان الحكومة كانت قد رفعت في ذلك لوقت شعارا لها "أن من لا يملك قوته لا يملك قراره". وهذا شعار سليم بشكل عام.
انهيار الصناعة :
في جانب الصناعات فقد هدفت الخطة العشرية انتاج 800 مليون ياردة من المنسوجات ولم يكن ذلك التقدير اعتباطيا لأننا نملك انتاجية قطن من أجود الأنواع لانتاج المنسوجات، ونملك طاقة انتاجية للمنسوجات في السودان تبلغ حوالي 350 مليون ياردة من المنسوجات.
وفي عام 1986 قبل الانقاذ كان انتاجنا من المنسوجات يبلغ 168 مليون ياردة وكانت تلك أقرب نقطة من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وكانت نقطة الاكتفاء الذاتي من المنسوجات في السودان آنذاك هي 200 مليون ياردة.
وهذا يعني أننا كنا على مسافة 32 مليون ياردة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وكان من الممكن تحقيقها في ظرف سنوات معدودة. وعلى الرغم من كل هذا فقد اصبح انتاجنا من المنسوجات 15 مليون ياردة فقط في ظل الخطة العشرية أي ما يعادل 0.8% إلى 0.8% من الانتاج عام 1986 وحوالي أقل من 2? من هدف الخطة العشرية نفسها.
هذه الفروقات الكبيرة من الهدف الذي كان يوضح ان الخطة لم تبن على اسس علمية أولا، وانه لم يوفر لها السند التمويلي من حكومة الانقاذ حتى بعد وصول عائدات النفط الكبيرة. والمهم والخطر الان هو أنه يمكننا القول الان ان صناعة النسيج قد توقفت تماما في السودان.
وفشلت الخطة العشرية في تحقيق أي تقدم في السودان على جانب القطاع الزراعي أو القطاع الصناعي وانما تدهور الانتاج. وهذا ما يجعل هذه الخطة من أغرب خطط التنمية في العالم إذ تدهور الانتاج المؤمل به إلى مستويات ضعيفة للغاية مقارنة بما كان موجودا في السابق.
والمهم أيضاً ان كل هذا لم يكن صدفة فقد أجريت دراسة حول واردات السودان من عام 1990 إلى عام 2004 أي على مدى 15 عاما تقريبا. في تلك الدراسة نظرت إلى ماهية استيرادنا في السودان فوجدت أننا قد استوردنا حوالي 625 مليون دولار من مدخلات الانتاج الزراعي. ونحن لا نملك مدخلات تصنع محليا، مما يجعل الزراعة في السودان تعتمد على السماد المستورد والمبيدات الحشرية والبذور المحسنة والجرارات المستوردة.
وعليه فقد استورد السودان في تلك الفترة 625 مليون دولار من كل هذه المدخلات الزراعية الهامة خاصة وأننا نتحدث عن النهضة الزراعية كمقدمة للنهضة الشاملة في السودان وهي التي تساعد القطاعات الأخرى على النهوض على الرغم من ذلك الشعار المعمم عن التحرير الاقتصادي.
وبالتأمل فيما جرى لمفردات مدخلات الانتاج الزراعي نجد اننا قد استوردنا في تلك الفترة وعلى مدى 15 عاما جرارات زراعية بقيمة 135 مليون دولار، ومبيدات حشرية بقيمة 138 مليون دولار. والمفارقة اننا وفي تلك الفترة استوردنا أجهزة راديو وتلفزيونات واجهزة اتصال بما قيمته 763 مليون دولار، أي اكثر من كل مدخلات الانتاج الزراعي.
ثم استوردنا مستحضرات تجميل وعطور بمبلغ 148 مليون دولار، واستوردنا مياه معدنية وبسكويت وحلوى بمبلغ 148 مليون دولار كما استوردنا "شاي وبن" في حدود 600 مليون دولار وعربات صالون للاستعمال الشخصي بمبلغ 600 مليون دولار.
ويوضح كل هذا أننا لم نحسن إدارة العملات الحرة في السودان ولم نكرس الكثير منها لصالح التنمية الزرعية ومدخلات الانتاج. نفس الشيء ينطبق على مدخلات الانتاج الصناعي.
