كانت النشأة والمولد في مدينة جوبا ، جاء الى الخرطوم وهو يتحدث اللهجة الجنوبية ومشبع بأحاجي وحكايات وأساطير أهل تلك المناطق ، وكان نتاجها انتاج قصصي رفيع في لغته ومختلف في موضوعاته ، كانت افادة أبو حازم حول تجربته الابداعية تحمل سمات كاتب مختلف ولد من أبوين من جنوب كردفان في الجنوب ونشأ وتربى فيه وخرج منه لاكمال دراسته الجامعية في الخرطوم ، جاءت بداياته في الثمانينات مع قصة الرجل الأزرق وانداحت تجربته الثرة التي توجت بفوزه بالجائزة الاولى في مسابقة الطيب صالح للكتابة الابداعية ... قدمه منتدى السرد والنقد خلال منتداه الاسبوعي ليحكي بداياته الكتابية فقال : بدءاً التحية موجهة لمنتدى السرد والنقد وسعيد أن أكون ضمن فعالياته والتحية للاستاذة زينب بليل التي أزجت وقت كبير من راحتهافي سبيل مواصلة هذا المنتدى وبرعايتها لشباب القصة القصيرة وحرصها والتزامها القوي في اتجاه العملية الابداعية ... انا أحمد الجالي أحمد حازم ومن هذا المنبر أوجه التحية للوالد الجالي أحمد حازم السيد الوالد شهيد الواجب والوطن الذي استشهد في 1987م اثناء تأديته لواجبه الوطني باعتباره كان يعمل في الشرطة ، أحمد أبو حازم من مواليد 11 مارس 1963 في مدينة جوبا لأن الوالد كان يعمل في الشرطة وتنقل في مدن الجنوب ابتداءاً من وسط الاستوائية الى شرقها وغربها ، تلقيت التعليم الأولي في يامبيو ومن ثم انتقلنا الى أنزارا لأن يامبيو كان بها أحداث كبيرة اضطرت السلطات أن توقف العملية التعليمية خوفاً على سلامة التلاميذ وانزارا غرب الاستوائية وهي من مناطق الزاندي والعملية لم تستمر كثيراً لأن أنزارا نفسها كانت من مواقع النيران لقتال مشترك بين قوات حكومية وأخرى متمردة ولأن أنزارا كانت على مقربة من منطقة زائير حيث كانت جيباً خلفياَ للمتمردين لذلك انتقلنا الى مدينة مريدي استقرينا بها قليلاً ثم كانت النقلة الكبيرة من غرب الاستوائية الى مدينة جوبا ... في مدينة جوبا بدأت الحياة تتفتح أمامي بشكل مختلف باعتبارها مدينة واسعة وبها معطيات تختلف عن المدن السابقة ، تزوج والدي من والدتنا في جنوب كردفان حيث اصول الوالد والوالدة من منطقة فيض ود عبد الله ننحدر من قبائل رعوية بقارة ، في جوبا استطعت أن أواصل تعليمي بشكل أفضل وكانت العملية التعليمية تمتاز بسبل تعليمية واسعة قرأت بمدرسة البلك وهي كانت عبارة عن مدرسة كبيرة جداً، بمقاييس اليوم جامعة بها فصول واسعة ومخازن وميادين واسعة جداً ومؤهلة وذلك لأن كل الجهات كانت تركز على التعليم بشكل ترغيبي ، هنا انفتحت على مسائل أخرى مثل المكتبة حيث كانت تفرد حصة كاملة لها وكانت راتبة وباستمرار ، وكانت الجمعية الأدبية كل اثنين حيث يفتتح بها الأسبوع لأن الاجازة في الجنوب يوم الأحد ، كذلك الوالد كان مطّلع جداً حيث كان يمتلك مكتبة كبيرة في منزلنا بجوبا وكان يفرد لها غرفة ضمن غرف منزلنا الحكومي وقد كانت منازل كبيرة جداً وكان عندما يدخل المكتبة يدخلها في زمن محدد وبشكل غير عادي كان يدخل اليها بكامل بزته الافرنجية وكدوسه ، لم أكن