الخرطوم عاصمة لدولة السودان الحديثة منذ نشأتها وربما لسنين قادمات فى رحم المستقبل، وهذه الميزة رغم وجاهتها من الناحية الإستقرارية إلا أنها قد جلبت للخرطوم الكثيرمن العلل والاوجاع أبرزها فقر الدم الجمالي والهزال التنظيمى والفوضى غير الخلاقة مما اثقل كاهل الحكومات التى أشرفت على العاصمة الخرطوم منذ المعتمدية وحتى ولاية عبدالرحمن الخضر الذى ظل يمشى مشدوداً على سيرك (حبل) العبور بين نقطة الواقع وضفة الطموح المنشود لعاصمة حضارية يسكنها ثلث (3/1) السودانيين وبعض الاجانب. 00 ومن أكبر الأخطاء التراكمية للدولة الحديثة في السودان انها حرصت على جعل الخرطوم أن تكون هى العاصمة وهى المدينة الاولى وهى المبتدأ وهى الخبر دون غيرها من بقية المدن فى السودان، مما أفرغ الريف وأفقرة فتدفق السكان فى هجرات راتبة الى الخرطوم فاستقروا فى اطرافها دون خطط مسبقة للإستيعاب والتوطين فترهلت العاصمة وإنتفخت أحشاؤها بما يعسر هضمه فمرضت وشحبت وتدهورت أحوالها فأصبحت عصية على علاج المسكنات والقرارات الخاطفة . 000 فوضعية الخرطوم (بمدنها الثلاث) عصية على أى تغيير نحو الافضل مما جعل كافة محاولات إنقاذها تروح شمار فى مرقة، الامر الذى جعل منها منصة هجوم صاروخي لتدمير أى والٍ يحكمها وستظل هذة الثغره مصدر الصداع الدائم للنيل من اية حكومة حاضرة كانت أوقادمة مالم يتم سدها وفق أسس ورؤى علمية يتم تطبيقها بإحترافية الجراحة بعيدا عن مجاملات السياسة وملاطفات التحيز؛ لأن الكى بالنار ربما يكون آخر مراحل العلاج التى تسبق مرحلة اليأس. 0000 وحتى لاتلقى الخارطة الموجهة للخرطوم العاصمة مصير ماسبقها من خطط وبرامج تم إعدادها وسط إعلام عالى الرنين وتحت أضواء ساطعة ورغم ذلك تبخرت كل الجهود تحت تأثير حرارة الواقع السودانى المشهود له بالنمطية والتلكؤ والمجاملات، و للخروج من مستنقع وحل الخرطوم الى فضاءات أرحب يجب أولا الحد من هجرة الريف الى العاصمة فى إطار سياسات راشدة تعيد للريف ثقته فى نفسه بتوفير قاعدة الخدمات الاساسية وفى مقدمتها التعليم والصحة وفرص العمل، وهنا يكمن التحدى. وثانياً على مصلحة الاراضى والتخطيط العمرانى عمل مراجعات دقيقة وشاملة لكافة القرى التى تمددت حول العاصمة وتوفيق اوضاعها بعيدا عن البعد القبلى الذى أضر بالعمل التنفيذى. وثالثاً يجب إعادة النظر فى ملامح بعض الأحياءالقديمة الضيقة فى قلب أمدرمان وبحرى والخرطوم بإعادة تخطيطها وفتح منافد الدخول إليها والخروج منها، مع إعادة توطين الفائض فى مواقع مخططة جديدة مهما كلف ذلك من مشقة وعنت وصراخ جماهيرى قد يصاحب هذه الجراحات . كما أن على الدولة أن تفكر وبإرادة قوية فى نقل العاصمة الى إحدى مدن السودان الاخرى فى تجربة ستعيد شيئاً من التوازن فى تنمية المدن بالسودان ويمكن للدولة ان تسبق إجراءات المستقبل الطموحة بإعادة توزيع المرافق والمؤسسات والوزارات الحكومية بين المدن الثلاث لتخفيف الضغط العالى على قلب العاصمة ليرتاح قليلاً . ولاننسى أن إصحاح البيئة وتطوير شبكة المياه والامداد الكهربائى المنتظم هى من أهم مقومات بناء المدن الحديثة وإعادة النظر فى شبكة الطرق الحالية بالعاصمة لايقل أهمية عن ما سبق ذكره!! وللخروج من هذا النفق لابد للدولة من تخيف الجرعة السياسية والتعامل مع قضية تطوير الخرطوم بمبدأ الجراحة المهنية.. ودمتم....... [email protected]