وفق هذه الرؤية.. ترى أين تكمن العلة؟
اعتقد أن العلة تكمن في اننا نطير بجناح واحد في مجال التنمية الزراعية. في السودان التنمية الزراعية التي تتم حول مجرى النيل وهي ما تسمى بالقطاع المروي من النيل وروافده. وفي هذا القطاع فإننا قد ظللنا نزرع حوالي 2 مليون فدان تقريبا أعطت كما حدث في عام 2005 انتاجية بمقدار 11,5? من الناتج المحلي الاجمالي.
ومن الناحية الاخرى فنحن نزرع حوالي 20 مليون فدان في القطاع المطري أي بزيادة عشرة اضعاف هذه المساحة وقد اعطتنا مقدار 5,5? . وباختصار فان زراعة 2 مليون فدان حول النيل تعطي ناتجا محليا اجماليا يساوي ما ينتجه 20 مليون فدان في القطاع المطري.
لكن إذا وضعنا في الاعتبار ان القطاع المطري يوجد حوالي 65? من سكان السودان وبه كل تلك الكمية من الأمطار وبالحجم الهائل الذي ذكرناه سابقا فهذا يعني أننا نبدد امكاناتنا الطبيعية ولا نستثمرها الاستثمار الذي يجعل منها رافدا للتنمية والتنمية البشرية خاصة في السودان.
وأنا لا اتحدث هنا عن حلم مجرد ولكن هناك من الحقائق ما يسند قولي فهنالك وحدة تابعة لوزارة الزراعة الاتحادية أخذت عددا من الخبراء القطاع المطري التقليدي وتمكنت من رفع انتاجية الفدان من جوال ونصف للذرة إلى 8 جوالات.
وهذه تجربة موجودة يمكنها ان تحدث قفزة كبيرة تصل إلى خمسة أضعاف بحيث يصبح الناتج الإجمالي للقطاع المطري التقليدي بدلا من 5,5? إلى أكثر من 27? . وهذا ما يحدث التنمية البشرية الحقيقية إذ أننا نعاني من التنمية غير المتوازنة وما استعرضته بقطاع الزراعة يعبر بصدق عن هذه التنمية غير المتوازنة في السودان.
وهذا ما يولد الغبن التنموي. واعتقد أن التنمية غير المتوازنة والغبن التنموي وبجانب اسباب أخرى تشكل البنية التحتية للحرب في السودان. فالغبن التنموي يجعل الاخرين يذهبون إلى أنهم غير شركاء حقيقيين فاقدين للعدالة في بلادهم، وهذا ما يولد الغبن التنموي وما يخلق التوتر الاجتماعي ومن ثم يفضي إلى الحرب.
وهذا ما حدث في الواقع، فقد أهملنا زيادة الانتاجية وزيادة الدخل للمواطنين في القطاع المطري وجعلهم مساوين للاخرين في فرص التنمية وهو ما من شأنه وقف كل النزاعات المسلحة الموجودة في القطاع المطري التقليدي.
فلاسلام مستدام في السودان ولا محاربة للفقر بغير التوجه للنهوض بالقطاع المطري التقليدي ولا أقول اعادة اعمار لأنه لم يكن معمرا اصلا. فكل هذا القطاع يعمل بأدوات ما قبل التاريخ بما نسميه الجراية في السودان ولا يعرف الالات ولا مدخلات الانتاج. الفريق الفني لوزارة الزراعة والذي ذهب إلى مناطق القطاع المطري توصل إلى انتاجية كبيرة بتكنولوجيا تقليدية وليست مكلفة.
فقد صمم نوعا من حصاد المياه بعمل سدود للمياه حتى تمكن المزارع من جني ثمار ما زرع. وتوضح الأرقام التي تصدر عن وزارة المالية حول الاحصاء الزراعي ان هنالك فرقا شاسعا بين ما يزرع وما يحصد من مساحات ما يعني ان المزارعين يزرعون مساحات واسعة ولكنهم بالمقابل يحصدون حوالي 80? فقط منها.
