بدأت مصر تشعر بالقلق من خفض حصتها في مياه النهر الذي يمثل لها شريان الحياة، بعد توقيع ست من دول منابع النيل اتفاقا، يحجب عنها حقوقها التاريخية في المياه، وتعد زيارة رئيس الوزراء المصرى عصام شرف وسبعة من وزرائه الى البلاد أولى خطوات الخطة المصرية لحل أزمة مياه النيل التى أثارت قلقها فى الآونة الأخيرة عقب التوقيع علي اتفاقية عنتيبي، فى الوقت الذى يرى فيه عدد من الخبراء المصريين أن حل أزمة مياه النيل سياسي فى المقام الأول وحلها يتوقف على زيادة التعاون بين مصر ودول الحوض. حيث تأتى زيارة الحكومة المصرية الى شمال السودان ودولة الجنوب الوليدة لتفعيل العلاقات التى أصابتها حالة من الركود فى فترة الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ومن ثم الحفاظ على حقوق مصر فى مياه النيل كما حددتها الاتفاقيات السابقة والأعراف الدولية، وذلك عن طريق التنسيق مع كافة الحكومات والجهات الدولية المعنية خاصة على المستوى الأفريقى لتأكيد حقوقها المشروعة والمعترف بها دوليا، مع حرصها على التفاوض مع دول حوض النيل على أساس العلاقات التاريخية والدعوة إلى استمرار الحوار مع كل دول حوض النيل للعودة مرة أخرى الى طاولة المفاوضات لضمان التوصل الى حلول ترضى جميع دول حوض النيل. وفى زيارة خاطفة للوفد المصري برئاسة رئيس الوزراء عصام شرف، لجوبا اتفقا خلالها على عقد مباحثات مشتركة بالقاهرة مع حكومة الجنوب لتوقيع عدد من البروتوكولات في مجالات مختلفة اهمها قضايا المياه، والإسراع فى تفعيل المشروعات التي تنفذها وزارة الموارد المائية والري المصرية في جنوب السودان بتكلفة «26.6» مليون دولار، فى الوقت الذى ابدت فيه القاهرة استعدادها لتقريب وجهات النظر بين الشريكين فيما يتعلق بالقضايا العالقة وترتيبات مابعد الاستفتاء. وعلى شرف الزيارة ،شهد رئيس حكومة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، ورئيس مجلس الوزراء المصري عصام شرف التوقيع على بروتوكول للتعاون في مجال الموارد المائية والري بين مصر وجنوب السودان. وقال وزير الرى والموارد المائية المصرى حسين العطفي، إن البروتوكول، اكد على رفع مستوى التعاون الفني بين مصر وجنوب السودان بما يضمن اتخاذ ما يلزم من إجراءات سريعة لتنمية وإدارة الموارد المائية بجنوب السودان، و القيام بإجراء الدراسات والبحوث لحسن إدارة الموارد المائية، واضاف إن البروتوكول نص أيضًا على الإسراع فى عملية إنشاء وإعادة تأهيل محطات قياس مناسيب وتصرفات المياه على مجرى النيل، بجانب تدريب وتأهيل الكوادر بحكومة جنوب السودان لتولي المسؤولية وتنظيم الاستفادة من كل قطرة مياه، بما يعود بالنفع على شعب الجنوب. قال القنصل المصري بجوبا ل«الصحافة»، ان الوفد ناقش مع حكومة الجنوب المشاريع المصرية المستقبلية الموجودة اصلا فى الجنوب، واوضح ان البروتوكول الذي وقع مع زارة الري بحكومة الجنوب يحمل مسائل فنية فيما يتعلق بالتعاون في المشاريع المائية واقامة المشاريع المصرية وتطوير المجالات المائية. ومن جانبه ، وصف وزير التعاون الاقليمي بحكومة الجنوب، دينق الور، الزيارة بالناجحة ،وقال ل»الصحافة» ان الوفد التقى بالرئيس سلفاكير ميارديت الى جانب رصفائهم من الوزراء في حكومة الجنوب، واشار الى ان الطرفين اتفقا على جملة من