لقد قال الشعب المصري كلمته وقلناها نحن بكل تأكيد، ففي غضون أسبوعين من المظاهرات السلمية بتنا نطالب باستمرار بالحرية والديمقراطية. لقد ابتدرت مجموعات من المصريين البواسل والمخلصين هذه اللحظة من الفرصة التاريخية في يوم 25 يناير وأن حركة الإخوان المسلمين ملتزمة بالانضمام لهذا الجهد الوطني في سبيل الإصلاح والتقدم. لقد ظلت حركة الإخوان المسلمين على مدى أكثر من ثمانية عقود تعمل باستمرار على تعزيز أجندة الإصلاح التدريجي، فمبادؤنا أعلنت بوضوح منذ بداية الحركة في عام 1928م وهي تؤكد على موقف واضح ضد العنف. وقد شكلنا على مدى الثلاثين عاماً الماضية سلمياً التحدي الأكبر للحزب الوطني الديمقراطي حزب حسني مبارك في الوقت الذي وقفنا فيه مع الطبقات المحرومة في مقاومتها لنظامٍ قمعي. لقد حاولنا مراراً وتكراراً أن نتعامل مع النظام السياسي بيد أن هذه المحاولات رُفضت تأسيساً على الزعم القائل بأن حركة الإخوان المسلمين هي منظمة محظورة وظلت محظورة منذ عام 1954م. وعلى أية حال نادراً ما يُذكر أن المحكمة الإدارية المصرية أعلنت في يونيو عام 1992م أنه لا يوجد أساس قانوني لحلِّ الجماعة. وفي أعقاب الثورة الشعبية قبلنا الدعوات للمشاركة في المحادثات التي أجريت لإيجاد عملية انتقالٍ سلمي، كما شاركنا أخيراً جنباً إلى جنب مع ممثلين أخرين للمعارضة في اجتماعاتٍ تمهيدية مع نائب الرئيس عمر سليمان. وأوضحنا في هذه المحادثات أننا لن نقبل بتسوية للأجندة الشعبية ولم نأتِ بأجندة خاصة بنا، فأجندتنا هي أجندة الشعب المصري التي تم التأكيد عليها منذ بداية هذه الانتفاضة. نحن نهدف إلى تحقيق الإصلاح والحقوق للجميع لا لحركة الإخوان المسلمين فقط ولا للمسلمين فقط بل لكل المصريين، ونحن لا ننوي اتخاذ دورٍ مهيمن في الانتقال السياسي القادم، ولم نقدم مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في سبتمبر. وفي الوقت الذي نعبِّر فيه عن انفتاحنا للحوار نؤكد مجدداً على مطالب الشعب التي يجب تلبيتها قبل الدخول في أي مفاوضات جادة تفضي إلى حكومة جديدة إذ يجب على نظام مبارك أن يعكس التزاماً جاداً لتلبية هذه المطالب أو الانتقال نحو تغييرٍ ملموس ومضمون. وعلى أية حال ومع انتقال أمتنا نحو الحرية لا أجدنا نتفق مع الدعاوى التي تقول إن الخيارات الوحيدة في مصر تتمثل في ديمقراطية ليبرالية علمانية محضة أو ثيوقراطية استبدادية، فالديمقراطية الليبرالية العلمانية للمجموعات الأمريكية والأوربية المختلفة مع رفضها القاطع لدخول الدين في الحياة العامة ليست هي الأنموذج الوحيد لديمقراطيةٍ شرعية. فالدين في مصر يظل جزءاً مهماً لثقافتنا وموروثنا، ونحن نضع تصور لتأسيس دولة ديمقراطية مدنية تقوم على الترتيبات العالمية للحرية والعدالة والتي تعتبر قيماً إسلامية جوهرية. فنحن نقبل الديمقراطية لا بحسبانها مفهوماً أجنبياً يجب توفيقه مع التقاليد ولكن بحسبانها مجموعة من المبادئ والأهداف تتماشى أساساً مع المذاهب الإسلامية وتعززها. إن استبداد الحكم الفردي يجب أن يفسح الطريق للإصلاح الفوري: التظاهر من أجل التزام جاد بالتغيير ومنح الحريات للجميع والانتقال نحو الديمقراطية، فحركة الإخوان المسلمين تقف بشدة خلف مطالب الشعب المصري قاطبة. والإصلاح الراكز والتدريجي يجب أن يبدأ الآن ويجب أن يبدأ بالشروط التي نادى بها ملايين المصريين خلال الأسابيع الماضية، والتغيير لا يحدث بين عشيةٍ وضحاها ولكن النداء بالتغيير يتم بين عشيةٍ وضحاها ويجب أن يقودنا هذا التغيير إلى بدايةٍ متجذرةٍ في العدالة والتقدم. *عصام العريان هو عضو المجلس القيادي لحركة الإخوان المسلمين في مصر.