وهذا يزيد من تكلفة الانتاج، وحقيقة فإن انتاج 1,5 جوال في الزراعة المطرية يساوي تكلفة الانتاج، ما يجعل المنتج الصغير في القطاع المطري التقليدي والذي يزرع 20 مليون فدان لا يجني أية فائدة من زراعته في هذا القطاع.
والقطاع المطري التقليدي وبما فيه من حجم كبير من الأمطار يمكن له وببرنامج علمي لحصاد المياه وعمل سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة على طول الخيران التي تغذي النيل وحجزها هناك يمكنه جعل الزراعة المطرية مروية بتوفير المياه للري حتى نهاية الحصاد.
ونحن في القطاع المطري في غالب الحال نزرع موسما واحدا بعد هطول الأمطار ولكن بتوفر المياه يمكن ان يكون هناك موسم صيفي وموسم شتوي كما هو الحال في اواسط شمال السودان على ضفاف النيل. وتعمير القطاع المطري التقليدي سيحارب الفقر والفقر المدقع ويؤدي إلى تنمية بشرية، ويحدث قفزة في الناتج المحلي في السودان ويوقف الهجرة من القطاع المطري إلى المدن وهذا شيء هام.
فالمهاجرون للمدن ينافسون فقراء المدن في عدد محدود من المهن التي لا تتوفر لأهل القطاع المطري لافتقارهم للخبرة حتى يصبحوا جزءا من الصناعة أو الخدمات المكتبية في المدن والخرطوم بوجه خاص.
إلى جانب ذلك فإن القطاع المطري التقليدي إذا ما احسنت ادارة التنمية والاستثمار فيه وباستثمارات تقل كثيرا عن الاستثمارات التي تتم حول النيل وذلك بتوفير مدخلات الانتاج الزراعي التي يفتقد لها فإن هذا سيجذب الذين هاجروا إلى المدن من جديد لمناطقهم، وهذه كخطوة اولى.
كما ان تطوير هذا المجال يحتاج إلى عملية ارشاد واسعة ولذا يمكننا استخدام اعداد كبيرة من الخريجين من غير الكليات الفنية وهم يمثلون حوالي 60? من الخريجين في السودان وجعلهم جزءا هاما من تطوير تلك المناطق.
الخبير الاقتصادي السوداني محمد إبراهيم كبج في حوار صريح مع «الراية الاسبوعية» (2 – 2):
تم كل شيء في بساطة ودون اعداد أو ترتيب مسبق. سمعت عن الاستاذ محمد إبراهيم كبج كثيرا كخبير اقتصادي سوداني ولكن هذه المرة الأولى التي ألتقيه. وعرفت أنه متواجد في الدوحة كمستشار تستعين به حركة التحرير والعدالة للعمل معها كخبير في مفاوضات الدوحة لقسمة الثروة.
وهو في هذا المجال له باع طويل فقد عينته الأمم المتحدة من قبل خبيرا في قسمة الثروة، وعمل في اللجنة العليا لاتفاق أبوجا ضمن الجانب الدارفوري. حينما تحدثت اليه كنت استعرض شريطا لرجال عرفتهم من جيله شهد لهم بالمعرفة الموسوعية.. تلكم العقول النيرة والقدرات الكبيرة التي صاغت صورة للسوداني المنفتح والتقدمي واسع الأفق لا تملك إلا أن تحييها.
وفاجأني بمعرفة مذهلة ودقيقة بكل تفاصيل وأرقام الحياة الاقتصادية السودانية. ولذا فكل ما ستقرأه في هذا الحوار من ارقام وبيانات استدعاها من الذاكرة وعرضها محفوظة مرتبة وصافية دون الاستعانة بمرجع أو أوراق على الرغم من ان غرفته بفندق موفنبيك بدت كورشة عمل كبيرة لا يخلو فيها مكان من أوراق وملفات.
شيء آخر، فقد حرصت على حصر الضوء عند حال السودان الاقتصادي وتوصيفه كما هو عاريا إلا من حقيقة المعلومة والكلمة الصادقة. وفي الأحيان كان يتوقف ليقول هذه أشياء خاصة لا يمكن نشرها خارج السودان.