أدخلها كثيراً في البداية كنت أجلس في مدخلها ، عندما يأتي والدي يجدني جالس بجوار المدخل ذات مرة سألني عن سبب عدم دخولي للمكتبة فذكرت له أنني أخاف من الظلام حيث كانت الاضاءة بها خافتة جداً فطمأنني وأدخلني المكتبة ، فدخلت وجدت بها كتب مصورة ومجلات فاستهوتني هذه الكتب ، في هذه المكتبة تعرفت على بعض الكتابات والعناوين من أمثال كامل كيلاني وغيره وكنت أقلد والدي وهو يحمل كدوسه ويقرأ أو يكتب بشكل معين ، أذكر في يوم من الأيام وانا أشخبط بقلم الكوبيا وكنت وقتها في الصف الثالث نظر اليّ الوالد وسألني عن ماذا أكتب ؟ فقلت له بكتب ( ساكت) فقال لي لازم تكتب كل يوم مسيرتك اليومية فبدأت أكتب مذكراتي غير أنه لم يكن يهتم لسؤالي كما كنت أعتقد طلب مني ذلك وتركني لحالي ولكنه كان يرصدني من بعيد ، ذات يوم كالعادة كتبت في ورقة ثم هممت بتمزيقها فأخذها الوالد قرأها ثم وضعها في جيبه وخرج ... في الجمعية الأدبية يوم الاثنين ولم أكن ضمن المشاركين في فقراتها وكان مجلس الآباء موجود والوالد كان ضمن الصف الأمامي يحمل كدوسه ، بعد أن قدمت بعض الفقرات قال مقدم البرنامج والآن مع فقرة كذا ويقدمها الطالب أحمد ابو حازم وانا لا أدري ماذا أقدم فخفت ورجفت فاذا بأبي يؤشر لي بكدوسه لاتقدم الى المسرح وهناك قدمت لي الورقة التي كتبتها وحملها أبي معه فقرأتها وصُفق لي كثيراً رغم أن ما قرأته لم يكن ذو أهمية في رأيّ كنت بتكلم عن حمامات غادرها هديلها وخيول غادرها صهيلها ولم تعرف مكانها و أرجل تسوق أصحابها الى محلات لا يريدونها كلام من هذا الشكل ، صُفق لي كثيراً وقدمت لي بعض الهدايا ، والهدية الأكبر كانت من الوالد في المساء ، طلب مني أن أجهز نفسي ، فجهزت وركبنا عجلة ومشينا سينما جوبا شاهدت وقتها فيلم( ذهب مع الريح) وكانت بالنسبة لي هدية كبيرة جداً واعتبرتها دافع أساسي وكنت كلما فعلت شيئاً أعجب الوالد أتوقع أن يصحبني السيد الوالد الى السينما من هنا بدأت الصلة مع الكتابة لكنها لم تكن كتابة بالشكل المطلوب ، في المكتبة هذه حظيت بقراءة الكثيرة فتفتحت المدارك فوجدت أمامي الجاحظ والمتنبي والنفري ووجدت احسان عبد القدوس وعدد كبير جداً من الروايات المصرية القديمة والمجلات فتفتحت على أشياء وكنت أحياناً أحفظ أشياء لا أدري معناها وفي مسيرة الحياة اليومية بدأت تتفك بعض الطلاسم وعندما حلت الطلاسم بشكل جيد أصبحت العلاقة جيدة بالتراث العربي القديم واصبحت بالنسبة لي علامة أساسية فتحت لي طريق في قراءاتي .... في سؤال حول اللغة تحدث أبو حازم قائلاً: الجنوب ولغاته انا لم أكن كالوالد فهو رجل بقاري كان يتقن لغات عديدة منها لغة : النوير ، الشلك ، الباريا ، الزاندي والدينكا أما أنا كنت أعرف لغة الباريا فهما وليست حديثاً لأن اللغة تتطلب الممارسة اليومية وما زالت علاقاتي مستمرة مع أهلنا بالجنوب وعندما كنا في جوبا كنا لا نعرف ما الشمالي وما الجنوبي لكن كنا نعرف أن هؤلاء( ناس أطلع برة ناس نمرة ثلاثة ناس جوبا فوق وناس كتور وهكذا) ... مدينة جوبا مدينة كبيرة تشبه المدن