* يتحدث الناس في كل مكان عن الخراب.. فبعضهم يتحدث عن خراب البيوت، لكن أخطر أنواع الخراب هو خراب الذمم لأن الذمم إذا أصبحت خَرِبة فإن كل شيء في حياتنا يصبح خَرِباً، فالذمة هي الأمانة المعلقة في عنق حاملها وهي التي حملها الإنسان وحده «إنه كان ظلوماً جهولاً»، وينبغي أن يكون حملها له تكليفاً يكون مسئولاً عنه أمام الله سبحانه وتعالى لا تشريف ولا وجاهة يفاخر أو يفتخر بها بين الناس. * فالأمانة ابتلاء واختبار حقيقي للإنسان.. ويختبر الانسان في قوته أو ضعفه عند ثلاث: (السلطة والمرأة والمال) اختباراً لإيمانه وأخلاقه وذمته فإن أداها كما هي برَّأ ذمته وإن فعل غير ذلك يكون قد خرَّب ذمته فلا دين لمن لا أمانة له.. ولا دين لمن لا ذمة له. * فتبرئة الذمة من الأمانة وهي أمرٌ عقدي وأخلاقي ويقول تعالى في كتابه الكريم: (يَاَ أَيُّهَاَ الَّذِيِنَ آمَنُوُا لَاَ تَخُوُنُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَاَنَاَتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوُنَ) صدق الله العظيم. * فالذي يخون الأمانة التي تسند إليه أو يكلف بحملها يكون قد خسر الخسران المبين في الدنيا وفي الآخرة.. و(الخائن) منافق والمنافق خائن.. فأمانة التكليف ليست للوجاهة ولا التشريف ولا التباهي بها بين الناس، إنما هي مسئولية أمام الله سبحانه وتعالى يحاسب عليها الإنسان يوم الحساب إن قصَّر في أدائها أو أخفق في حفظها. فالذي يخون الأمانة تكون ذمته خرِبة والذي تخرب أو تفسد ذمته يُفسِد على الناس حياتهم بل يُفسِد كل شيءٍ في حياته حتى ترمومتر برامجه اليومية يكون خَرِباً ومتذبذباً بين لحظة وأخرى حسب مقتضيات الحال والظرف الذي يعيشه الإنسان في مثل هذه اللحظة. * والخراب دخل في حياتنا وفي أمثالنا الشعبية حيث يقولون: (البوم البعجبو الخراب) والبوم طائر شؤم ونذير شؤم لا يحب الخير للناس بل يتطير الناس منه لأن عيونه تعطي إيحاءات متشائمة للناظر إليها وطائر الشؤم هو (البوم) وفي أمثالنا: (خربت خراب سوبا) أو (عجوبة الخربت سوبا) فالذمم الخرِبة هي تلك التي لا دين ولا أخلاق ولا قيم ولا مبادئ لها بل إنها لا تتمنى للديار العامرة إلا الخراب والزوال ولا يعجبها في هذه الدنيا إلا الخراب، ولا ينبغي لهذه الذمم الخربة أن تعيش بين الناس إنما ينبغي عليها أن تعيش في «الخرابات» فتلك هي مساكنها الطبيعية التي ينبغي أن تسكن أو تعيش فيها، وإصلاح الذمم الخربة يعتبر مهمةً شاقة ذلك لأن ترميم الخراب أو إعادة تأهيله أو بنيانه من جديد يعد أمراً عسيراً لأنك إذا اردت تشييد بناء متماسك لابد لك من أن تزيل الأنقاض أولاً ثم تبدأ عملية البناء على أساس متين. * فالبيت الخرب يكون كل ما فيه خرِباً، كذلك صاحب الذمة الخربة تكون كل سلوكياته وأخلاقياته خرِبة وتكون حياته كلها خراباً.. وكما قال الشاعر: وليس بعامر بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خراباً