وماعدا فالحقيقة لابد أن تقال لأن السودان يقاد إلى منحدر مهول ومصير مجهول. وبعيدا عن كوني الصحفي الذي اجرى هذا اللقاء فكلي يقين بأن الحكم في السودان وخلال عقد الانقاذ قد أدير بشكل كارثي بكل ما تحمله كلمة كارثة من معنى.
ويكفي أن السودان يواجه حربا في دارفور وحربا خمدت كبركان عملاق في جنوب السودان، وحربا أخرى في الشرق لا يزال غبارها عالقا فوق المشهد السياسي. كذلك شهد إدارة اقتصادية من السوء أن مشروع الجزيرة العملاق المصدر الأول للاقتصاد إلى ما قريب ينفصل تماما عن خارطة الاقتصاد السوداني تماما كما ننتظر لحظة انفصال الجنوب.
ولذا فضلت ان نسلط الضوء من خلال هذا الحوار على الاقتصاد السوداني ومآلاته. ولذا فقد يبدو الحوار واقعيا للبعض وقد يبدو مفرطا في التشاؤم للبعض الاخر ولكنه على كل حال مدعاة لتفكير الجميع في المخرج من أزمة مصير التي تواجه السودان . فإلى الحلقة الثانية من الحوار :
انت ترسم صورة سوداء للقطاع المطري في السودان هل يمكن للاستثمار الخارجي تحديدا ان يدخل إلى هذا المجال؟
في الواقع انني ومن خلال رسم هذه الصورة شبه السوداء للقطاع المطري التقليدي انما اؤكد على ان هناك مجالا خصبا وكبيرا وواسعا في هذا القطاع للاستثمارات الخارجية.
وأرى ان كل الاستثمارات الخارجية تتجه نحو النيل بينما الاستثمار في القطاع المطري هو استثمار بسيط للغاية، ومباشر وهنالك قوى منتجة يمكن ان تكون شريكا من صغار المنتجين الزراعيين للانتاج المبني على استثمار أجنبي أو عربي أو غيره واعتقد ان هذه الصورة الواقعية توضح أن هناك امكانية كبيرة للاستثمار في السودان ليس فقط بقصد التصدير للبلدان العربية وانما أيضاً لتوفير الاحتياج الذاتي للغذاء في السودان إذ ان السوق الداخلي في السودان كبير ومستعد لتلقي تلك المنتجات من مناطق الاستثمار المختلفة في السودان.
وسيؤدي ذلك إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في السودان وهذه خدمة هامة وهي التي تعرف بالاستثمار المسؤول. واعتقد اننا نحتاج إلى استثمار لديه مسؤولية اجتماعية، وكل المستثمرين الذي يأتون للسودان يمكنهم تحقيق الارباح كما يمكنهم ان يصبحوا جزءا هاما للغاية يدعم السودان لكي يصبح بالفعل واحة للسلام وينتج ما يكفيه من الغذاء ويوقف الفقر ويمنع الحروب في السودان، ومن ثم يصبح قادرا وعن جدارة على القيام بواجبه العربي والاقليمي والعالمي في توفير الغذاء.
لكن هناك مخاوف قائمة من جانب المستثمر الاجنبي قد تمنعه من الدخول في مغامرة غير محسوبة في السودان نظرا لما يحيط به من عدم استقرار للأوضاع السياسية؟ وانا ممن يعتقدون بأن الاستثمار العربي وغيره يمكن ان يلعب دورا هاما في توفير الاستقرار وتنقية الجو الاستثماري من الفساد الذي هو أيضاً مهدد للعملية الاستثمارية.
من المؤكد ان هنالك عقبات كبيرة أمام الاستثمار وليس فقط التي يمكن إزالتها بتحسين قانون الاستثمار والأداء الاداري لمن يودون الاستثمار في السودان وانما هناك عقبات ادارية من بينها كثير من انواع الفساد التي يذكرها المستثمرون الذين يزورون السودان، وهذه ممكن مواجهتها بقليل من العزم السياسي وكذلك العزم الشعبي.
