جعلت كافة حركات التمرد الدارفورية( أسوة بغيرها على مرالعصور) من رفع شعارات التنمية خارطة طريق تهتدى بها في غرس منفستو مطالبها في ارضية وجدان جماهير الرقعة الجغرافية التى تمثلها وعبر هكذا مدخل نجح التمرد في الانطلاق من قاعدة المطالبة بالتنمية وجعلها بمثابة حصان طروادة يمتطيه ويعرض به على الملأ في زهو وحبور نضالى. باعتبار ان كلمة التنمية كمدخل للحوار والتسويق تعتبر جملة ساحرة ومدغدغ قوى الفعالية للاحاسيس والمشاعر ...والمفارقة المحزنة ان كافة الحركات التى قاتلت الحكومة لم تتردد لحظة واحدة في الحاق الاذى الجسيم بواجهات التنمية المحلية في انتقام عنيد جامح فبرعت مليشياتها المسلحة تحت غطاء دخان المعارك في حرق دور الحكومة والاعتداء على الحق العام باعتبار ان رسالة التمرد ستصل عبر هذا الاسلوب الى المرسل اليه بسرعة البرق الخاطف بغض النظر عن الآثار الجانبية لهذه الوسيلة المدمرة عالية التأثير على مناعة الامن القومى والمحلى بدليل ان جميع معسكرات النازحين قد اتت الى الحياة من رحم آثار الحرب بالهروب الى المعسكرات حول المدن الرئيسة بحثا عن الامن والامان والغذاء والمأوى فتناسلت تجمعات النازحين واللاجئين بصورة لافتة جسدت الخراب المادى والدمار المعنوى بصورة وفرت ارضية خصبة لزرع الفتنة التى طوقت الوطن في حصاد بائس لما زرعته ايدينا... وبقراءة متأنية لمفردات الخارطة الزمنية لعملية التنمية في السودان الحديث(حكومات ما بعد الاستقلال) نجد حقا ان عقلية الساسة قد جعلت من الاقتصاديين مجرد افندية مطيعين لرغباتهم التى قاومت باصرار مبدأ حيادية الاقتصاد مما كرس للجهوية والبسها لباس المنطق واهلها لقيادة الرؤية الاقتصادية في تحدى سافر لبديهية العلم مما افقد البلاد فرصا كبيرة في الاستفادة من مواردها واستغلالها بشكل افضل، وكان من الاجدى ترتيب الاولويات حسب الحاجة في اطار الامكانيات المتاحة ولكن منهج ساس يسوس قد فرض بصمته المميزة التى اهملت قطاع النقل في بلد بمساحة قارة وكذلك لم تتردد السياسة ابدا في التخلص من مشروع الجزيرة وبالغت جدا في اهمال الريف الذى رد التحية باحسن منها بالزحف الى العاصمة وتطويقها في حصار عجزت معه كل الاستجداءات والتوسلات في تفكيكه مما القى بظلال سالبة على عافية العاصمة القومية فمنحت لقب كرش الفيل في دلالة واضحة على عجز السلطات عن احتواء الآثار السالبة للنزوح .واهتداء بمؤشر الصدفة اصبحت قافلة حياتنا تسير نحو مجهول نغالط نفسنا والحقيقة بانه المستقبل الذى لاحت في الافق البعيد بشائره ومازلنا نكابر باننا نسير في الاتجاه الصحيح لبلوغ غايات الهدف النبيل بتحقيق التنمية المبتغاة التى تقضى على الفقر والجهل والمرض وتجعل من السودان وطن الاحلام الذى يجد فيه بنوه طعم السعادة بالانتماء اليه والتغنى من الاعماق والترديد بصدق طاغى كلمات الشاعر الفحل اسماعيل حسن تصور كيف يكون الحال لو ماجيت من ديل واهل الحارة ما اهلى الخ....القصيدة الفلتة التى يؤكد مضمونها ان شاعرها قد كتبها ابان العصر الذهبى للوطن (عندما كانت فكة الجنيه تلاته ورقات)............... . أما في جزئية أحداث التنمية في دارفور فمن الاهمية بمكان ان نثمن شجاعة حكومة البشيرالتى استجابت(رغم اللولوة) لمطالب التمرد بالتوقيع على اتفاقية ابوجا التى على ظهرها دخل مناوى القصروبنفس الملامح مع تغيير طفيف في المساحيق ولدت اتفاقية الدوحة التى يسوق ويروج لها القادمون على متنها بقيادة الرجل الخلوق سيسى الذى تبدو الطمأنينة على ملامحه رغم تواضع قدرات نائبه التى اخشى ان تكون واحدة من الحلقات الضعيفة في سلسلة القيادة وربما يشفع تواجد تاج الدين نيام في سد ثغرة الدفاع في حالة حدوث هجمة مرتدة خاطفة على مرمى الاتفاقية الذى اشفق عليه جدا من المهارات العالية واللياقة المعرفية وخبرات لعيبة التيم الآخر(اظنكم عرفتوقصدى) والسؤال المحوري الذى ينتظر الاجابة هو كيف تتحقق التنمية الحقيقية في ربوع دارفور؟؟؟ ومن باب الاجتهاد واستنادا على خبرة مهنية تجاوزت ربع قرن من الزمان في العمل الاقتصادى والمالى والاستشارى مضافا اليها معرفة انسانية بدارفور التى فيها ولدت ونشأت وترعرت وعملت بكافة ولاياتها واعرف عن قرب اهلها ومكوناتها الاثنية وواجهاتها الاجتماعية والاهلية والشعبية وامتلك رصيداً صداقى ضخم اعتز به مع جزء كبير من مفردات الجهاز التنفيذى بكل من شمالها(العزيز حيث ولدت وتزوجت)وجنوبها (المحبوب حيث الاهل والعشيرة) وغربها (الذى اكن له الوفاء كله) وشرقها (حيث التميزوالسماحة). ومن خلال هذا الكم من الرصيدالتراكمى والمعرفى ارجو ان ادلو في تواضع تام بدلوى فى اجتهاد مبسط جدا من افندى مهنى فقير من كل شئ عدا الايمان بالله وحب الوطن وكفى.. واختراق جمود ملف التنمية بدارفور يتطلب قدرا عاليا من الشفافية في تحديد الاولويات المطلوبة عبر اشراك اصحاب الوجعة (المجتمعات المستهدفة) وليس اهل المصلحة الذين شرفوا الدوحة ولكنهم بعيدين عن وطأة الجمرة مع الاهتمام برفع قدرات تفكير المجتمعات المستهدفة عبر برامج تدريب مكثفة تحت اشراف بيوت خبرة متخصصة(تجربة صندوق تنمية المجتمع) وفى الجانب الآخر يجب ضخ اموال التمويل لمشروعات التنمية واعادة اعمار دارفور عبر قنوات معلومة تمتلك الرصيد المهنى الذى يؤهلها لممارسة دورها باعلى كفاءة مع تفعيل دور وزارات المالية الولائية في الاشراف والتنفيذ والرقابة ورفع قدرات كوادرها بالتدريب والتأهيل واشراكها فعليا في كافة مراحل الاعداد والتقييم والتقويم والمشجع اكثر ان على كابينة القيادة التخطيطية بوزارات المالية الولائية كوادر مشهود لها بالكفاءة والتميزوالقدرة في كل من الفاشر(حافظ التجانى)ونيالا(حسين عمر) والجنينة (معلمنا ابوحنفى) وعلى صعيد متصل يمكن جدا توظيف القدرات الهائلة لمجتمعات دارفور في مجالات التكافل والنفير في اعادة بناء ما دمرته الحرب خلال عقد رُسمت (بضم الراء) ملامحه بالدم وطليت جدرانه بالمرارات.. .. وحتى لاتستمر ساقية تنمية دارفور في دوران لاهث ضد ثوابت ومسلمات الواقع يجب وبحسم اجرائى عالى المصدر تجفيف مصادر ومرجعيات العمل التى تتحرك في مسارات متصادمة وتوحيد الجهة التى تتولى عملية التنمية بدارفور واحكام آلية تنسيق واحدة تتولى ضبط الايقاع وتوزيع الادوار بدراية محسوبة ومقيدة بقوة القانون واللوائح لسد باب (البرطعة والخمج) ولتوجيه الموارد المخصصة للتنمية الى وجهتها الصحيحة التى تؤمن دفع التعويضات واعادة الحياة الى مشروعات استراتيجية كمشاريع تنمية جبل مرة وهيئة تنمية غرب السافنا ومشروع درء آثار الجفاف بشمال دارفوروتطوير شبكات المياه في المدن الرئيسة ويضاف الى ذلك اهمية توفير مصادر المياه الريفية بالقدر الكافى للانسان والحيوان معا ولابد لثورة التنمية في دارفور ان تضمن تطوير شبكة الطرق التى تربط مدن الاقليم بقلب السودان ولامعنى للتنمية اذا لم تحقق مبدأ الاستفادة من الميزات النسبية لدارفور بتحسين الانتاج الحيوانى وخلق التوسع الزراعى بادخال المكننة الزراعية ورفع سقوفات التمويل الزراعى والمطلوب من كل تلك المدخلات ان تخلق مناخا مواتيا للاستقرار والنماء وقطع دابرالجهل والعطالة ومحاصرة بؤر الفقر لتثمر التنمية كغاية استقرارا ونماء و من الحكمة ان يلعب الاعلام الوطنى دور التأمين في حماية السلام وحفظ الامن بدارفورو كفى الوطن صداع الحرب المفروضة على السودان. باسم دارفور وبمنتهى المسؤولية يجب ان نقر جميعا ان التنمية غاية نبيلة ولكن عادة ما تقهرنا الوسائل في الوصول اليها... وما قضية دارفور الا نتاج لتراكمات غياب الحس الوطنى وعدم الواقعية في التعامل مع المشكل بابعاده الحقيقية منذ مطلع الستينيات وحتى الآن.. ومازال هناك بصيصا من الامل ومتسعا من الوقت لاحداث التنمية فقط يلزمنا حسن التدبير على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية و لا نغفل ان الوقت يتسلل من بين ايدينا ومازلنا نكابر ونمارس مع سبق الاصرار منهج الغاية تبرر الوسيلة ... ودمتم . [email protected]