السودانية الأخرى مدني بورتسودان وغيرهم لأن بها كل الاجناس السودانية ولكنها حاضرة الباريا والمنداري لم نكن نحس في جوبا في فترة السبعينات بفوارق ، في جوبا كنا ندخل أي منزل ونتعاطي الحياة فيه بشكل عادي كأننا في منازلنا ، في يامبيو وكنا تلاميذ وقتها قامت مظاهرة وما كنا ندري ما معناها مظاهرة كبيرة خرجت لها كل المدرسة وخرجت معهم دون أن أدري السبب بعض الشباب ألأكبر سناً مني إعتدوا عليّ بالضرب مما دعا أحد الأساتذة من المدرسة لحجزي منهم وقال لهم هؤلاء لا مشكلة لهم معنا مشكلتنا نحن هناك في الخرطوم مع الحكومة فهذا الاحساس لم يكن موجوداً حتى في جوبا ، جوبا كنا نلفها كلها ونتسلق جبالها (جبل الرجاف وجبل كجور ولادو) وحتى في منزلنا كان في واحد اسمه مودي ما كنت أعرف علاقتنا به ولكن كنت أناديه بعمي ... الحجا والحكي؟؟ الحكي أو الحكايات في أغلبها تأخذ الطابع الطقوسي ، الكجور يغلف معظمها ، بعض الحكايات حتى الآن لا يستطيع الواحد كتابتها فهي جميلة جداً ، طقس الموت عند الزاندي مثلاً طقس جمالي على الرغم من المناسبة مناسبة حزينة لكن الطقس جمالي تبدأ المراسم بدق الطبول ضربات محددة تؤكد الخبر أولاً ثم تتغي الضربات لتعلن نوع الخبر وهكذا لاعطاء اعلان أوسع لتوسع مداركهم فتبدأ القرى تتوافد اليهم ، أهل الميت يهتموا بنظافة المكان حول البيت وتوضع برم أو أزيار حول المكان فيأتي الناس كل من مكانه يحمل معه ( مريسة ) يسكبها في الأزيار ويدخل وفي الوسط تضرب النقارة ويرقصوا على مدى اسبوع ويذكروا محاسن الميت ويحملون ملابسه ومتعلقاته في هذا الاسبوع تكون الحياة كاملة ويذكروا خلال هذا الاسبوع انه في هذه السنة انهم سينجبوا عشرات الناس يحملون ذات الاسم ثم يدفن الميت بين شجرتين من التك واحدة شجرة الذكريات والثانية تكون علامة ينحت فيها منحوتات كبيرة وطويلة كشواهد للقبور تبين سمة الميت ... هذا غير الكجور عند القبائل الأخرى وهي تفيد في التخيل ...واسقاطات ذلك في كتاباتي واضحة خاصة في يناير بيت الشتاء ، كلنا في السودان نعرف اسطورة البعاتي وفي الجنوب توجد اسطورة أن القبيلة ( الفلانية ) تتحول الى كذا : نمر أسد الخ...هذه الاسطورة عندهم لها فهم آخر ما يميز هذه البلد تعدد ثقافاتها والذي يريد أن يعمل منها شيئاً واحداً يكون انسان يريد أن يغير الحقيقة ويغالط كل الأشياء خاصة ونحن ما زلنا مجتمع ريفي وقيمته الجمالية تكمن في تنوعه ونحن ككتاب نقول أن أجمل محفز لنا في كتابتنا هذا التنوع عاداتنا وتقاليدنا المتباينة والمختلفة هي التي ترفد كتاباتنا هذه ووحدة السودان في تنوعه وهذا هو الأجمل ... انتقلنا في 1973 من جوبا بعد اتفاقية أديس أبابا الى الخرطوم وقبل أن نصل اليها بالباخرة النيلية توقفنا في ملكال عند شقيقة والدي الكبرى ، واسمها زايدة كانت أشبه بالسلطانة داخل البيت بحكم السن ، عندما مكثنا معها فترة وأردنا المغادرة الى الخرطوم طلبت من والدي أن يتركني معها ، مكثت معها في ملكال أكملت المتوسطة والثانوي ، ملكال كانت نقلة جديدة بالنسبة لي وفيها تداخل أوسع