واعتقد ان الذين يقومون بوضع هذه العقبات يفتقرون إلى الخيال الموضوعي لأن زيادة الاستثمار في السودان تفتح امامهم الفرص للاستثمار ولزيادة ثرواتهم ولكن ليس على حساب منع المستثمرين الأجانب ومن خلال العمل الحر وغيره ما يمكن ان تكون له نتائج جيدة تبعدهم عن الفساد في هذا المجال.
لكن هل تعتقدون ومن خلال كل ما يقال ويحكى عن الفساد واشكاله في السودان ما جعله على رأس القائمة بين الدول الأكثر فسادا في العالم هل يغري ذلك احدا بالاقدام على الاستثمار في السودان؟
المخاوف في مكانها.. منظمة التعاون الاقتصادي نظمت العام الماضي مؤتمرا عن الفساد في افريقيا في يوغندا بغرض وضع لجنة لمكافحة الفساد في افريقيا. لكن هذه المنظمة نفسها والتي تضم الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية المتقدمة هي المصدر الأكبر للفساد.
فالفساد في الدول النامية وعامة لا يمكن ان يحدث إلا في وجود فساد مقابل.
وحقيقة لا ارغب في الحديث عن "فضائح" واود ان أتناول الأوضاع بشكل موضوعي يوضح أبعاد المشكلة دون الانزلاق في أشياء لا تفيد وهي موجودة فعلا دون استرسال في صحيفة خارج السودان.
وكل ما قلته وأقوله ظللت أردده داخل السودان عن حالة فساد الدولة في السودان. واختصر القول ان ما يصدر عن ديوان المراجع العام وهي جهة حكومية رسمية لا يحتاج لأية اضافة من احد.
تحدثتم كثيرا عن المياه وتوزيعها في السودان.. إلى أي مدى تطابق الدعاية التي نتابعها حول طاقة السدود وتوفيرها للكهرباء والماء واقع الحال.. وتاريخيا شهدنا عدة مشاريع للسدود على مجرى النيل وما يتبعها من تنمية لم يعد احد يذكرها الان.. مشاريع خشم القربة والرهد الخ مثلت خيبات كبرى..
ما أصاب الزراعة في السودان ناتج عن اسبقيات مختلة. واعتقد أنه لو وجهت كثير من الاستثمارات من عائدات البترول وغيرها من القروض التي تأتي من الدول العربية والصناديق العربية وغيرها كان من الممكن استنهاض الزراعة في السودان بقدر يسير مما استثمر في كثير من الأشياء التي لا علاقة لها بالزراعة.
وكنت من بين من تحدثوا كثيرا عن سد مروي باعتباره ليس اسبقية مطلوبة بالنسبة للسودان فسد مروي وحتى الان يعتبر مشروعا لانتاج الطاقة الكهربائية. وفي هذا فله اضافة، ولكن كان على النقيض من ذلك كانت هناك مسألة تعلية خزان الروصيرص وهو الخزان الرئيسي لانتاج الكهرباء في السودان.
وتعلية الخزان تكلف حوالي 600 إلى 700 مليون دولار في حين ان سد مروي والمشروعات المصاحبة له من طرق وكباري وقرى ومدن جديدة ومستشفى ومطار وغيرها من عمليات تنموية هناك كلف في نهاية الأمر ضعف التكلفة الأولية له والبالغة 3 مليارات دولار.
فتعلية الروصيرص وحدها كانت ستنتج كهرباء بمقدار 60? زيادة على انتاجية المولدات القديمة، كما يمكن عمل مولدات جديدة تؤدي إلى رفع انتاج الكهرباء من الروصيرص بنسبة 100? .
