لم تمر سوى ثلاثة أسابيع على انفصال الجنوب الذي اثار جدلا داخليا واقليميا وعالميا،وادى الى تغيير كبير في جغرافية السودان وافريقيا،حتى احتدم جدل في الخرطوم حول الصورة الجديدة للسودان الذي فقد بفعل الانفصال 25% من مساحته الكلية والتي كانت تبلغ اكثر من مليون ميل مربع وتقلصت الى 1,881,000 كيلو متر، كما فقد حدوده مع يوغندا وكينيا والكنغو. وكشفت الصورة الجديدة الرسمية التي قدمتها هيئة المساحة القومية للصحفيين في مؤتمر خصص لهذا الغرض قبل ايام عن تقلص حدود السودان مع اثيوبيا وافريقيا الوسطى لتبلغ اجمالي ماذهب من حدود للبلاد مع جيرانها السبعة ،التي تربطها بهم علاقات اقتصادية و منافع كبيرة 8600 كيلو متر.الا ان الحكومة انتهجت سياسة بث التفاؤل وعدم الخوف بين المواطنين من تداعيات هذا الانفصال والمترتبات الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية التي افرزها،واشارت على لسان اكثر من مسؤول الى ان انفصال الجنوب سينعكس ايجابا على بقية السودان . وتبذل وزارة الاعلام جهودها لاطلاع العالم على وضع السودان الجديد، حيث كشفت صباح امس الاول النقاب عن ميلاد كتاب «السودان النيل والصحراء» الذي يضم اهم المعلومات والارقام عن الموارد الحقيقية التي يذخر بها السودان الجديد بعد التاسع من يوليو، وقالت الحكومة ان الكتاب سيوزع للمجتمع الدولي عبر الممثليات الاجنبيات في السودان،علاوة على التمثيل الخارجي، حسبما اشار وزير الخارجية على كرتي في حفل تدشين الكتاب،واعتبر كرتي ان الصورة والمعلومات الجديدة التي جادت بها قريعة الكتاب»هي الصورة الجديدة والحقيقية للسودان»،مشيرا الى ان الارقام الجديدة»هي الصورة الايجابية التي افرزها الانفصال»،وقال كرتي ان السودانيين الآن اصبحوا يستندون الى واقع حقيقي ومعرفة تامة بالموارد والمكونات الاجتماعية والقبائل واللغات واللهجات،مشددا على ان المعلومات والصورة الجديدة تحتاج فقط لبثها المكثف من قبل وسائط الاعلام لكي يتعرف عليها السودانيون،داعيا الجميع اليى عدم التحسر على الخريطة القديمة والوضع الجديد للسودان.ورأى وزير الخارجية ان الصورة الجديدة في كافة جوانبها تمثل» اضاءة جديدة ومستقبلا مشرقا» ، مضيفا ان الكتاب جاء في وقته تماماً لجهة ان السودان بعد الانفصال يحتاج الى توضيح لصورته الحقيقية نسبة للمعلومات السالبة التي بثت كثيرا فى الآونة الاخيرة، وزاد كرتي» ان الحساب الحقيقي هو الجرد لما نحن فيه، وماهي صورتنا ؟وماذا عندنا؟ وكم خسرنا؟ وماذا يمكن ان نقدم لانفسنا وللعالم؟.». اذن بحسب كرتي فان انفصال الجنوب كان ايجابيا و مصدرا للخير فى دولة الشمال الجديدة، لانها ساعدت على توضيح الصورة الحقيقية للموارد في الشمال، مما يتسنى للحكومة فى الخرطوم التركيز على ما تملك من موارد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. غير ان بعض المراقبين يحسبون ان حديث الحكومة عن صورة السودان الجديد،التي تتقلص فيها ربع مساحته ليست قراءة متأنية للصورة الجديدة للسودان، بحسب مايشير الى ذلك الخبير الاستراتيجي ميرغني بن عوف والذي وصف ل (الصحافة) بالامس حديث الدولة عن ايجابية جغرافية السودان بعد الانفصال ب»الحديث الاستهلاكي»، مشيرا فى هذا الصدد الى ان السودان قبل انفصال الجنوب كان ينعم بمساحة تقدر بمليون ميل مربع، ويزخر بموارد واراضي خصبة عجزت الحكومة عن استغلاها على مدى عقود. ومضى بن عوف ليؤكد ان آثار الانفصال السلبية انعكست على حياة المواطنين، مشيرا الى واقع غلاء الاسعار وصعوبة المعيشة وانخفاض سعر الجنيه، رغم ان انفصال الجنوب لم يمضِ عليه سوى 3 اسابيع، لافتا الى ان السودان فقد منافذه بالكامل مع اكثر من5 دول كانت تمثل نموذجا للتعاون الاقتصادي بينها وشعب السودان كنتاج مباشر لهذا الانفصال،وشدد بن عوف على ان المعلومات الاحصائية والارقام