عالم الصحافة فنٌ قائمٌ في بعض محاوره على الإثارة وخرق العادة وكما يقول أهلها الراسخون في العلم (إذا عضّ الكلب إنسانا فهذا ليس بخبر ولكن أن عض الانسان الكلب فذلكم هو الخبر الذي يستحق الاحتفاء) وعلى هذا السياق ففي عالم الصحافة هناك خيط رفيع بين الحياء وقلة الحياء وبين استجلاء الحقيقة أوالذهاب بها بعيداً الى مناحي شتى فقد تتحول (ونسة) مسؤول عادية او (قفشة من قفشاته) او ذلة لسانه فتصبح (مانشيتاً) فضفاضاً يؤثر الباب العباد او (بؤرة) لخبر تنداح منه أخبارٌ واخبار يتلقفها الناس وتلوكها الالسن ...لا مكان لقيمة أو فضيلة ولكن المهم فقط أن توزع الصحيفة و (يُحر سوقها ) وتسخر كمعول (فتاك) لتحطيم الآخرين أوالحط من قدرهم وايهام الرأي العام بأن هنالك قضية تستحق الاهتمام أو المتابعة ... تاريخ الصحافة السودانية المعاصرة حافل بمثل هذه (الاقاصيص ) حتى وإن انجلت الحقيقة يظل (رشاشها) عالقاً باصحابها تمشياً مع المثل المصري الشائع (العيار الما يصيبش يدوش) ولعل أحط ما في أدب (الصحافة) سلوك بعض ممتهنيها وليس أغلبهم بالتأكيد عندما يؤلون الكلم من مواضعه ويصطنعون المواقف وينصبون شراك المكر والدهاء لهم ولغيرهم واستغلالها (كمبارساً) لبلوغ هدف ما أو تحقيق غاية دون التدقيق في مظانها او الدوافع الخفية لمصدر الخبر ودون اخضاع الامر لأخلاقيات المهنة وشرفها ومعايير الذوق والقياس وخدش الحياء المتبع في أدبيات (صاحبة الجلالة) بإعتبارها سلطة (رابعة) لها مكانتها وقدسيتها طالما أنها تسعى لنشر الحقيقة وارساء دعائم الخير والفضيلة وتذكية النفوس وتطهيرها وطالما الصحافي الحق قائداً للفكر وليس مهرجاً في السيرك ... أسوق هذه المقدمة وأنا أشهد وأتابع بأسى بالغ التناول الصحفي الذي تديره ثلة من كتاب الأعمدة والرأي في كثير من صحفنا اليومية عن بعض الشخصيات الحكومية والدستورية النافذة ثم تتجاوزه الى نقد عنيف لسياسات الدولة ومؤسساتها وأساليبها في ادارة دفة الحكم والحياة وحتماً لا اعتراض في ذلك طالما هو واجب من صميم عمل الصحافة ونعمة من نعم الله علينا خَصنا بها دون سائر أمم وشعوب حولنا متى ما التزمنا بأدب وأخلاق المهنة ولكن ما ان تنظر حولك وتطلع على صحفنا مع بزوغ كل فجر جديد لا ترى غير عشرات المقالات (تدبلج) وتكيل التهم واللعنات على النظام ومؤيديه ورموزه ولا شيء يتغير أو يتبدل وفي الجانب المقابل وللأسف الشديد تجد قصوراً واضحاً في الرؤى الإيجابية سواء من الصحفيين المحسوبين على الحكومة أو النظام او المناوئين لسياساته يعزز الايجابيات او المنجزات بطرح وطني مخلص بدفعها وتقويمها والدعوة للاصلاح الوطني في اطار حوار راق وبناء تمارس فيه عمليات النقد الحصيفة للحكومة وحزبها الحاكم ولبقية الاحزاب المعارضة باسداء النصح لها بترتيب مؤسساتها وتوفيق أوضاعها لتكون مؤهلة فعلاً للدخول في لعبة (الديمقراطية) التي ارتضيناها سبيلاً لممارساتنا السياسية في الفترة المقبلة والمشاركة الفاعلة في اقرار الدستور الدائم للبلاد بدلاً من الانتظار على الرصيف والعمل على كشف سوءات النظام وعوراته ، ولكن لا هذا حدث ولا ذاك ... فنحن نقرأ أخباراً تختلف مصادرها وحبكتها و نقرأ ايضاً آراء حرة وجريئة تتجاوز حدود المألوف...نحن نشهد فقط سياسة النفخ في (القربة المقدودة ) أتعرفون الأسباب ؟ ... تأملوا الأسلوب الذي تتناول به الصحف هذه الاحداث حيث يغلب عليها أساليب السخرية والتهكم والهجوم اللاذع العنيف لتظل أغلبية صحفنا تدور في حلقات مفرغة وتكاد تنعدم في أغلبها مباديء الحس الوطني الشفيف ويبدو الشبه بينها بائناً في عناوينها و (مانشتاتها) البارزة وحتى في أخبارها ومصادرها الشيء الوحيد الذي تختلف فيه هو حجم صفحات الإعلان والتنافس المحتد فيما بينها لنيل أكبر قدر من هذه الإعلانات و(الإعلانات كما هو معروف في عالم الصحافة ملف مثير للجدل حتى في كبريات الصحف العالمية !) ... نعم هناك مقالات للرأي رائعة روعة كتابها وصحتهم النفسية المعافاة من كل غرض أو مرض ، وهناك أعمدة تستحق أن يشد إليها الرحال وأخرى تمارس عمليات تشويه (بشعة) لمفردات لغتنا الجميلة مظهراً ومخبراً وبين هذه وتلك الأعمدة الموغلة في فن السباب وإذكاء روح الفتنة والدمار وللأسف الشديد هي الأوفر ذيوعاً وانتشاراً ودعك من مقالات الرأي التي تعبر عن انتماءات كتابها ومناوأتهم للنظام أو معه فتنتهج من أسلوب اللهجة الحادة والساخرة والمستفزة ديدناً لها وبمثل ما لكل فعل رد فعل ( مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ) على حد رأي (نيوتن) تدور صحفنا في رحى هذا القانون وتعجن نفسها في فلك الاعتراك والبحث عن المجهول ! . وبالطبع لا نعفي التناول (الكربوني ) لأحاديث الساسة من الحكام والمعارضين وحصاد ألسنتهم و( تفلتاتهم ) الساخرة المستخفة بالآخرين لتجد من بعض الصحف مرتعاً خصباً للعب دور (المديدة حرقتني) مثل هؤلاء يجب أن يسدى لهم النصح من بوابة الصحافة علهم يرعوا ويتعلموا أدب الخطاب !. والاسئلة التي تطرح نفسها هذا السياق لماذا نكتب ؟ ولمن نكتب؟ وما هو الهدف من الكتابة اذا لم يجد ما نكتبه الأذن الصاغية والتفاعل المطلوب من الجهة المسؤولة التي طالها النقد او الهجوم ؟ الآن أروي لكم نموذجاً واحداً من هذه النماذج وفي يقيني أن القارئ السوداني من أذكى القراء يستطيع أن يميز بحاسته الذوقية العالية ما وراء الكلمات حينما تغيب الموضوعية وتسقط في مستنقع التشفي ولعل ما سقناه من أدلة وشواهد قد يكون مبرراً لنا ولغيرنا لإبداء هذا التوضيح بعد أن تحول (خبر) وكيل وزارة التربية والتعليم العام ( د. المعتصم عبد الرحيم ) وحافزه السنوي على الامتحانات إلى مقالات وأعمدة للرأي الصريح ... فأنا في هذا المقام ليس في موقف المدافع عن السيد وكيل وزارة التربية والتعليم العام وحافزه الذي يتقاضاه في العام وكيفية تصريفه كيفما يشاء فالوكيل هو الأجدر بالدفاع عن نفسه ولكني أدافع فقط عن قيم ومثل عليا يجب أن تسود ونداء للاخوة والأخوات الكتاب بالصحف أن يملكوا الرأي العام المعلومات الصحيحة وكل الجوانب القانونية التي تمر بها وألا يكون الخبر مبتوراً ناقصاً يفتح المجال للتأويل والشكوك فالامتحانات وحوافزها بالنسبة للعاملين في الحقل التربوي أمر معروف وحق مشروع حسمته اللوائح والقوانين ويستأثر بها الوكيل وغيره من أعضاء اللجان وتطال فوائدها ومخصصاتها كل المعلمين وغيرهم من المشاركين في لجان التصحيح وأعمال الكنترول وبقية أعمال الاختبارات ابتداء من أصغر عامل إلى قمة الهرم الوظيفي ولم يفصله الوكيل (على مقاسه) ويستطيع أن يؤكده للمرة الثانية على الهواء الطلق ولا حرج في ذلك ، ولكن المدهش حقاً أن يستغل هذا الخبر استغلالاً (بشعاً) من البعض ويحاولون أن يخرجونه (بسيناريوهات ) متعددة الأغراض والمشارب ولعل من المحزن جداً أن تأتي هذه الحملة المفتعلة في وقت تشهد فيه ( وزارة التربية والتعليم العام ) حراكاً تربوياً غير مسبوق تماشياً مع التوجه العام الذي تنتهجه الدولة بإعادة صياغة هياكلها وبناء قدرات عامليها والقضاء على الفساد والمفسدين واستنهاض قيم الأمة في البناء والإنتاج واتساقها مع قرارات (رئيس