أي مضاعفة الانتاج الموجود، ولذا فإن الحديث عن انتاج الكهرباء من سد مروي كان يمكن تعويضه فقط من خلال تعلية خزان الروصيرص. وبجانب ان الروصيرص يمكن له ان يلعب دورا هاما في التنمية في السودان، فهو يتيح استصلاح 2.6 مليون فدان صالحة للزراعة وفي مناطق ذات تربة خصبة للغاية في منطقة النيل الأزرق في كنانة والرهد. واذا نظرنا إلى مشروع الجزيرة كأكبر مشروع زراعي في الشرق الأوسط وافريقيا بمساحة 2.2 مليون فدان فكان سيكون لنا أكبر مشروعين في المنطقة بتعلية خزان الروصيرص.
أضف إلى ذلك أن هذه المنطقة رعوية وبها انواع من الماشية والأبقار خاصة تصلح لتحسين النسل لتعطي البانا اكثر وتعطي لحوما من أفضل النوعيات من أبقار كنانة ورفاعة. ومازلت اعتقد انه وبتعلية خزان الروصيرص يمكن ان نزرع من أجل الحيوان وننمي أنسالا جديدة من الحيوان ويؤدي ذلك إلى انشاء صناعة لحوم وصناعة البان للأسواق المحلية والتصدير. ولدينا 41 مليون من الأبقار في السودان وما يتوفر لنا من ألبانها 70? فقط ونستورد النسبة الباقية من الخارج من هولندا والدنمارك.
وهذه النسبة 30? بقيمة 135 مليون دولار سنويا. ولذا فالزراعة من أجل الحيوان يمكن لها ان تكفينا عن شرور تدخلات الحيوان وتعديها على الزراعة في السودان والتي افضت إلى الحرب في دارفور كما تحسن من نوعيتها لأنها لاتضطر إلى السير لمسافات طويلة بحثا عن الغذاء كما يحدث في القطاع التقليدي.
كذلك هناك عجز في الري في مشروع الجزيرة استقطع 25? من مساحة المشروع نتيجة لعدم توفر المياه للري وبتعلية الروصيرص سنتمكن من استعادة هذه المساحة كمساحة منتجة ضمن مشروع الجزيرة.
واخلص إلى ان تعلية خزان الروصيرص له اهمية اكبر وأقل تكلفة وعائداته الاقتصادية أفضل كثيرا وتأثيره على الاقتصاد السوداني كان سيكون اكبر ولأسهم فعلا في عملية الاكتفاء الذاتي وزيادة الصادرات غير البترولية ورفع منطقة النيل الأزرق من منطقة رعوية فقط إلى مناطق رعوية حديثة ويحقق الخير الكثير للسودان.
وفي منطقة اخرى في الحوض النوبي في الشمال الغربي للسودان وشمال دارفور يوفر 4 مليارات متر مكعب من المياه المتجددة. فيمكن ان تؤدي لاقامة زراعة مروية بالكامل في أوسع المناطق في دارفور.
ويؤدي إلى نهضة حقيقية في السودان وليس فقط في دارفور التي ووفقا لآخر تعداد سكاني تساوي 7.5 مليون نسمة وهذا قدر كبير من السكان يمكن تنميته إذا احسنا إدارة المياه في السودان من أمطار ومياه جوفية ومياه النيل. وواقع الحال أننا لا نستهلك حتى الان كمية ال 18 مليار متر مكعب من مياه النيل.
وهذه الكمية تعادل أقل من 2? من نصيبنا من مياه الامطار في السودان. بينما تستهلك مصر 55 مليار متر مكعب وهو نصيبها من مياه النيل بالكامل. ولذا نحن الان في خطر إذ ان دول المنبع أخذت تطالب بنصيبها من مياه النيل وهذا سيكون قطعا حتى لو تم استثمار لزيادة مياه النيل سيكون خصما على حصة السودان ومصر.
والأفضل لنا التركيز على القطاع المطري ونحصد مياهه، ويمكن بسهولة بالغة وباستثمار بسيط للغاية التمكن من جني مليار و200 مليون متر مكعب من مياه الأمطار وهي كمية تعادل 10 أضعاف نصيبنا من مياه النيل. وهي حصة باتت غير مضمونة الان بسبب الصراعات حول النيل ومياهه.
حاوره – طارق الشيخ:
الراية القطرية
كاريكاتير الفنان :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.