٭ دائماً ما يغرد وزير المالية بعيداً عن السرب، فقبل أشهر قلائل وجَّه دعوته التقشفية لجميع المواطنين لأكل «الكسرة» «وكأنهم كانوا يأكلون الكافيار»، والآن يقول بملء الفم إن توظيف الخريجين «عبء على الدولة ولن تستفيد منهم، فمنذ عام 4002م وحتى الآن تم توظيف خمسة وسبعين ألفاً منهم، وليس لديهم شغلة ولا فكرة عن أي حاجة» مشيراً الى ان الخيار الافضل منحهم فرصاً في القطاع الخاص وعمليات الانتاج. ٭ ربما أن الوزير مقتنع تماماً بأن الخريجين ما «عندهم فكرة ولا شغلة» لماذا اذن تجتهد حكومته الذي هو فرد فيها في ما يسمى ثورة التعليم العالي، وتفتتح ضمن مشروعها الحضاري جامعات شتى لتعليم الطلاب الذين هم في نهاية الدراسة «خريجون» يطلبون العمل داخل وخارج الوطن؟ ٭ واذا كان هذا حديث وزير المالية الجهة التي تدفع لمبعوثي الدولة الذين هم في الأصل خريجون من جامعات مختلفة التحقوا بالعمل وهم «لنج»، واجتهدوا فيه من أجل اكتساب الخبرة والتدريب والمعرفة والعودة للوطن لترجمة النظري الى عملي لدفع الانتاج ورفعه وتطبيق منهج حديث يعتمد التكنولوجيا والتقانة المتطورة فكرةً وأداءً لمواكبة التقدم العالمي، فماذا يكون رد الوزارات الأخرى التي يلتحق بها عدد مقرر من الخريجين؟ وإذا كان الخريج يشكل عبئاً على الدولة، فماذا يشكل الوزير الذي يدلي بتصريحات «جوفاء» لا تخدم الوطن ولا الدولة ولا المؤسسة ولا الحزب ولا المواطن نفسه..؟! ٭ لماذا تتبرأ وزارة المالية من فرد مساحة أو مسؤولية للخريج؟ ولماذا هذا «الحكم السوداوي» حول «أداء» الخريج؟ ولماذا هذا اللوم العنيف؟ في زمن نحاول فيه أن نبني الوطن بسواعد الشباب الخريجين الذين تنفر منهم الآن وزارة المالية وترمي بهم في أحضان القطاع الخاص؟ ٭ إن الخريج ينكب على عمله بكل أمانة وإخلاص ليقدم لوطنه ولو جزءاً يسيراً من «الجميل» رداً على مساحات الفرح والاتاحة، لكن وضح تماماً الآن أن السبب في كل خطوات الوطن نحو الخلف بهذه السرعة هو «النظرة التعسفية» التي يصف بها المسؤول موظفيه ويطلق عليهم «نعوتاً» تقلل من القيمة الإنسانية أولاً ومن الأداء الوظيفي ثانياً، فوصف الخريج بأنه عبء على الدولة وصف يحمل بين طياته إجحافاً بحق الخريج وعطائه، ولا يعني غير معنى واحد أننا «نغلق الأبواب أمامكم فهل تفهمون؟». ٭ الآن فقط سيعرف الخريجون ب «الواضح كده» أنهم أشخاص لا ترغب فيهم «الجهة المخدمة»، وعليهم أن «يحلوا مشكلة عطالتهم وحدهم» ولا يلوحون بها «كرتاً» عند استعراض مشكلات «الشباب» في هذا الوطن الطارد لأبنائه بأيدي ولاة أمره. ٭ ويبقى السؤال من هم الذين لا يشكلون عبئاً على الدولة ولديهم «الأفكار النيرة» ويود الوزير «ملء الخانات» بهم؟.. ها نحن ننتظر الإجابة سيدي الوزير. ٭ همسة: لولاك ما عُدت أسبح مع التيار ثانيةً.. وأغادر محطة الحزن والنواح.. لولاك ما عدت أنام ملء عيني.. وأبصر شمس الصباح...