تقوم في البلاد في ابريل المقبل انتخابات عامة لاختيار نواب البرلمان، ولاختيار رئيس الجمهورية. ولرئاسة الجمهورية، او الولاية الكبرى كما يسميها اهل الفقه السياسي الاسلامي، مطلوبات تفوق مطلوبات النيابة البرلمانية، وفي المقال هذا اجتهد لازكي ترشيح عمر حسن احمد البشير لمواصفات اراها غالبة على بقية المرشحين، يتميز بها ويفوقهم بها استعداداً وقدرة وتحملا لتبعات الرئاسة في الفترة المقبلة ما يؤهله لان نزكيه على بقية المرشحين. لقد تسلم عمر البشير السلطة في الثلاثين من يونيو عام 9891م في ظروف حرجة ادخلت البلاد في ازمات كادت تعصف بالسودان، واحاطت بالبلاد اخطار داخلية تمثلت في تمرد غالب في الجنوب يكاد يقتطع بالقوة جزءاً كبيراً من الوطن الموحد، وقد اظهر البشير مقدرة فائقة وقيادة مقتدرة في تحمل أعباء الرئاسة في هذا الوقت العصيب، انقذ به البلاد من خطر الانشطار وقاد معركة شرسة من أجل وحدة البلاد وسلامتها. ولقد كان ما في البلاد في نهايات ذلك العهد الحزبي يجسد حالات التعثر التي يعقبها الانهيار الكامل في كل شيء. لقد طحنت البلاد أزمات اقتصادية متوالية انهزمت الحكومة فيها امام غول السوق الفالت وسقطت المدن الواحدة تلو الاخرى في يد التمرد الغالب، وصارت العاصمة وكل المدن الكبرى في السودان مجموعة من الصفوف الطويلة، انتظاراً لقطعة خبز او كوب وقود أو جرعة ماء. في ظل ذلك التردي الهالك امتلكت القيادات الحاكمة طاقة جبارة في الهروب من الاحداث والقتال في ميادين بعيدة عن هموم المواطن، فعم البلاء وفجع الناس في الحكومة التي طال بعض قياداتها اتهامات في الفساد والتعامل مع جهات أجنبية، لقد انغرست سهام الحيرة في نفوس المواطنين وصار الحليم منهم حيراناً لا يدري ما يخبئه القدر للناس في غدهم ومستقبلهم، وصار الجميع يخطبون ود التمرد، آملين ان يطيل ذلك من زمنهم في الحكم. ولا جدال ان تلك المرحلة قد واناها ضعف عارم وانهيار تسرب لكل جسم الدولة. وفي ظل هذه الظروف عزفت الموسيقى الانغام العسكرية ايذاناً بتولي الجيش للحكم في دورة جديدة من تعاقب الحكم الذي ظل سجالاً بين حكم مدني يخيب فيه الرجاء، وهبة من الجيش تدعو للاصلاح والصدق والشفافية، ثم ما يلبث ان يقع نظام الحكم العسكري في امراض الحكم المدني الذي انتفض عليه فتقوم دورة جديدة من الحكم. وتساءل الناس: هل هذه حلقة في الدورة الخبيثة بين الحكم المدني والعسكري؟ من هؤلاء؟ وما هي هويتهم؟ واي نظام للحكم يريدون؟ وبدأت تتجمع خيوط النظام الجديد ليظهر نظاما وطنياً اسلامياً يرفع شعار الانقاذ لاخراج البلاد من وهدتها التي كادت تعصف بوحدتها وكيانها. لقد استبان من اللحظات الاولى للحكم ان لرئيس مجلس الثورة آنذاك كاريزما خاصة تختلف عمن سبقوه من الرؤساء العسكريين، فهو قد صعد فوق ركام هائل من المشاكل والضعف الاقتصادي والسياسي فاظهر تعاملاً حازماً وحازقاً مع كل مشكلات الدولة وابدى قدرة فاعلة على التأثير في مجريات الاحداث المحلية