مما رأيته في جوبا ، في ملكال يوجد حي الشاطئ وحي النوبة والدناقلة والشلك والجعليين وكل هذه الأحياء متداخلة مع بعض وملكال لها نسق مختلف بحكم قربها من الشمال ولها خطوط تماس وتواصل كبير مع الشمال .. بعد ذلك انتقلت الى الخرطوم للدخول الى الجامعة ، الوالد كان يرغب في دراستي الهندسة أنا أتيت الخرطوم في سن كبيرة ولهجتي كانت جنوبية فأنا جنوبي بالميلاد ، دخلت المعهد الهندسي ، أول تجربة جادة للكتابة حقيقية وناضجة كانت محاولات في الشعر وكنت أقرأه في الجامعات والمنابر الطلابية لكنه لم يكن عن قناعة ولم أجد نفسي فيه .. استمريت في كتابة الشعر وخفية أكتب القصة القصيرة لأنني كنت أحتاج أن أقرأ عنها وكيف تكتب وعناصرها لتخرج قصة وفق معايير معينة كنت حتى ذلك الوقت لا أمتلك أدواتها بشكل جيد لكن الشعر شروطه تختلف ومفتوح ، فترة الثمانينات انفتحت خلالها على قراءات كثيرة ومتعددة خاصة بعد أن ذهبت المعهد الاستشاري الهندسي وتخصصت في الديكور والتصميم الداخلي هناك اجتمعت بأناس لهم اهتمامات أدبية ومنفتحين على قراءات متعددة و حلقات تثاقف وتبادل كتابة كان لها دور في وضعي في المسار الصحيح ، في الثمنينات نشرت نصوص قصصية ، أول نص كان رجل أزرق نشر في 1986 في جريدة التلغراف وفي البديل ، بدأت تتوطد علاقتي مع القصة ولكنني لم أفارق الشعر حتى التسعينيات ، بعد ذلك بدأت أكتب كثير وأنشر في القصة ، وبدأت أقلص كتابتي للشعر وأكثف في القصة القصيرة وبدأت أقلل من ارتيادي للمنابر الشعرية وأوطتد علاقتي بمنابر القصة الى العام 1999 حيث نظم المركز الثقافي الفرنسي مسابقة للقصة القصيرة شاركت فيها وأحرزت المرتبة الثالثة وأصبحت مناسبة لتجمع عدد كبير من كتاب القصة ،منهم المخرج بدر الدين مصطفى والقاص محمود محمد مدني وكنا نلتقي في مكتب المحامي يوسف الحبوب ، بعد المسابقة فكرتجمع هؤلاء الكتاب في تكوين جسد ابداعي واحد يجمع بينهم فتكونت مجموعة صغيرة في منزل الكاتب فيصل عباس وكان معنا استيلا قايتانو وكنا نجتمع كل جمعة ومعنا شنقر وأحمد عوض وعبد الحكيم عامر والاستاذ عبد القادر محمد ابراهيم ثم تطورت المسألة وانتقلت الى ملتقى الأربعاء في بيت الراحل محمود محمد مدني واتسع الجسد وأصبح أكبر وصار من حضوره الناقد مجذوب عيدروس والاستاذ أحمد فضل الله وغيرهم ونتج عن ذلك أفكار كثيره منها أن تتطور هذا الجسد لشيئ أكبر وقد كان أن تأسس نادي القصة تحت أندية اليونسكو وهناك انقسم النادي البعض استمر منضوي تحت أندية اليونسكو والبعض الآخر ابتعد عنه وانا ضمن الذين ابتعدوا فيما بعد توحدت المجموعتان والتقينا في اليونسكو واستمر نادي القصة ، نادي القصة كان مرحلة بالنسبة لي ولكن عملي فيه كان في أغلبه اداري أكثر من انه مثاقفة ، في هذه الفترة توسعت مداركنا ومعارفنا في مجال الكتابة وأًصبحت أسعى خلف النص الذي يحمل عناصر جديدة دوماً ربما لا أكون أضفت جديداً على المستوى العام ولكن على المستوى الشخصي ربما الحاجة جديدة بالنسبة لي وهكذا.... كان ختام الجلسة قراءة قصصية من الكاتب أحمد أبو حازم