من الأخبار الجيدة هذا العام ان الدولة ستتجه لفتح فروع للبنك المركزي في كافة ولايات السودان بهدف فتح الحسابات للمؤسسات والمرافق الحكومية كخطوة اولى لمحاربة الصرف خارج الميزانيات وتجنيب الحسابات من قبل المتجاوزين الحكوميين الذين كشف ديوان المراجع العام مهارتهم في الافلات من المراجعة والتصرف بلا مراقبة ، ان ما اصدرته لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني من توجيهات للبنك المركزي بفتح فروع في الولايات هو الخطوة الاولى نحو استعادة البنك المركزي لصفته (المركزية ) بعد ان نشطت في الفترة القليلة المنصرمة العديد من الاجسام السرطانية لتقوم ببعض الادوار الغامضة نيابة عن البنك المركزي مما سنكشف عنه لاحقاً بعد اكتمال التحقيقات التي تجريها الجهات المختصة حول هذا الخصوص وبعد ان بدا ان بعضهم اراد للبنك المركزي ان يكون مجرد ضامن لعملياتهم المليارية - بالنقد الاجنبي - وتمرير العقودات والصفقات المختلفة. ان تقارير المراجع العام عن التعدي على الاموال العامة وتجنيب الحسابات ظلت تسود وجه حكومة السودان على مدى السنوات العشر الاخيرة، وحينما تظل الحسابات سايبة كما يقول المثل فإن النتيجة الحتمية تكون التفنن في تقنين التهرب من المراجعة والاجراءات المحاسبية السليمة ( فالحكاية كلها اوراق في اوراق ) ولا توجد اجهزة للتدقيق في الاوراق قبل تحولها الى اموال سايلة او نقد اجنبي او فلنقل انه لا توجد سلطة فعلية في وقت حدوث الجريمة تمنع حدوثها ولذلك فإن فتح حسابات للمحليات والمرافق الحكومية في كل الولايات لدى فرع البنك المركزي يمثل صمام الامان ضد الفساد وتسرب النقد الاجنبي شريطة ان لا يقترن بأي اعمال وانشطة احتكارية تسحب البساط من تحت البنوك التجارية التي تنشط في تمويل العمليات الزراعية والتجارية وتوفير التمويل الاصغر للمواطن بصورة مبسطة ، ان عملية هيمنة البنك المركزي على كافة الحسابات لها منافع ولها مضار جانبية ولكن ومع ذلك دعونا نركز على ان منافعها اكثر من مضارها فالتجاوزات المالية بلغت أوجها وتقارير الاعتداء على المال العام اصبحت مسلسلاً حكومياً مستمراً وتجنيب الحسابات سمح للبعض بالتصرف في مال الدولة كأنه مال خاص يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، لقد حان الوقت لتأخذ السلطة العليا العبرة من مصير النظام المصري وزبانيته الذين ملأوا ارض الكنانة فساداً حتى انقلب الى ثورة اكلت جميع اركان النظام وجعلتهم اليوم يتجرعون ثمار ما اقترفوه من جرائم منكرة . ليس هذا فحسب نحن نشجع فتح فروع للبنك المركزي لان البنك المركزي يضع السياسات للبنوك الحكومية والتجارية ويستطيع عبر اذرعه المرتقبة في الولايات ان يقوم بكامل العمليات المصرفية دون الحاجة الى سماسرة ووسطاء وحتى يكون الاتجاه اكثر تحريزاً وضبطاً فإن العلاقة بين ادارة النقد الاجنبي بالبنك المركزي والصرافات الخاصة يجب ان تلغى تماماً لصالح البنك ولصالح فروعه في الولايات ويجب ان يستعيد البنك المركزي دوره في الرقابة على العقودات التي يمكن ان تمهرها او يمهرها بعض الرسميين في المركز والولايات كل بحسب موقعه التنفيذي وتترتب عليها او بموجبها ضمانات من بنك السودان لجهات خارجية لا يعرف البنك مدى قابلية مثل هذه العمليات للمضي قدماً باتجاه تحقيق المصلحة العامة ، كما يجب ان يستعيد البنك المركزي دوره وتواجده في منافذ المغادرة بالموانئ والمطارات من اجل تسليم المواطن السوداني النقد الاجنبي حسب الضوابط المعمول بها بدلاً من حالة السيولة القابلة للتسرب التي ضربت النقد الاجنبي ليصبح اداة من ادوات التكسب والثراء السريع للعديد من ذوي النفوس المريضة ومعتادي الجرائم المالية والاخلاقية واصحاب الملفات السوداء ممن يستخدمون النساء في الحصول على النقد الاجنبي والسفر لبضعة ايام خارج السودان ،وهكذا دواليك وكلها امور تتم امام سمع وبصر الجهات المختصة ولا تستطيع كبح جماحها لأن المهمة اساساً موكولة للمتربحين من كل حدب وصوب .