* مساكين أهلنا السودانيين.. دائماً ما تْقَابَلْ محبتهم بالجفاء.. أُعْجبوا بالمُغَنَّي المخنث الهالك مايكل جاكسون.. فقال لو كنت أعرف إنهم سيُعجبون بي لما غنيت أصلاً ، فسأله المحاوِر ماذا تهدي لهم.. قال «أهدي لهم قنبلة!!» ولما بلغ الفنانة المصرية ليلي علوي ان السودانيين من فرط إعجابهم بها أطلقوا اسمها على أجمل وأغلى سياره عندهم.. ردَّت بأعلى كلمات الاستعلاء والاستهجان على ذلك الإعجاب السوداني! أما المغني. راغب علامة.. «لا أعرف لأي البلدان ينتمي حقيقةً».. فقد أدبر واستكبر لمجرد ان في المنافسة التي يشترك في?ا.. والتي تنظمها إحدي الفضائيات العربية.. تقليداً لأحدي الفضائيات الغربية.. ستنافسه عليها مطربة سودانية.. غير معروفه لديَّ على الأقل.. فهاج وماج واعتبر السودانيين عاطلين من الموهبة والجمال !! فكيف تسمح إدارة القناة باشتراك سودانية إلي جانبه في تلك المنافسه.. وبدون الحميَّه التي «يجب» أن تأخذني دفاعاً عن بنات بلدي كائناً من كُنَّ. أو كانت.. فأنَّ «راغب» صار بذلك «علامةً» فارقةً في العجرفة وقلة الذوق والأدب «بدون شتيمه» وفقدان أهم خصائص الفنان الضرورية وهي الرُقي في التعامل والتواضع في الكلام عن نفسه.. ومراع?ة شعور الآخرين.. واحترام جمهوره.. بدلاً عن هذه «النفخه الكذَّابه».. وما هو في الحقيقة غير مُقلِّد لصرعات الموضة عند الغربيين في طريقة لبسهم أو تصفيف شعرهم.. أو صراخهم وهستيريتهم.. أو تعاطيهم.. مع الاعتذار للفنانين الغربيين الذين يجري خلفهم راغب ابن علامة وهم يستنكفون أن يقلدهم أمثاله. وهكذا يجتمع «المتعوس على خايب الرجا» ويضحك أبّ سنينه على أبْ سنينتين!! * الغناء السوداني.. يقول د. عبد الله على إبراهيم!! كان يعلِّم الناس المعاني السامية والراقية ويحمل في طيَّاته نوعاً من التربية للأنسان.. وهو المدخل الأول في الثقافة السودانية للجمال من حيث الكلمات والألحان والأداء.. فالأغنية السودانية ما زالت تُشكِّل الوجدان وهي تربية جمالية ولوحة زاهية الظلال لا تبدِّلها الأيام أبداً أو تغيِّر ألوانها «ومشكلتها» عدم وجود دارس للأغنية السودانية.. أو نقد قائم على العلمية ليغُوص في أعماقها تحليلاً وتشخيصاً.. ومع ذلك .. فللأغنية السودانية رسوخ في كل المراحل والعهود.. وكما ?لَّدت «أنشودة صه يا كنار» مؤتمر الخريجين كذلك خلَّدت أناشيد وأغنيات محمد وردي ومحمد الأمين ثورة أكتوبر المجيدة «باكورة إنتاج الربيع العربي 1964».. فيعرف الجيل الحالي والأجيال القادمة ثورة أكتوبر من خلال الأغنية السودانية». وعندما يجئ مثل هذا الكلام من الأستاذ الجامعي والمفكر العالمي والكاتب الصحفي د.عبد الله علي إبراهيم .. فان علينا أن نعتد بالأغنية السودانية. وان لا تتقاصر هامتنا وننكفئ على أنفسنا ونلهث وراء السلالم الموسيقية التي لا تناسب غناءنا.. قال أحد النقاد ساخراً من التجربة الكورية في معهد الموسيقي?