شهدت أيام التشريق لعيد الأضحى المبارك أحداثا سودانية ساخنة كان أولها احتفال رئيس الجمهورية المشير عمر البشير مع قواته المسلحة بإعادة تحرير مدينة الكرمك وإقامة صلاة العيد في ساحاتها تأكيداً لما صرح به الرئيس بناءً علي المعلومات الاستخبارية الموفرة ، ومن ضمن الأحداث قيام حكومة الخرطوم عبر المحافل الدولية بتجديد اتهاماتها لحكومة دولة جنوب السودان بأنها تسعي لخلق الأزمات في الشمال وترعي من تسميهم الخرطوم بالمتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق ، منوهة إلى أن لديها أدلة تؤكد صدق مزاعمها. وعلي الصعيد الآخر نفت حكومة الجنوب ضلوعها في أي عمل عدائي ضد الشمال وجاء النفي علي لسان الرئيس سلفاكير وزادوا في النفي إعادة ذات الاتهام الي الخرطوم مؤكدين صدقيتهم بما تكشف لهم من معلومات بعد القبض علي عبد الرحمن سولي احد من تزعم جوبا انه متمرد بأمر حكومة الشمال ويتلقي الدعم والسلاح منها ، ولم تتوقف مفاجآت أيام العيد علي الاتهامات المتبادلة بين شريكي نيفاشا فقد أصدرت الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال - بياناً ثالث أيام العيد أكدت فيه أن القتال تجدد ثاني أيام العيد خارج مدينة الكرمك ما يعني بأن المعارك?ما تزال مستمرة وأن المشكلة لم تنته بعد وان الإحتكام إلى البندقية ربما لن يصنع الاستقرار لا في جنوب كردفان ولا النيل الأزرق بل ربما يرخي بظلاله علي مجمل الوضع الأمني في بقية ولايات ما تبقي من شمال السودان . بيد أن أكبر تحديات الحكومة خلال الأيام الفائتة هو اتهام المجتمع الدولي للخرطوم بقصف معسكرات ومخيمات اللاجئين الفارين من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وهو الاتهام الذي وظفته حكومة الجنوب غاية التوظيف للرد علي اتهامات الخرطوم لها ، أن تبني المجتمع الدولي ومؤسسات الأممالمتحدة للاتهامات الخطيرة الأخيرة يؤكد أن مناطق النزاع الحالية أصبحت جنوباً جديداً مع سبق الإصرار والترصد، وأنها ستحظي كما حظي الجنوب من قبل بالوضع اللائق الذي كان يطالب به وهو ما فشلت فيه الخرطوم وضيقت علي نفسها مساحات المناورة حتى تراجعت?بالكامل عن مساحة عظيمة من الترابالسوداني لصالح المخططات الأجنبية الرامية إلي تفتيت وتقسيم السودان علي أسس قبلية وعنصرية مأفونة - هذا عدا المساحات والمثلثات الأخرى المسلوبةوالمسكوت عنها - ان الخرطوم تتحمل كامل المسؤولية عن قصور فهمها السياسي والوطني لاحتياجات الداخل السوداني ..ان تلك الاحتياجات ستتحول طبيعياً إلى مطالبات خارجية ودولية ومن المعلوم والراسخ أن الخرطوم أسرع الحكومات السودانية التي مرت علي تاريخ البلاد إنصياعاً للإملاءات الخارجية وفي هذا اسألوا المراقبين . ان الوضع الراهن يتكون من عدة إشكالات عويصة أولاها الحيرة الكبيرة البادية علي وجه النظام في إخراج تشكيلة وزارية قومية ترث الفوضىالسياسية والاقتصادية والأخلاقية التي خلفتها ممارسات حقبة الشريكين ، وتتأمل في كيفية الخروج من المأزق الراهن المتمثل في الأزمة الاقتصاديةوكلفة الحرب الغبية في الجنوب الجديد عوضاً عن البحث عن طرائق جديدة وأكاذيب مبتكرة لإسكات الأصوات الشعبية المتطلعة نحو نصيبها من ربيعالثورات العربية ، أن الرغبة الشعبية في التغيير عارمة وتزيد كلما زادت أسعار الضروريات وساءت الأحوال، الأمر الذي يجعل م? الثورة بعبعا مخيفا لاتعلم الحكومة متى يأتي . اعتقد أن الأزمة الحقيقية تكمن في انعدام الثقة بين شركاء نيفاشا السابقين أو بالأحرى - الذين ماتزال بينهما أمور عالقة - الشعب السوداني لا ينوبه من كل هذه الفوضى إلا التشريد والدمار كما تابع الجميع مآسي المدنيين الفارين من جنوب كردفان والنيل الأزرق عليه فإن الواجب يدعو حملة الأقلام إلى الإسهام في إيقاف هذه الفوضى عبر المطالبة المتكررةبالوقف الفوري لإطلاق النار وعودة هؤلاء الشركاء المتشاكسون إلى طاولات حوارهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا ، أن الرزايا تكاثرت علي البلاد ومن الواضح إننا نشهد حقبة التغيير الك?ير المفضي إما إلى تفتيت كامل التراب السوداني لمصلحة تجار الحرب بالداخل وأصابع التخريب الأجنبيةبالخارج أو ربما تقودنا تعقيدات ملفات الراهن إلى فك عقدة « اوديت » ، وتطور الأحداث تبعاً لما جري في المحيط الإقليمي . نواصل .