الاستقصائية التي تشكل جغرافية واقتصاد البلدان بعد الانفصالات،تستلزم مرور العديد من الاعوام لظهور مؤشراتها الحقيقية، ومن ثم يتسنى للجميع» الحكم عليها سلبا او ايجابا». وعد بن عوف حديث كرتي بشأن صورة السودان بعد الانفصال بالحديث السياسي وقال انه محاولة لوضع الملح على الجراح،لافتا الى ان حديث الحكومة عن الايجابيات يحمل متناقضات جمة، اذا ان الدولة اقرت بوجود آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد السوداني بانفصال الجنوب،فيما يتحدث كرتي والاعلام عن الصورة المتفائلة، واشار الى ان الخسائر الاقتصادية هي التي تحدد الصورة الجديدة للسودان سواء كانت ايجابية ام سلبية. غير ان الوطني لا ينظر الى الصورة الجديدة للسودان من زاوية الخسائر الاقتصادية التي جناها من الانفصال، وهذا ما اكد عليه القيادي بالوطني ربيع عبدالعاطي،والذي اعتبر ان الصورة الجديدة للسودان بعد الانفصال ايجابية للغاية، لجهة ان هنالك تناغم وتناسق بين مكونات الشعب السوداني،مشيرا الى ان 98% من سكان البلاد من المسلمين، بعد ان كانت نسبتهم قبل الانفصال 70%. واعتبر في حديثه ل(الصحافة) بالامس ان ذلك الامر يحدث تناغماً يساعد في تحقيق اهداف الدولة،بالاضافة الى مساعدة الحكومة في ادارة الحكم بطريقة رشيدة،واظهار الصورة الايجابية للسودان. واتفق عبد العاطي مع الرؤية الحكومية لصورة البلاد الجديدة بالرغم عن خسارتها اكثر من 70% من عائدات البترول، ورأى ان الجنوب كان عبئا على الشمال لجهة ان الحكومة كانت تقوم بالصرف على كافة الولايات الجنوبية من الخزينة العامة،فى حين ان ولايات الجنوب ليست بها ايرادات للصرف على شؤونها. وكشف عبدالعاطي ان الحكومة صرفت على الحركة الشعبية اكثر من 3 مليار دولار خلال الفترة الانتقالية،واكد ان نسبة البترول التي كانت تتقاسمها الحكومة مع الحركة الشعبية،كانت تذهب باغلبها لتسيير الولايات الجنوبية،وقال القيادي بالحزب الحاكم ان الولايات الاخرى في الشمال والشرق والغرب ظلت طوال الفترة الماضية تصرف من ايراداتها المحلية. واشار الى ان خروج اكثر من 9 مليون شخص هم سكان الجنوب من مظلة الخدمات التي تلتزم بها الحكومة يمثل توفيرا كبيرا يماثل نسبة عائدات البترول المفقودة. بيد ان عبد العاطي اشار الى ان بترول الشمال يزيد على بترول الجنوب كما انه يتمتع بافضلية من ناحية الجودة،وقال ان حقول «هجليج» و»دفرة «و»الفولة»،التي تتبع للشمال تحتوى على اجود انواع البترول في العالم.وطالب ربيع الشعب السوداني بالصبر حتى تتضح الصورة الجديدة للبلاد التي افرزها الانفصال،غير انه اشترط ادارتها بصورة راشدة لترجمة ايجابيات هذه الصورة. الا ان عبدالعاطي اعترف ان الخسارة تكمن في انتقاص مساحة السودان، وان الدول ذات المساحة الواسعة تستند على مكانة دولية كبيرة، مشيرا الى ان قوة الولاياتالمتحدة تأتي في مساحتها. بيد ان البعض يضع الصورة الجديدة في اطارين مختلفين، وهذا ما ذهبت اليه الخبيرة في الشؤون الافريقية واستاذة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الازهري سلمى الكارب، والتي راأت في حديثها ل(الصحافة)ان الصورة الايجابية للسودان التي افرزها الانفصال هي ايفاؤه بالتزاماته تجاه اتفاقية السلام الشامل بصورة كاملة، والتي نال بموجبها اعجاب المجتمع الدولي. غير انها ترى ان الجانب الثاني من الصورة الجديدة للسودان يكمن فى تمزقه الى نصفين،مشيرة الى ان ذلك صنع صورة سيئة للسودان ستظل عالقة في النفوس لابعد وقت ممكن،واتفقت سلمى الكارب مع الخبير الاستراتيجي ابن عوف على الحكم الحقيقي على صورة البلاد بعد الانفصال لا يمكن ان يتم الآن بعد اقل من شهر من ذهاب الجنوب، معتبرة ما تقدمت به وزارة الاعلام ( قراءة اولية) لتلك الصورة الجديدة احصائيا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.