والاقليمية. وابدى في خطاباته الاولى قدرة محترمة على التفاعل مع المواطنين ما اكسبه حبهم وتقديرهم فسعى بتؤدة وحزم لتأسيس نظام الحكم الجديد. وسعى من اول يوم لاحياء معاني التضحية والفداء وحب الجهاد ليدفع عن البلاد استعلاء التمرد، فاندفع الجميع في معسكرات التدريب، وصاحب ذلك مؤتمرات سعت لوضع تصور لحل المشاكل الماثلة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وخرجت تلك المؤتمرات بتصورات كان ينبغي للجهات التنفيذية النهوض بها لمستوى التنفيذ الواعي، ولكن لضعف العزيمة التنفيذية لمعظم القيادات التنفيذية، سار على هذه التوصيات الزمن وما رأى الناس من تنفيذها الا القليل. وقد سعى البشير لاستنهاض هذه القيادات الادارية وجعل لها جائزة للتفوق والامتياز هدف من ورائها ان يتنافس العاملون في التجويد والابداع في اعماله، وان يصحب ذلك عمل دؤوب في التدريب والاستنهاض لهمم العاملين والتحسين للاعمال بهدف تقديم خدمات أفضل وانجاز اعمال اكبر وافيد للبلاد. لا يشك انسان في ان الرئيس قد افرغ وسعه وبذل جهده، وقد وجد بالفعل صعوبات، لإحداث تطور في البلاد، فرعى الاستراتيجية القومية الشاملة، وتابع تنفيذ الخطط والبرامج، واقام المشروعات وافتتح الانجازات. فقد انتظمت البلاد ما يمكن ان نقول عليه ثورة في الطرق والتعليم والخدمات الصحية وكافة مناحي الحياة. وقد يعترض اناس على ما صاحب ذلك من اخطاء وترد في مناح اخرى، ولكن هل يسلم العمل البشري من اخطاء هي من لوازم البشر؟ وهل يأمن الخطأ الا من ركن للسكون وابى العمل والاجتهاد؟ ان لازم عمل الحكومة التي رأسها الرئيس البشير لعقدين من الزمان من اخطاء لا ترقى البتة لان تقارن مع ما تم من انجازات موجبة عملت على تغيير حياة قطاعات واسعة من المواطنين وشمل التطوير مناطق نائية ما كانت تحلم بها ان تصلها يد الحكومة تغييرا وتطويراً. لقد كانت الازمات الداخلية تدفع بالجبهة الداخلية للانفجار بسبب تداعيات الوضع في الجنوب، ما اثر على معنويات القوات المسلحة وتهددت الوحدة الوطنية، فاظهرت حكومة الانقاذ بقيادة البشير حرصا ظاهراً لدفع جهود السلام بعد ان كسرت شوكة التمرد وانهت استعلاءه، فسعت الحكومة للسلام بوفد رأسه نائب الرئيس شخصياً، هدفا لانهاء ذلك الاضطراب في الساحة السياسية نتيجة للعنف والحرب، وتحقيقاً للاستقرار وتوحيداً للجبهة الداخلية، فقفز بذلك فوق كل المزايدات التي كانت تصاحب مفاوضات السلام، وتجاوز عن كافة ضغوط الهيمنة والوصاية التي كانت تمارسها جهات عديدة مبتعداً بهدفه عن التناحر والتآمر ما ادى الى توسيع القاعدة المشاركة في عملية السلام ووقف الحرب والدمار. لقد كان موقف الرئيس البشير من محكمة الجنايات الدولية موقفاً شجاعاً وقوياً، لم يتردد فيه الرئيس لحظة واحدة. لقد استبان من الوهلة الاولى الغرض والهدف من وراء توجيه الاتهام له، فالعالم مليء بالرؤساء الذين يسومون الشعوب في كل مكان كل الوان الخسف والهوان، يستحلون دماءهم واموالهم ويهتكون