الاشياء على رأسها التزام مصر بتقديم خدمات صحية لحكومة الجنوب ومنح دراسية في المجالات المختلفة، والبدء في بناء جامعة الاسكندرية، اضافة للاستثمارات الزراعية واستقطاب رجال الاعمال المصريين تجاه الجنوب، و إيفاد شركة المقاولين العرب والشركات المماثلة للعمل في مجال الطرق بالدولة الوليدة. وأشار ألور الى موقف الجنوب الثابت من قضية مياه النيل، فى حديث طمأن الوفد المصرى وقال «ان حكومة الجنوب ليست لديها مشكلة فيما يتعلق بالمياه لاننا جزء من السودان، وسنناقش حصتنا من المياه مع الشمال وليس مع اية جهة اخرى». واكد الور ان هناك اتفاقيات تمت في مجال التجارة الخارجية والتبادل التجاري و التعاون الاقليمي، وكشف عن وجود «30» دبلوماسيا جنوبيا الآن يتدربون في المعهد الدبلوماسي المصري لمدة شهر، وان الوفد المصري وجه الدعوة لنائب الرئيس رياك مشار وعدد من الوزراء لزيارة مصر وعقد جلسة مباحثات والترتيب لتوقيع بروتوكولات اتفاق في المجالات المختلفة. من جانبه، قال وزير الخارجية المصري نبيل العربي في تصريحات صحافية خلال زيارته، إن مصر ستعترف بجنوب السودان كدولة مستقلة بعد أن اختار الجنوبيون في الاستفتاء الانفصال عن الخرطوم، واضاف إن السودان يعتزم أن يكون أول من يعترف بجنوب السودان، وأن مصر تعتزم أن تكون ثاني دولة تعترف بالدولة الوليدة، وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري مجدي راضي إن دولة الجنوب مثل المولود الجديد الذي يحتاج للرعاية ونحن لدينا عدد من المشروعات معهم في مجالات التعليم والطاقة الكهربائية. واشارت الصحف المصرية الى انه من المتوقع فى زيارة وفد حكومة الجنوب المرتقبة فى الفترة القادمة الى القاهرة لتلبية دعوة الحكومة المصرية، فتح ملف استئناف العمل فى قناة جونقلى باعتبارها اولوية لمصر وذلك بإضافتها ل «4» ملايين متر مكعب من المياه لايراد نهر النيل. وتجدر الإشارة الى ان العمل فى قناة جونقلى بدأ فى العام 1978 وتوقف فى العام 1984 بسبب الحرب الأهلية التى انتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب فى 2005، ويبلغ طول القناة«360» كيلومترا وتعمل على تحويل مجرى النيل من منطقة السدود في دولة الجنوب . ويقول الدكتور سيد فليفل عميد معهد الدراسات الأفريقية المصرية ،ان الأزمة لها أسباب سياسية وليست مائية وان التنمية والتعاون مع دول حوض النيل مفتاح حل الأزمة لانها تحتاج للطاقة وليس للمياه ولابد أن نساعدهم في هذا المجال. وقال انه لابد أن تراجع مصر رؤيتها تجاه القارة الأفريقية ، فمصر ليست دولة عربية فقط ، وليست دولة متوسطية فقط ، وإنما هي دولة أفريقية كذلك ، ويجب أن تعبر عن بعدها الإفريقى من خلال سياستها ، وفى كافة المجالات، وانه لابد من إنشاء تجمع إقليمى قوي لدول حوض النيل يعمل فى إطار تكاملى لبناء وحدة النهر المائية وتأسيس برامج متبادلة فى الصناعة والزراعة والسياحة والقيام بدور فى تأهيل هذه الدول ، ولابد من عقد ورش خبراء فى الهندسة المائية والقانون الدولى مع الأفارقة لوضع الإطار القانونى وفقاً للإلتزامات السابقة فى العام «1929 و 1959»، وقال فليفل ان التفاوض فى مسائل المياه يأخذ وقتاً طويلاً وعلينا أن نسترشد باتفاقيات الأنهار المشتركة مثل نهر «الدانوب» ونعرف ماذا صنعت هذه الدول.