ثمة تشابه بين الذي حدث في سودان ما قبل الاستقلال في العام 1955 وبين ما يحدث في سودان ما قبل الاستفتاء في العام 2010، ليس شهر ديسمبر وحده وانما عامل اخر يقود تفاصيل الحراك السياسي بالاتجاه شمالا نحو جمهورية مصر العربية هو حق تقرير ذاك المصير بالرغم من الاختلاف ما بين الاول الذي انتهى بنتيجة سودان بعيد عن التاج المصري والحالي الذي بات قريبا ان يفرز نتيجة جديدة هي جنوب بعيد عن السودان المستقل من مصر قبل ما يزيد عن النصف قرن من السنوات، وهو ما يعني بدوره تشكل خارطة جغرافية جديدة جنوبالوادي ستتغير بموجبها خارطة المصلحة الاقتصادية والسياسية وهو ما جعل لغة الخطاب السابق تعود لاروقة وسائل الاعلام المصرية متهمة الخرطوم بالمسؤولية المباشرة عن الانفصال وهي نفسها الاتهامات التي قوبل بها من اعلنوا الاستقلال من داخل البرلمان في الماضي وكأن التاريخ يعيد نفسه من خلال تتبع الخارطة السياسية السودانية في ذاك الزمان التي كانت منقسمة ما بين دعاة الاستقلالية حزب الامة ودعاة الوحدة الحزب الوطني الاتحادي، وهي نفسها المعادلة التي تتجدد الآن مابين ثنائية الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني واقتراب انفصال الجنوب في التاسع من يناير. الانفصال الذي ستكون له تأثيراته على مصر في مستويات متعددة والتي سعت من اجل ايقاف سفينته عبر عدة طرق كان آخرها القمة الرباعية التي استضافتها الخرطوم والتي كانت تهدف لايجاد صيغة يتم من خلالها تأجيل الاستفتاء بعد الاحساس بخطورة الانفصال لدرجة ان الرئيس المصري جاء بمعية القذافي، الا ان القمة لم تأتِ سوى بتأكيد المؤكد المتمثل في انفصال الجنوب دون نجاح في ملفات اخرى تتعلق بالمصالح المصرية في السودان و تحديدا الدعوة للكونفدرالية، وهو الامر الذي عبر عنه وزير الخارجية المصري ابو الغيط ، وكشف ان الرئيس حسني مبارك طرح للخرطوم، فكرة الكونفدرالية لمعالجة التناقضات الداخلية، بهدف رأب الصدع بين الطرفين، خاصة أن الكونفدرالية تحقق طموح الجنوب الذي سوف يتمتع بجيش مستقل وتمثيل خارجي مستقل ونظام ضرائبي موحد للجميع وهو ما رفضته الخرطوم وجوبا معا وتمسكوا بضرورة اجراء الاستفتاء في مواعيده وهو مالم يعجب القاهرة والتي بدا ردها واضحا من خلال الهجوم الذي شنه رئيس تحرير صحيفة الاهرام لسان حال الحكومة المصرية،اسامة سرايا ،ان انفصال الجنوب لن يضع نهاية لحروب طويلة دامية بين الشمال والجنوب، ولكنه يمكن أن يأتي بحروب أكثر دموية وأكثر تكلفة،وحمل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية مسؤولية الانفصال،مشيراً الى انهما فشلا «فشلاً ذريعاً في الحفاظ على وحدة السودان»، وبرأ الدول العربية من أية مسؤولية ،مؤكداً ان الحكومة السودانية تتحمل منفردة الجانب الأكبر من المأساة التي تتربص بالسودان الآن واضاف، ان «الرئيس السوداني لا يزال يعتقد أن دولة الخلافة في السودان أهم من وحدته، وأنه بانفصال الجنوب قد تخلص من القوة التي تعوق إنشاء الدولة الدينية في السودان . وقال رئيس تحرير صحيفة الاهرام،ان حكومة السودان ظلت ترتكب مسلسلا من الأخطاء الفادحة منذ توليها سدة الحكم في البلاد، «وهي التي أكدت لدى الجنوبيين فكرة تقرير المصير بدلا من التكامل مع الشمال بسياسات عقائدية، جعلت التعايش بينهما صعبا ومستحيلا وهو الاتجاه الذي مضت فيه كثير من الكتابات المصرية في اطار تحليلها لقضية انفصال الجنوب الذي بات وشيكا. في ضوء هذه الحقيقة يبدو الموقف المصري في سعيه لضمان استقرار مؤسسة الدولة في السودان وعدم تفتتها من ناحية وضمان المصالح المصرية فيها أمام توازنات حرجة، ففي الجنوب شروط تأمين تدفق المياه متضمنة مشروعات