قد عاد من نافلة القول ان الحركة الاسلامية السودانية قد تسيدت الساحة السياسية السودانية بانقلاب 03 يونيو 9891م، وقد أعدت نفسها لهذا الوضع عبر تدابير طويلة وقفزات متعددة طاشت بعضها ولكنها رسخت في التجربة «الإنقاذية»، ولما امتلكت الحركة الاسلامية زمام الامور نفذت برنامجاً طموحاً للقضاء على هيبة القوى السياسية الأخرى لمطاردة الاحزاب، وفتكت بها جميعاً سواء اليساري منها او اليميني أو حزب الوسط العريض الحزب الاتحادي، ولما كان حزب الوسط الاتحادي يمر بأزمة متشعبة الأسباب، فإنه كان صيداً وفيراً لما أمضت فيه إرهاباً واغراءً ومزقت قواعده، فظهر ذلك في التشظي الذي كانت مطرقته المحاولات اليائسة للتوحيد ولم الشمل وسندانة اغراءات السلطة للبعض مستفيدة من نعرات بأسهم بينهم شديد، فكان لأول مرة في تاريخ الشموليات ان تستقطب مجموعات باسم الحزب لا افراد باسم الهوى والاجتهاد. ولقد نتج عن هذا فراغ في الوسط السياسي بغياب فعل الحركة الاتحادية، وكان لا بد لقوى الوسط ان تجد لها ملاجئ أخرى غير المرفأ الاتحادي الذي كانت تستظل به او تعهد اليه بهمومها، فتشظت قوى الوسط أيضاً في بحثها الدؤوب، وفي ظل وضع شمولي يحكم باسم عقيدة وتنأى خطا صولجانه عنها كل يوم مبعثرة عن حجرها الأسعد في كل شوط حتى رجت مبعثرة عن الحرم الديني العقائدي. ويجدر بنا ان نلحظ ان هذه الفوضى التي يسمونها خلاقة قد هتكت استار الجلاد ايضا فباء هو ايضا بحظ غير يسير من التشظي والتخبط حتى ما كاد يجمعهم غير التمسك بإسباب السلطان عل مواقيت الحساب يكن بينها وبينهم امرا بعيدا، ولعل حب السلطة وحب المال وادمان الفساد قد عملت من اجل ان يكتب الحاكمون لأنفسهم صكوك البقاء الطويل عبر الاستخدام المفرط لفنون التحايل بالقانون والسياسة والمال في برغماتية ما كتبناها عليهم ولكنهم ولجوها وولغوا فيها ابتغاء الخلد. وقد لا يندهش المراقب اذا وجد ان هنالك ما يفوق السبعين حزبا وسطيا مسجلا ومخطرا وكان لابد لهذه القوى ان تمثل كلمة ضعيفة اريد بها حق قوى وأبلج، نعم هي كذلك لأنها تمثل صوت احتجاج او صيحة مغبون او كلمة حق في وجه سلطان جائر، وما اكثر الثورات التي اعقبت اندحار المهدية في تاريخ سوداننا الحبيب. انني اكتب اليوم لا أقصد تحليل الوضع الراهن في الساحة السياسية السودانية ولكني أحمل قلمي راية جديدة لنملأ الفراغ الذي خلفه الانحسار الاتحادي، ونحن اليوم نعني ببناء حزب الوسط السوداني من جديد، أعني حزب الحركة الوطنية السودانية بغضه وغضيضه نحمل نفس المبادئ ولكننا نقدم برنامجا جديداً وأهدافاً متجددة أملتها علينا في الحزب الوطني الإتحادي واجباتنا التي اقعدتنا عن ادائها الطائفية السياسية التي تمثلت في قيادة السيد محمد عثمان الميرغني لهذا الحزب من كبوة ولأخرى باحساس عميق بالبغض لكل ما هو رمز اتحادي أو فكر اتحادي، ولقد ظل الميرغني يمزق الحزب في صبر يحسد عليه ومواظبة قل مثيلها فهو يرى في أي مؤسسية للحزب خطر بالغ وفي أي عنصر اتحادي عدو سابغ وبعد ان فرغ من معركة الرئاسة دخل في غمار الوراثة فأصبح المالك غير المنازع «والمك الما بقولولو تك» فكان هو السبب وراء تفكك هيكلية الحزب التي تفنن في انشاء عينات منها كبيوت الرمال يلهو فتهدمها الرياح فلا يضج، ولا يثور وكل ذلك يحدث تحت سمع وبصر القواعد التي يرى بعضها فيه المرشد والامل «وكنا بنتمنى يا عثمان قائد يجمعنا يا عثمان» ويرى فيه البعض شرا لابد منه لانه صاحب الغلبة واما الآخرون من القيادات فقد اخذتهم يد المنية او مرض الادمان اعني ادمان العجز وقلة الفكر وسذاجة الطموح ولجاجة الجهل حتى انبرى نفر بعد ان وضحت الرؤية واسمعت الهواتف من به صمم فان كان الامس خمر فاليوم أمر وها هي فلك نوح تمخر عباب البحر في يقين وعنفوان