الاعراض ويهلكون الحرث والنسل، والنظام العالمي يقف مشدوها حيالهم بل يصفق لهم. لقد كان لوقفة الرئيس الشجاعة اثر واضح في التفاف الشعب حوله، وتفويت الفرصة لمدعي العدالة العالمية الذين ذبحوا هذه العدالة على سهول فلسطين والعراق وفي جبال افغانستان. لقد اهتم الرئيس البشير بعلاقات السودان الخارجية، خاصة مع الدول العربية والافريقية، فقام بزيارات عديدة لهذه الدول، فاهتم بأمن السودان مع هذه الدول لانه يشكل الداعم الاول لمسيرة التنمية والتطور، ورعى الاتفاقات الثنائية والمشروعات المشتركة، واهتم بالجاليات السودانية في كل مكان زاره والتقى بهم شاكراً ومؤكدً على دورهم الوطني تجاه بلادهم فحفزهم لمراعاة سمعة السودان ولبذل الجهد في مساعدة اهلهم ووطنهم، كما وعدهم بحل مشاكلهم وتذليل ما يواجههم من صعوبات في المهجر وفي الوطن عندما يعودون اليه او في اجازاتهم. ان للرئيس البشير تجربة واسعة في الحكم امتدت لاطول فترة يحكم فيها رئيس السودان، واتسم عهده بتطورات كثيرة اكسبته حكمة وحنكة في التعامل مع المشاكل الماثلة. والسودان بموقعه الجغرافي المميز، وبما فيه من امكانات لم يتم استغلالها بعد، وبالنظر الى التعقيدات الكبيرة التي تحكم العلاقات بين الدول الآن، وما انتظم العالم من تطور هائل في العلوم والاتصالات، واصبحت المسلمات القديمة من اخبار العالم القديم، بهذا الوضع يحتاج السودان لرئيس اكثر خبرة ودراية بنظام الحكم وسياسة الدولة. وبالنظر لضعف المؤسسات الحزبية وتواضع خبرتها في الحكم والادارة عموماً، فلا يتوقع المرء ان تفضي لنا الانتخابات برئيس يفوقه خبرة وفعالية، والفترة المنظورة بعد الانتخابات ستكون فترة بناء مؤسسي تحت ظل برلمان ديمقراطي تحتاج فيه لمؤسسة رئاسية ترعى التجربة بقدر عال من الحكمة والحنكة حتى لا تعزف لنا موسيقى من مغامر مغمور يعيد فينا الدورة الخبيثة من جديد بين تقلبات الانقلابات والديمقراطية. ان السودان آن له ان يرتاح على تجربة متمكنة وثابتة تحكم فيها الديمقراطية، ويرتضي فيها الناس التحاكم الى الشعب ليختار من يحكمه، ويحتاج لهذه الفترة ليقيم مؤسسات شورية تعتمد الكفاءة وترسي قيم العدل بين جميع الناس وترعى المواثيق والعهود بين فئات المجتمع اجمع. لقد توطد حكم الرئيس البشير وحمى البلاد من اخطر مراحل التمزق والتشرذم ونجا بالسودان من ضروب كثيرة من محاولات الهيمنة بفضل الله ثم بفضل قيادة واعية تميز بها الرئيس. ولا زالت البلاد تغالب ظروفا شرسة من داخلها وخارجها وما حولها، فذلك شأن كل من يحاول ركوب سفينة التحرر من التبعية، ولكنها ستصل الى غايتها لان الحق يدعم المسيرة، ولأن الامر سائر الى نماء فلن يعجز عن مغالبة الصعاب والازمات التي ستواجه الحكم في الفترة القادمة. صعوبات ستهزمها عزائم الرجال وستجعلها جزءاً من عملية التطور الذي بدأته الانقاذ وسيمضي لنهايته. وعلينا ان نتذكر ان هزيع الليل الاخير هو أشدها ظلاماً ولكنه ايضا الرحم الذي ينبثق منه الفجر.