الجمهورية) بتصفية أكثر من (27) شركة تابعة للحكومة ورئاسته للجنة توظيف الخريجين ووضع ضوابط جديدة للاستيعاب وحصار المحسوبية والواسطة في طرق الاختيار ووقف الحوافز وربطها بالإنجاز والإتقان ، كل هذه وغيرها أحداث وطنية مخلصة تستحق الإشادة والدعم وتستحق أن تفرد لها الصفحات في الصحف بالتحليل والمؤازرة ، ولكن شيئ من هذا القبيل لم يحدث ! والآن للعلم فقط تنتظم وزارة التربية والتعليم العام هذه الأيام الإعداد لقيام (المؤتمر القومي الثالث لسياسات التعليم) وهذا المؤتمر للذين لا يعرفون أهميته وخطورته هو الذي سيضع خارطة الطريق الجديدة لمستقبل شباب الأمة ومسار منظومة التعليم العام في بلادنا بعد تقويم الواقع التعليمي القائم الآن من خلال عشرات الورش والمؤتمرات والاوراق العلمية المتخصصة شارك فيها نخبة من العلماء والمفكرين المختصين بالشأن التربوي والتعليمي بالتحليل والتشخيص مع ترك الباب مفتوحاً للمبادرات الوطنية الصادقة والاقلام الصحفية النيرة لإثراء الرأي واذكاء النقاش للافضاء بنظام تعليمي جديد يتوافق مع متطلبات العصر وتغيرا ت التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا في بلادنا ... هناك ايضاً الوافد الجديد لمنظومة التعليم العام ابتداءاً من العام 2011 - 2012م (التعليم التقني والتقاني) ابتداءاً من الصف السابع ذلكم المشروع الضخم الذي يتبناه نائب رئيس الجمهورية وتشارك فيه أكثر من (سبع) وزارات بعد ان اكتملت مناهجه ودربت كوادره كمنحىً جديداً تنتهجه وزارة التربية والتعليم العام من ضمن استراتيجياتها وتمشياً مع مدخرات الأمة وتكيفاً مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات النهضة الشاملة وللأسف الشديد لم أطالع صحيفة واحدة من الصحف السياسية أو غيرها تتناول هذه الموضوعات المفصلية بالتحليل والنقد إلا من أخبار خجولة لاتتجاوز بضعة أسطر (محشورة) حشراً في طيات صفحاتها الداخلية ... عشرات الورش وعشرات المؤتمرات وعشرات اللجان يقودها ويضع موجهاتها ويرعاها (الوكيل) الساعة تلو الساعة بلا تضجر وبلا اعتذار يسهم ويناقش ويجتهد على حساب صحته وطاقته التي أنهكها التعب والاجهاد وبطرح تربوي عميق لا يشبه فكر الآخرين ... عايشت كل مساعيه الخيرة لإعانة الضعفاء سواء في مكتبه الذي يعج بصفوف المنتظرين كل بمشاكله وهمومه أو في داره (الحكومية المتواضعة) التي لا تنقطع عنها ارتال الزائرين من المعارف والاقارب وأصحاب الحاجات ... عرفته عن قرب والله يشهد عن ذلك .. معاناته ومواقفه الإنسانية المشهودة وملاحقته المستمرة لرموز التعليم الذين اقعدهم الكبر وهدهم الفقر والمرض واصراره المتواصل لمتابعة أحوالهم وعلاجهم والتوثيق لتاريخهم التربوي الحافل ... هذا شأن أما الشأن الذي يعنيني أكثر في هذا المقال أولئك الذين يريدون عبثاً اغتيال شخصية (د. المعتصم عبد الرحيم) بهذه الحملة المستهدفة ونسف تاريخه السياسي الناصع الحافل بالجهاد والمجاهدات كواحد من أنقى وأصلب وأنبل كوادر (الحركة الاسلامية) أسهم ولا يزال يسهم بفكره وحكمته وسعة صدره وأفقه والانشغال الدائم بقضايا التعليم التي لا تنقطع ولا تنتهي رزيناً وقوراً لطيفاً يلهب المنابر خطابةً وفصاحةً وبيانا ورغم هذا هناك من يتحين الفرص لرميه بجريرة أو مسه بمكروه فحسبي الله ونعم الوكيل !! . عزيزي (د. المعتصم ) وكيل وزارة التربية والتعليم العام أمضِ في طريقك فان المصائب للمصاب فوائد فبالأمس قد خضت المعارك أشجع فارس واليوم في حرب البناء تجاهد فهيهات يعترض المسيرة نابح أو يوقف التاريخ قزم حاقد .