عند بداية عهده قبل عقود «إن من أكبر إنجازات معهد الموسيقي هي» تبويظ» صوت الفنان عثمان مصطفى!!» ونرى إن التمسك بثقافتنا بلا إنكفاء والانفتاح على الآخرين بلا ذوبان هو الطريقة المثلي للحفاظ على إرثنا والنهل من حياض غيرنا فالموسيقي لغة الشعوب. * غير ان دفاعي المستميت هذا عن الغناء السوداني «يُفطِّسه» غناء ركيك «وأصوات نشاز غير مقبولة» كما كان يرد علي عبد الله صالح على مناوئيه حتي جابوا خبرو» تملأ الساحة خاصة بيوت الأفراح والمناسبات الخاصة، وقد ساقني قدري عندما ذهبت متفقداً أحوال صديقي الرشيد محمد سعيد قبل يوم واحد من زواج كريمته فصادفت ببيته «حفله دكاكيني» تحييها مغنية مليحة الوجه رديئة الأداء غثة الكلمات والمعاني وقد كان المطرب الفعلي هو «الأورغن» الكهربائي المبرمج بإيقاعات سودانية .. وكانت المغنية والجمهور في «حالة غُلاط» فهي تقول «أبا ما ب?قْدَر» فيردون عليها «أنا بَقْدَر» ويتصاعد الغُلاط فلان بقدر.. لا لا ما بقدر .. إنت تقدر.. أنا ما بقدر وتحاول المغنية الخروج من هذه الورطة فتقول الصَفْقًه الصَفْقَه فيستجيب جمهور الراقصين فتردف قائلة أَرَحْ.. أيوه.. تمام.. ثم «كسرت» الأغنية بعبارات زنقه زنقه.. بيت بيت.. دار دار.. وهكذا لاحت لي فرصة مناسبة للزوغان وأمتطيت سيارتي حتي لا أركب ماسورة!! وما أخرجني من حالة الإحباط التي اعترتني إلا كلمات مفعمة بالأمل سطَّرها قلم صديقي بروفسير البوني في عموده المقروء.. وهو يحتطب ليلاً.. «وسط رتابة الألحان في السنوا? الآخيرة ظهرت ألحان فيها شئ من التجديد مثل لحن الأغنية التي تقول «الودعو إرتحلوا.. وشالوا الهنا ورحلوا.. ليه يعني خلُّونا ..» لصديق سُرحان .. وأخري تقول «ود أمي إزيك حبيبي إزيك..» للجوهري.. وثالثة تقول «كل الحبايب بزعلوا لكن يا حبيبي مش كده» كلمات هلاوي وألحان عثمان النو وتوزيع الموصلي. ويخاطب البوني الموصلي قائلاً الأغنية السودانية محتاجة لك.. والصديق البروف البوني شهادته غير مجروحة.. وقلبه على البلد ثقافةً.. وسياسةً.. وعلماً. * إن إلقاء اللوم على جهة دون أخري من تردِّي الغناء ليس عدلاً.. وتحميل الساسة والسياسة لهذه المسئولية دون غيرها ليس من الحكمة في شئ.. فحالات الصعود والهبوط والصعود من نواميس الكون. لكن العيب في الاستسلام والركون للأمر الواقع وعدم الدأب والاستمرار لتغيير الحال بالعزيمة والإصرار.. فقد استطاعت الفنانة السودانية «ستُّونه» إن توجد للغناء السوداني مساحة مقدرة في قاهرة المعز الممتلئة عن آخرها بالفنانين.. مثلما استطاع المخرج السوداني ذائع الصيت سعيد حامد أن يرفع رأسنا في السينما المصرية وهو يخرج أفلاماً «بدون مش?هد مبتذلة» حازت أعلى المراتب وحصدت الجوائز والدولارات وغيرهما كثير فإذا كان جهد أفراد بمقدوره أن يحقق النجاح فما بال مجتمعاً بأسره .. ودولة بكامل عتادها وقد خصصت وزارة اتحادية للثقافة؟! ونحن عرسنا غُنا .. وبكانا غُنا.. وحربنا غُنا.. وسلامنا غُنا .. ومديحنا غُنا.. وذكرنا غُنا. * دخل رجلٌ على الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوجده مستلقياً وقد وضع رجلاً على رجل وهو يتغني بأشعار العرب.. فقال الرجل : «حتى أنت يا أمير المؤمنين؟» فقال إبن الخطاب :»أَمَا علمت يا هذا إِنَّا إِن خَلُونا إلي أنفسنا فعلنا ما يفعل الناس». وهذا هو المفروض