سمك مقلي، فول، طعمية، كسرة، عصيدة ورغيف حار تشكل إفطاراً جيداً ليوم الجمعة. الجلوس على ضفاف النيل الأزرق والإستمتاع بالكرم السوداني الأصيل في يوم معتدل الحرارة، يجعلك تظن أن الخرطوم أكثر مدينة بلا هموم في العالم. بالتأكيد فإن بعض الضغوط التي كتبت عنها في مطلع أكتوبر قد إنحسرت قليلاً حيث إنخفضت نسبة التضخم من 20.7% إلى 19.8% ويرجع ذلك جزئياً الى إنخفاض أسعار المواد الغذائية الموسمية. وبالتأكيد فقد إنخفضت درجة الحرارة في الخارج. لكن تحت هذا الهدوء السطحي، فإن العديد من السودانيين قلقون ولا ينحصر هذا القلق في السودان فقط . بل إن تغييراً كبيراً يحدث حولنا من جميع الجهات. ففي أوربا تغيرت حكومتان في منظومة دول الإتحاد الأوربي بسبب الأزمة الاقتصادية و تسنم التكنوقراط صهوة السلطة بدلاً من السياسيين المحترفين .قريباً من السودان، قامت جامعة الدول العربية بإتخاذ موقف قوي ومرحب به حول سوريا.لقد قرأنا أن السودان نفسه قد لعب دوراً محورياً في إقناع دولتين إفريقيتين شقيقتين للوقوف مع هذا الإجماع. وفي أنحاء أخرى من المنطقة، فان الصومال قد أصبحت ?حط إهتمام دولي أكبر كما أعلنت المملكة المتحدة عن تنظيم مؤتمر دولي حول الصومال في لندن في فبراير القادم . هنا في الخرطوم إستضافت الحكومة في الأسبوع الماضي الرئيس الصومالي. السودان مثل المملكة المتحدة من الداعمين القويين للحكومة الفدرالية الإنتقالية بالصومال. وكما هو الأمر في حالة ليبيا و الآن سوريا، نجد أن السودان والمملكة المتحدة في كثير من الأحيان يتفقان في وجهات النظر حول القضايا الإقليمية بما في ذلك أهمية أن تستمع الحكومات للمطالب المشروعي لشعوبها. هكذا تعمل الديمقراطية و كذلك الحال بالنسبة للنمو للسكاني. ولعل أكبر تغيير حدث هذا الأسبوع هو تجاوز عدد سكان العالم حاجز ال 7 بليون نسمة. وحسب الأممالمتحدة ، فان أكثر مناطق العالم «إرتفاعاً في الخصوبة « هي دول أفريقيا جنوب الصحراء. ولعل النمو السكاني يدفعنا للتفكير في المستقبل . فإذا إستمرينا في إضافة بليون نسمة للكوكب في كل جيل، فكم سيكون العدد خلال الخمس أو العشر أو حتى الخمس عشرة سنوات القادمات ؟ معدل النمو السكاني للسودان ليس من بين الأرقام المذهلة أو المزعجة حتى الآن . ولكن هناك رقم واحد أذهلني وهو ا?رقم الذي يشير إلى أن 50% من سكان السودان تحت سن التاسعة عشر كما يقال. لقد ظللت أفكر في هذا الأمر كلما جاء الحديث عن أفضل الطرق لتعاون المملكة المتحدة والسودان في السنوات القادمة، وبمقولة أخرى الخيارات التي ستواجهنا في كيفية إقامة علاقتنا السياسية والتنموية والدفاعية من الآن وحتى 2015. هذه النقاشات ليست سهلة لأن المنظور المستقبلي غالباً ما يصطدم بالمشاكل الآنية ذات الطبيعة العاجلة والطارئة سواء أن كانت تلك هي النزاعات الدائرة على الحدود مع دولة جنوب السودان والتحديات الإنسانية الناتجة عنها، أو انعكاسات فقدان عائدات النفط أو إعادة تشكيل الحكومة بالخرطوم أو رياح التغيير الواسعة?التي تهب على المنطقة . وبينما أن كل هذه القضايا هامة فإن بعضها خارج عن سيطرتنا . لأننا ببساطة لا نستطيع أن نجزم بشكل الحكومة في الخرطوم في عام 2015 أو حتى شكل علاقتها مع جوبا. لكننا نستطيع أن نقول بقدر معقول من التأكد كيف سيكون شكل النمو السكاني في 2015. ومن خلال بعض الدراسات الحديثة والإحصاءات المتوفرة فان التركيبة السكانية لسودان 2015 سيغلب عليها عنصرالشباب الذين يعيشون في المدن ويكافحون من أجل تلبية إحتياجاتهم. ذلك هو الواقع التي يتوجب على سياساتنا أن تخاطبه الآن و ليس بعد أربع سنوات. *السفير البريطاني في الخرطوم