الجلوس في حضرة الموصلي له طعم مختلف، فهو فنان متعدد المواهب فهو مطرب وشاعر وملحن، وفوق هذا هو موزع موسيقي محترف، فمحاولة الالمام بكل هذه الخيوط لادارة الحوار تعد ضربا من المتعة الخفية، فالإبحار صعب في عوالم هذا الرجل التي بها الكثير من الخبايا والمفاجآت. وكان الموصلي يضحك أحيانا، ويبتسم بهدوء عندما يكتشف ان هناك شيئاً ما وراء السؤال، وينفعل رافضا الاتهامات، ثم يعود لهدوئه ليدافع.. عاد الى السودان قبل ايام والقينا به وحاصرناه بعدد من الاسئلة الملحة حول عدد من قضايا الراهن الفني والقليل من السياسة.. وكان صدر? رحباً كعادته.. فإلى مضابط الحوار: ٭ الموصلي في ديسمبر من العام الماضي عاد غاضباً الى امريكا وهو يقول انه لم يجد سوى الوعود الوردية التي لم تتحقق بعد أن منى نفسه بالاستقرار في السودان.. ما هي اسباب العودة للسودان مرة اخرى؟ جئت الى السودان في زيارة قصيرة لتنفيذ مشروع الفنانة الشابة عافية حسن الذي قمت بتوزيعه موسيقياً، وهو عبارة عن ملحمتين الاولى بعنوان «شول وعافية» والثانية «اسطول الحرية»، بالاضافة الى عدد من الاغنيات الاجتماعية والعاطفية الاخرى. ٭ عافية حسن بعد اعتزالها للغناء واتجاهها نحو المديح ما سر عودتها للغناء مرة اخرى؟ يقال إن لك الفضل في ذلك؟ عافية حسن لم تعد للغناء حتى يكون الموصلي هو من اعادها! عافية لم تترك الغناء اصلاً، وطيلة فترة وجودي في السودان خلال العام الماضي كانت عافية تقوم بتسجيل العديد من الاغنيات، وقد ساعدتها في وضع اللمسات الاخيرة لاكثر من عمل، وكانت لديها ايضا مشاركات خارجية كثيرة، فهي فنانة نشطة ومثابرة، وها هي الآن تعكف على تنفيذ مشروع جديد ومختلف. ٭ دعني اقول ان القضية ليست مثابرة انما هو المال في زمن صناعة النجوم.. عافية حسن ستنفذ مشروعاً يكلف آلاف الدولارات حتى تحقق الاختلاف الذي تتحدث عنه؟ اعتقد ان عافية قد اختارت الطريق الاصعب، الاعمال الرفيعة القوية من حيث الكلمة واللحن والتوزيع الموسيقي، وفي المستقبل القريب سيكون لها مكان بين النجوم.. وطبعا لا انكر ان صناعة الفن الرفيع مكلفة، وكما يقولون «الغالي بغلاتو يضوقك حلاتو»، وهذا المشروع غير ربحي وانما هي تسعى لتحقيق طموحها الفني، فهي فنانة جادة «عارفة بتعمل في شنو». ٭ «مقاطعة».. كم سيكون نصيب الموصلي «بالدولار طبعا» لتنفيذ مشروع عافية حسن؟ «ضاحكا».. لا..لا.. قصة القروش دي ما تسألوني منها. ٭ سؤالي عن المقابل قصدت به تأسيس فكرة عن تكلفة صناعة النجوم، والى اي مدى يمكن ان يكون الموصلي مرناً ومتعاوناً مع الفنانين الشباب الراغبين في السير في طريق عافية؟ أنا مرن إلى أبعد الحدود، وأحمل هم هذا الجيل على عاتقي، وعلى استعداد للتعاون مع الجميع، وابوابي مشرعة لكل من يرغب في العمل معي. ٭ إذن لماذا رفضت البقاء في السودان والعمل ضمن طاقم كلية الدراما والموسيقى، وغادرت الى امريكا مرة أخرى بحجة أن المخصصات ضعيفة؟ منفعلا..أنا رب أسرة.. اولادي وبناتي ذنبهم شنو اعذبهم، وهنا يأتون بخبرات من الخارج بنفس مخصصاتي التي في امريكا!! انا ما لي؟ولا عشان موسيقي؟ طيب انا عندي الجنسية الامريكية.. يعني أنا خبير أمريكي.. قد يقولون مغرور لكن هذه هي الحقيقة!! اريد ان اضحي، ولكن في ذات الوقت ارفض ان امد يدي لاحد، واريد ضمانات حتى اوفق اوضاع اسرتي لو احضرتها للسودان، ومازلت على استعداد للعودة النهائية والاستقرار، شريطة ان يضمنوا لي الوضع الكريم. ٭ في ظل معاناة المواطن السوداني يأتي الموصلي من امريكا ليحدثنا عن التوزيع الموسيقي والتون والهارموني؟ لكن في المقابل هناك أيضا من يتطاولون في البنيان وهنا تكمن المفارقة!! ٭ عفوا أستاذي انت تطرح مشروعك الموسيقي ونحن مازلنا نعيش جدلية الفن حرام ام حلال، حتى وصلنا أخيراً الى مرحلة تكفير الفنانين؟ أثبت العلم ان اكثر شيء يوسع عقل الانسان هو الموسيقى، وهي تستخدم للعلاج وللإنبات.. هل تعتقدون ان هذه الاشياء جاءت اعتباطا.. نعم علمت ان هناك بعض الشيوخ جاءوا الى اتحاد الفنانين واساءوا لهم!! وزير الثقافة السموءل خلف الله رغم انه امام مسجد، إلا أنه هو أيضا عانى هجمات هؤلاء المتزمتين ٭ «عافية وشول» حسب علمي نص قام بتلحينه الهادي حامد منذ زمن لدعم الوحدة.. لماذا لم ير النور حينها؟ وما سر نفضكم الغبار عنه الآن وبعد الانفصال؟ هذا صحيح كان من المفترض أن يتم تسجيله في قناة «الشروق» الا اننا لم نتمكن حينها، الا انني اعتقد أن الآن هو الوقت المناسب، واختلف مع من يقولون إن مدة صلاحية النص انتهت، فهو بمثابة عتاب لطرفي رحى الانفصال. ٭ وهل يجدي العتاب..الا تتفق معي ان الفن هزمته لعبة السياسة ولم يكن دوره فاعلا تجاه قضية الانفصال؟ الفن وسيلة اجتماعية روحية تربوية ويسهم كثيراً في إحداث التغيير. ٭ «مقاطعة».. كثيرون غنوا للوحدة ولكن لا حياة لمن تنادي.. وانت تغني بعد وقوع الفاس على الرأس؟ ديل قالوا ليهم غنوا والناس عارفة انه الانفصال حيحصل! ونحن جايين نغني الآن وكلنا امل في الوحدة. ٭ على ذكر الانفصال صف لنا احساسك بهذا الحدث وانت على الجانب الآخر.. هناك بعيدا في امريكا؟ احساس مزرٍ ومبكٍ، مع احترامنا لرغبة اخوتنا الجنوبيين، لكن السودان غير موحد ما حينفع، بدليل ان الحرب مازالت متواصلة جنوبا وشمالا، وطال الزمن ام قصر سيكتشف الطرفان خطأ خيار الانفصال، ونحن لن نكف عن الصراخ ٭ هل سيصل صوتكم الى الجانب الآخر «شعب الجنوب»، فهناك منافس خطير ومكتسح، هو الفنان محمود عبد العزيز؟ هناك اصوات كثيرة عبرت للجانب الآخر وليس محمود وحده، وشعب الجنوب شعب ذواق، وأذكر أنني أحييت حفلاً بالقاهرة وقدمت فيه أغنية «طفل العالم الثالث»، ومعظم الحضور كان من الجنوبيين، وكان التجاوب كبيراً، وفي امريكا ايضا وجدت ذات التفاعل من الجنوبيين الذين كان حضورهم كبيراً في الحفلات التي احييتها. وبالمناسبة اول خطاب اعجاب جاءني من جنوبية عبرت فيه عن إعجابها بأغنية «سفر العيون» وهي أغنية معقدة جداً. ٭ ما هي ملامح الاغنية القادمة من الجنوب.. هل ستحمل طابع الاغنية الام درمانية ام ستظهر انماطاً جديدة من واقع التراث الجنوبي الذي غيب لسنوات عن مشهدنا الثقافي؟ أتوقع ظهور أنماط جديدة للاغنية بعد خروجها من تأثير الأغنية الامدرمانية، فهم سينكفئون على التراث الموسيقي الجنوبي الثر والغني بالايقاعات المختلفة، وهذه ظاهرة صحية ستنتج الكثير من الابداع. ٭ وماذا عن المشهد الفني.. هل ثمة ما يثلج صدرك من تغيرات؟ هنالك مشهدان.. مشهد لشباب مبدعين مجددين لكن لا يلتفت اليهم احد، ومشهد لشباب اجتراري خاضعين للقنوات الفضائية التي تطالب بتقديم المسموع، ومن لا يخضع لقوانين الفضائيات مصيره التغييب والاقصاء، والخاسر الاول هو المستمع السوداني. ٭ هناك فنانون شباب استطاعوا خلق جماهيرية لا بأس بها أمثال الفنان شكر الله عز الدين وطه سليمان وغيرهم.. ماذا عن التعاون معهم؟ شكرالله عز الدين طلب التعاون معي، الا ان شكر الله صوته شعبي والحاني ممعنة في الحداثة، وهذا لا يتناسب مع خامة صوته بمعنى انه «في فنانين ألحاني بتضيعهم وهم بضيعوا الحاني، اي واحد بضيع التاني». اما طه سليمان ففيه شيء من الحداثة، ولديه محاولات لا بأس بها، الا انه اكتشف ان الفن الجاد «ما بأكل عيش» فاختار اغاني بسيطة ليجذب بها انتباه الناس، ولو طلب طه التعاون معي فأنا على استعداد. ٭ الراحلان زيدان إبراهيم والامين عبد الغفار.. ورود على قبورهم؟ رحلا فجأة مخلفين جراحات بداخلنا.. فلهما الرحمة بقدر ما قدما لهذا الشعب.