القرار الذي أقال السيد مدير جامعة الخرطوم البروفيسور مصطفى إدريس، كان قراراً في غاية الاقتضاب، مختصر جداً، لم يحمل سوى عبارات قصيرة وقليلة بالكاد أفهمت الناس أن البروف مصطفى لم يعد مديراً للجامعة منذ لحظة إعلان ونشر القرار، «نقطة انتهى القرار»، ولكن لم تنته التخمينات والتفسيرات والتحليلات لمن اهتموا بالأمر، قلنا من اهتموا بالأمر، لأن هناك آخرين لم يعودوا يهتمون بما تفعله «الانقاذ» برجالها وكوادرها، وصار عندهم الأمر سواء، سواءً أقالت هذا منهم أو جاءت بذاك، صعدت بزيد إلى أعلى أو هبطت بعمرو الى أسفل أو حتى لو «ركّبته التونسية»، فكله عندهم صابون و»زيتهم في بيتهم»، غير أننا لم نكن من زمرة غير المهتمين، بل همّنا الأمر واهتممنا به وما ذلك إلا لأهمية جامعة في عراقة وسمعة جامعة الخرطوم أم الجامعات ومحضن الوعي والاستنارة، نقول فيها ذلك دون أن نغمط دور جامعات أخرى لها كسبها في ذلك، أما تلك الجامعات «البروس» التي لم تُنشأ إلا من أجل المباهاة بالكثرة، فقد قلنا رأينا فيها مراراً وتكراراً أنها كثرة مثل غثاء السيل، ضررها أكبر من نفعها، حتى يستقيم أمرها وتلبي مطلوبات الدراسة الجامعية التي تفتقر للكثير منها، نعود إلى إقالة السيد مدير جامعة الخرطوم ونقول عنها نحن، بعد أن لم يقل القرار شيئا عن أسبابها، ان السبب في الغالب لا يخرج عن أحد أمرين، إما لآرائه الشخصية التي كان يبديها على صفحات الصحف حول ما يعن له من قضايا يقول رأيه الخاص فيها مثله مثل خلق الله الآخرين ولم تعجب هذه الآراء بعض النافذين والمتنفذين أو على الأقل لم يرضوا عن عرضها على الملأ وهو منهم وفيهم، وكان بمقدوره أن يستعرضها داخل المؤسسات الحزبية والغرف المغلقة، أو وهذا هو الأرجح بسبب رفضه القوي لقرار نزع أراضي «البركس» وتمليكها لصندوق رعاية الطلاب، وللحقيقة فإن المدير ليس وحده من رفض هذا القرار ولا أسرة جامعة الخرطوم وحدها ، بل رفضه طيف واسع من الناس، ونزعم أن الاتجاه الغالب في أوساط الرأي العام ينحو إلى رفض هذا القرار الذي يسلب الجامعة أحد أهم قلاعها، والمهم الآن ليس هو موقف البروف مصطفى من القرار، فهو قد مضى بالإقالة ولن يعود، المهم الآن هو السؤال عمن هو «كرزاي» أو «عمر سليمان» القادم الذي سيقبل ما رفضه سلفه وأجمعت على رفضه أسرة الجامعة مجتمعة، والأهم من ذلك ليس كون أن القرار خاطئ منذ البداية وإنما عدم استدراك الخطأ بل التمادي فيه، اللهم إلا إذا كان الهدف هو المزيد من الافقار للجامعة والمزيد من التهميش، ولو كان الأمر كذلك «فهنيئاً» لهم، فان تعاني جامعة الخرطوم فليس ذلك أكبر من المعاناة التي سببوها لمؤسسات التعليم العالي قاطبة... وختاماً، لم أستطع أن أضع القلم وفي النفس شيء من حتى تلك اللفتة البارعة المبدعة الخلاقة من بعض نساء مدينة عطبرة دون أن أشير اليها واحتفي بها، فمما جاء في الأنباء وأوردته هذه الصحيفة أن بعض ربات البيوت ببعض أحياء مدينة عطبرة الغارقة في الظلام ليس بسبب انقطاع الكهرباء وتذبذبها بل بسبب عدم وجودها أصلاً رغم سيل الوعود من حكومة الولاية أو نائب الدائرة، هؤلاء النسوة خرجن لاستقبال السيد رئيس الجمهورية عند زيارته الأخيرة للولاية وهن يحملن الفوانيس يلوحن بها في لفتة احتجاجية حضارية اشتهر بها أهل عطبرة، وأظن أنه بعد هذه «اللقطة» الذكية اللماحة أصبحت الكرة في ملعب الرئيس بأن يولي أمرهن عناية عليا اتحادية لا أن يتركه للشأن الولائي..