* هنالك لعبة للصغار في بلادنا اسمها (سك سك) أو (السكوكية).. * ويسمونها في مصر (الإستغماية).. * وقواعدها أن يختفي طفل في مكان ما، ثم يبحث عنه الاخرون.. * فمن يعثر عليه منهم - ثم (يسكه) حتى يقبض عليه - فهو الفائز.. * ولو افترضنا الآن أن عضوية الحزب الوطني بمصر كان قد طُلب منها أن تلعب لعبة الصغار هذه لما كانوا اختفوا مثل اختفائهم هذا عقب سقوط نظام مبارك.. * ملايين من الأعضاء (المفترضين!!) لم يُعثر على واحد منهم يقول انه منتسب إلى الحزب الوطني.. * وأنا لا أعني هنا (الكبار) من الأعضاء هؤلاء الذين عرفهم الناس عبر وظائفهم التي كانوا يشغلونها.. * وإنما أعني منسوبي الحزب من عامة الناس الذين كانوا - حسبما يقال - يصوتون لصالح الحزب الوطني في الانتخابات ليفوز بالنسبة المئوية إياها المعروفة.. * أين اختفت العضوية المليونية لهذا الحزب؟!.. * فلا هي ظهرت أيام كان الحزب يحتاجها إبان تظاهرات ميدان التحرير.. * ولا هي ظهرت حين كان (يظهر) رئيسها (مزنوقاً) على شاشة التلفزيون الرسمي و(قفاه يقمِّر عيش).. * ولا هي ظهرت كذلك عندما شطب الواقع الجديد حزبها بجرة قلم لتقول: (إحنا هنا، إحنا الملايين).. * فهي (فص ملح وداب).. * وكانت أبرع لعبة (إستغماية) يلعبها كل فرد من أفراد هذا الحزب طوال حياته.. * والجن الأزرق (ذات نفسو) لا يمكن أن يعثر الآن على المكان الذي (استخبّى) فيه الذين كانوا يهتفون لمبارك حتى الأمس القريب.. * وفي تونس كان قد اختفى بالسرعة ذاتها أعضاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي حين انتفض الشارع ضد زين العابدين بن علي.. * وفي السودان - من قبل - أضحى كل عضو من أعضاء الاتحاد الاشتراكي عبارة عن (الرجل الخفي) - أو (المرأة الخفية) - عندما ثار الشعب ضد نميري.. * وكذلك من كانوا يُسمون ب (كتائب مايو).. * وطلائع مايو.. * وأعضاء الوحدات الأساسية.. * (كلو) اختفى في غمضة عين.. * وكانت أغرب لعبة (سكوكية) جماعية تُلعب في السودان.. * فالملايين الذين كانوا يقولون (نعم) لجعفر نميري حتى يفوز بنسبة (99%) دخلوا (الشقوق!!) في لحظة واحدة ولم يبق ظاهراً منهم إلا ذوو (الحجم الكبير).. * وهكذا هو حال الأحزاب (المصطنعة!!!) كافة في ظل الأنظمة المشابهة.. * الأنظمة التي يقعد على رأسها رئيس لا (يتَّعتع) وتغمر صوره الدواوين والشوارع والجسور.. * بالمناسبة...... * هل رأيتم كيف اختفت صور بن علي ومبارك بالسرعة نفسها التي اختفت فيها عضوية حزبيهما؟!!.. * فهي أحزاب (تصنع!!) عضويتها الأموال والمنافع والإغراءات.. * فإذا ما توقف (المصنع!!) عن الضخ توقفت العضوية عن (الولاء!!).. * وفي السودان لا أظن أن حال حزب المؤتمر الوطني الحاكم يختلف عن نظيريه السابقين في تونس ومصر.. * ولا يختلف كذلك عن حال نظيره الأسبق هنا في السودان الإتحاد الاشتراكي.. * فهو مثلها تماماً يهيمن على كل شيء.. * ويسارع إلى (حشد!!) مسيرات التأييد عند اللقاءات الجماهيرية.. * ويحرص على وضع صور الرئيس في الشوارع والجسور والميادين بخلاف تلك المعلقة داخل دواوين الدولة.. * ويوظف كذلك أجهزة الإعلام الرسمية كافة لخدمة أجنداته الخاصة.. * وبالمناسبة أيضاً... * أرأيتم السرعة التي تحول فيها إعلام مصر الرسمي من ولاء أعمى لمبارك إلى لعن سنسفيل (اللي نصَّبوه)؟!!.. * ولعل أكبر اللاعنين هؤلاء اليوم - في مفارقة غريبة - كان هو أكبر المطبلين بالأمس.. * إنه المذيع عمرو أديب الذي حاول أن يركب موجة ميدان التحرير عندما أحس بدنو أجل نظام مبارك، فلم يُنجِهِ من غضب الثائرين إلا نفر من العقلاء.. * فالأشياء تُقاس على أشباهها.. * هكذا يقول المنطق السليم.. * فالحزب الوطني الحاكم في مصر لم يكن يختلف في شيء عن التجمع الدستوري الحاكم في تونس.. * والحزبان هذان كلاهما لم يكونا يختلفان عن الإتحاد الاشتراكي الحاكم في السودان.. * وهذه الأحزاب الثلاثة لا تختلف في شيء عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الآن.. * فالهيمنة هي الهيمنة نفسها.. * و(التجديد!!) عبر النسب المئوية إياها في الانتخابات هو التجديد نفسه.. * والسيطرة على أجهزة الإعلام الرسمية هي السيطرة نفسها.. * وروائح الفساد التي تزكم الأنوف هي الروائح نفسها.. * و(سرمدية) الجلوس على الكراسي هي (السرمدية) نفسها.. * وبطش الأجهزة بالمتظاهرين هو البطش نفسه.. * ثم إن الإدعاء بالتفاف الجماهير حول الحزب هو الإدعاء نفسه.. * ألم يكن قادة حزب مبارك يقولون عقب سقوط بن علي ان نظامهم (حاجة تانية خالص)؟!!.. * وكذلك قادة المؤتمر الوطني هنا يقولون الشيء نفسه عقب سقوط مبارك.. * وبقي أخيراً أن نشير إلى أهم قاسم مشترك بين هذه الأنظمة على خلفية الذي ذكرنا.. * إنه الانفصام عن الواقع..!!!!!