مستقبلية تحتاجها مصر بشدة بعد أن وصلت إلى حد الفقر المائي وفي الشمال علاقات لا يمكن فصمها وتحالفات مطلوبة مع المركز الحاكم لجميع التفاعلات الداخلية الذي يعني انهياره وتفتت الدولة ويعني خسرانه لصالح الجنوب فقدان الحليف الأساسي في مواجهة دول منابع النيل التي تسعى لتقسيم جديد للمياه لا تقدر مصر لا حاليا ولا مستقبلا على تكاليفه الباهظة، وفيما يتعلق بالغرب فإن ضغوط المركز على مصر في الملف المائي له انعكاسات سلبية على قدراتها في القيام بدور في أزمة دارفور يجعل مجريات هذه الأزمة وتطوراتها بمعزل عن المصالح المصرية ومهددة لانقسامات جديدة في الدولة السودانية، هذا هو ما جاء في مقال للكاتبة المصرية والمتخصصة في شؤون السودان اماني الطويل والذي ابان مدى التخوف في الجانب المصري من انقسام السودان وما يترتب عليه من نتائج ،الامر الذي يبرر الاتجاه نحو كيل الاتهامات للجزء الآخر من الوادي وفي السودان تحديدا يرى كثيرون ان الخطاب المصري الآن يعبر عن حقيقة رمتني بدائها ثم انسلت وفي هذا الاتجاه تقول للصحافة عبر الهاتف الدكتورة اكرام محمد احمد استاذة العلوم السياسية بالزعيم الازهري ان التصريحات الاخيرة تعبر عن ضعف الحكومة المصرية وتعبر كذلك عن اتجاه نحو تحقيق المصلحة الخاصة بالمصريين في السودان الذين ينطلقون من رؤى انهم حاكمون للسودان وهو امر تجاوزه الزمن وتجاوز معه نظرية الوصايا التي كانوا يمارسونها سابقا على السودان وهو مالم يتحقق الآن. وقالت ان المصريين كعادتهم بدأوا في ذرف دموع التماسيح على الوحدة في السودان والتاريخ يحفظ لهم انهم لم يقوموا باي حركة تدعم هذا الاتجاه والآن هم من خلال التخفي حول مفهوم الحيادية اتجاه الفرقاء السودانيين يلعبون على حبل الحركة الشعبية من جانب ويتسلقون بحبل المؤتمر الوطني في الجانب الآخر وتبرر اكرام كل هذه التحركات بان هدفها الاساسي هو الحفاظ على المياه بعد ان امن السودان موقفه بالاتجاه نحو التعاون مع اثيوبيا ،وهو الامر الذي يدعمه التصريح الاخير الذي اطلقه وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط مطمئنا من خلاله المصريين وأكد أبو الغيط أنه لا يرى في استقلال الجنوب مشكلة لمصر، مشيرا الى انه لن يؤثر على حصة مصر من مياه النيل، باعتبار أن اتفاق 1959 ينظم تقاسم المياه بين مصر والسودان، حيث تحصل مصر بموجب الاتفاق على 55.5 مليار متر مكعب من المياه، فيما يحصل السودان على 18 مليار متر مكعب، والجنوب كدولة مستقلة سوف تأخذ التزاماتها من الدولة الأم وتضيف اكرام ان الامر يتجاوز مسألة المياه نحو امور اخرى تتعلق بحاجة مصر للتوسع جنوبا وهو مالن يحدث حسب تعبيرها قبل ان تضيف ان المصريين نفسهم كان لهم دور كبير في الانفصال لو حدث وذلك من خلال التعاون الوثيق ما بينهم والولايات المتحدةالامريكية فيما يتعلق بقضايا المنطقة وبالملف السوداني على وجه التحديد. وبحسب مراقبين فان الموقف المصري الاخير عبر وسائل الاعلام المحسوبة على الحكومة المصرية يمكن قراءته من خلال التحول في ميزان القوى على مستوى المنطقة وخصوصا ان مصر بدت تفقد الكثير من اراضيها على المستويين العربي والافريقي في ظل صعود قوى جديدة باتت تلعب هذه الادوار بعد تراجع الدور المصري في هذه الجوانب، هذا بالاضافة لضعف هذا الدور فيما يتعلق بالملفات السودانية الملتهبة في الجنوب (كينيا) او في دارفور (قطر وليبيا ) مع الوضع في الاعتبار نتائج وتداعيات القمة الاخيرة التي عقدت في الخرطوم والتي لم تخرج منها مصر بالنتائج المرجوة الا ان كل هذه العوامل لاتعني بالضرورة وصول علاقات البلدين الى طريق مسدود فما يجمعهم من مصالح متبادلة اكثر من الذي يمكن أن يفرقهم .