وها هو الفجر الذي شق الدياجي يجد ضوءه فوق الروابي ليكتسب عهدا جديدا من عهود الوطني الاتحادي لأن هؤلاء الرجال ابوا ان يستسلموا للقضاء «الوفدي» لأن قدرهم هو وحده هذا الحزب تحت راية الوطني الاتحادي من أراد أن ينجو من اشقائنا الاتحاديين فلسنا عاتبين عليه لأن الضباب كان كثيفا ولكن الوقت قد حان للواقفين على السياج ان يقولوا كلمتهم للتاريخ ويقيني ان هذه الثورة التصحيحية التي يقودها الحزب الوطني الاتحادي ستنفض الغبار ولن تسلم هذا الحزب او الوطن الى رجعية طائفية قاصرة النظر تدفن رأسها في الرمال لتتقي مثلات التاريخ، ويقيني اننا سوف ندفع بالكثيرين قرابين لهذا العيد الاكبر في يوم الحج الاكبر لأن كثيرا من الاتحاديين سيكون شرف عظيم لثورتنا هذه ان تضحي بهم كالمدينة طيبة تنفض خبثها فإرادتنا اليوم تحوم حول الجيل الجديد من اصقاع وطني الجديد يقودهم كثيرون من الذين عادت لهم الروح من الذي آثروا الوقوف على السياج وقليل من الذين خاضوها ضروسا حتى انبلج الصبح وفي كل خير فالذين جاهدوا والذين آووا ونصروا ان لا نضيع اجر من احسن منهم عملاً ولا نبخس الناس أشياءهم ولكن الراية ماضية في طريقها تنادي كل احزاب الوسط للقاء والتفاكر والتحالف والاندماج في حزب الوسط العريض لتحقيق اهداف المرحلة من القضايا الوطنية وهي وحدة السودان الترابية غير المنقوصة لا نستثني فيها شيء ولا نبخل بشيء ولا نلتفت عنها لشيء وثانيها هي الديمقراطية طريقا اوحد لتبادل السلطة والديمقراطية لا تقبل القسمة على مراحل والتحول الديمقراطي سابق لصندوق انتخاب يجر بلادنا نحو مهزلة جيراننا من الدول العربية والافريقية ففي غياب الديمقراطية يكون الانتخاب نفاقا وتزويرا وكلمة حق اريد بها باطل. اما هدفنا الثالث فهو القضاء على حكم الحزب الواحد مهما تلون جلده كالحرباء وطريقنا الى ذلك لا يستبقي وسيلة الا شكلها ولا طريقا الا نفذ اليها فاذا رأيتم فينا خيرا فلا تصفقوا لنا ولكن كونوا عونا لنا وكونوا امامنا ومن خلفنا فنحن بالاصرار سنعيد المجد للسودان، اعجموا عودنا وامتحنوا سيرتنا فان وجدتم الصدق فينا فقولوا لغيرنا وتعالوا يا احزاب الوسط فان حزبكم الجامع فيه متسع للجميع ونحن بكم نغيظ العدى ونحمل المشعل ونحكم الشورى ونقضي على الفساد فان الفراغ الذي خلفته الحركة الاتحادية المشلولة لم يتمكن احد من الاحزاب ان يملؤه حتى تنادى الكثيرون لاعادة الحركة الاتحادية للفعل السياسي لم يتخلف حتى اليسار واليمين وقد وصلتنا اصواتهم فكانت مع اصواتكم هي التي ايقظتنا من وهدتنا فعدنا لكم، هذه يدنا ممدودة لقوى الوسط واحزاب الوسط ان تأتلف قلوبها لبناء حزب الوسط السوداني سلسل الحركة الاتحادية الوطنية التي حفظت التوازن للحياة السياسية السودانية وحققت الانجازات التي «ما فيها شق ولا طق» واليوم بلادنا تحتاجنا ونحن ماضون على درب الاجداد ولكن بروح الاحفاد وعيننا على المستقبل نحمل برنامجا للتنمية نتكاتف به لبناء السودان الموحد نزرع فيه الامن والاستقرار عبر مشاركة وطنية من اجل الوحدة والسلام والتنمية فنحن اليوم نحمل برنامجا يجيب على اسئلة اليوم عن طموحات الغد في علمية وشفافية وروح وطنية بانتماء لتراب هذا الوطن نخلق منه طينا لاذباً بعاطفة وعلم وايمان وعمل نستلهم التاريخ ونتمثل التراث ونستنهض الابداع والفكر سياستنا هي الوضوح والجلاء وانتماؤنا لهذا الوطن هو الاستقلال هويتنا هي السودنة ونحن وطنيون اتحاديون احرارا من العمالة واحرارا من الطائفية واحرارا من الخطايا في حق هذا الشعب.. ونحن لا نلقي القول على عواهنه فقلوبنا مفتوحة لكل قوى الوسط وسوف نصل الذي لم يصلنا حتى نبني هذا الوطن ونكون عند حسن ظن شعبنا بنا، وكانوا يرونه بعيداً ونراه قريبا، وجزى الله النائبات خيراً.