تحمل الثورات في طياتها تناقضات ومزايدات ومفارقات، كلها ترتبط بلحظة انحسار سلطة تستهدفها هذه الثورات، وبسقوط جدار الخوف وبشعور من القوة والقدرة على الفعل، وأيضاً بضياع معايير سياسية وأخلاقية، وبمحاولات توسيع دائرة النفوذ والتأثير. ولذلك قد تكون مفهومة تلك الظواهر والمطالب التي تتجاوز شعارات الثورة في شأن إرساء دولة القانون والمساواة والعدل. ولإعادة ضبط الأمور في مرحلة رمادية، تسعى المراحل الانتقالية في الثورات إلى إرساء قواعد جديدة تحكم عمل الجميع، مستفيدة من الاعتراض الشعبي الواسع على أسس النظام السابق وممارساته. وتأخذ وظيفة السلطات الانتقالية، سواء المنتخبة أو المشكلة بفعل تسوية، أهمية استثنائية في السيرورة نحو الاستقرار والانتقال إلى الدولة المنشودة، وأيضاً في ترسيخ عادات سياسية تؤسس لهذه الدولة. ويصبح استمرار الظواهر المناهضة لمفهوم الدولة التحدي الأساسي الذي تواجهه القوى المسيطرة في المرحلة الانتقالية والمرشحة للعب دور في المرحلة اللاحقة. وفي حالة الربيع العربي حيث تبرز القوى الإسلامية في الدول التي تعيش مرحلة انتقالية، خصوصاً مصر وتونس وليبيا، ثمة ظواهر غير هامشية تحملها الأنباء تشكل تحدياً كبيراً وتهديداً فعليا لمسيرة بناء الدولة، وإن كانت درجات هذا التحدي والتهديد تختلف من بلد إلى آخر. ففي ظل الثورة المصرية التي انطلقت احتجاجاً على التعسف والظلم والاستبداد والزبونية، قضى مجلس عرفي قبلي ب «تهجير» أفراد عائلات ينتمون إلى دين معين من قريتهم الصغيرة، بعد خلاف مع مواطنيهم من دين آخر. وإذا كانت النخبة المصرية انتقدت بشدة هذا السلوك، والسلطة التي وافقت عليه، فإنه يسدد ضربة قوية لدولة القانون التي من عمادها القضاء المدني المستقل الذي كان يُفترض أن يتولى النظر في مثل هذه القضية وليس المجلس العرفي في المنطقة. وفي موازاة ذلك، يستدعي ما يسمى التيار السلفي في تونس داعية مصرياً معروفاً بآرائه المتشددة والمتصلبة في قضايا المساواة والمرأة والسلوك. وإذا كان الائتلاف الحاكم في المرحلة الانتقالية في تونس، خصوصاً حركة النهضة الإسلامية، يسعى للحفاظ على الموروث المدني للحياة الاجتماعية في تونس، فإن مناهضي الدولة المدنية ما زالوا يفرضون آراءهم في أماكن تشكل الوعي خصوصاً في الجامعات، وحولوا المساجد إلى أماكن للتجنيد والتحريض وصولاً إلى الاشتباك مع أنصار هيئات المجتمع المدني. في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الداخلية التونسية اعتقال أشخاص ومصادرة أسلحة، مشيرة إلى أن هؤلاء وجدوا ملاذاً في ليبيا ومنها انتقلوا إلى تونس. وهذا يؤشر إلى أن المجلس الانتقالي الليبي الذي ما زال يتعثر في خطوات إرساء الاستقرار يواجه، إضافة إلى النزاعات القبلية المرتبط كثير منها بمرحلة الحكم السابق، يواجه أيضاً تهديداً من مجموعات إرهابية موصوفة. هذه الأحداث لا تشكل سوى قمة الجبل الجليدي، إذ أن كثيراً من أمثالها لا تورده وكالات الأنباء ولا يتحدث عنه السياسيون. ويمكن أن نتخيل أن بعضاً مما لا نعرفه قد يكون أكثر خطورة وأكثر تهديداً لأهداف الربيع العربي. ولذلك، ينبغي أن تنتقل السلطات الانتقالية من مرحلة المجاملة في شأن الظواهر المتشددة إلى مرحلة تحديد الأسس الواضحة لمعنى الدولة المدنية والحدود التي يمكن التسامح معها في مواجهة دعاة تقويض الدولة المدنية ودولة القانون. عبدالله إسكندر *عودة لنيابة الصحافة سعدت أمس باتصال هاتفي من مدير الادارة القانونية بولاية الجزيرة، محمد أحمد علي الغالي،حول انشاء نيابة للصحافة في ولايته،ويرى مولانا أن ما أوردته حوى ثلاث نقاط تحتاج الى توضيح، أبرزها أن النيابة انشأت استنادا على المادة 18 (أ) من قانون الاجراءات الجنائية وليس قانون الصحافة،وأن القانون الساري للصحافة هو 2009،وأن القانون تحدث عن محكمة خاصة للصحافة وتجاهل الحديث عن انشاء نيابة ،ولم يكن الغالي مرتاحا لطريقة التعليق على الخطوة،والتركيز على موضوع النيابة مع أن رئيس القضاء وافق على تحديد محكمة للصحافة. نحمد لمولانا محمد الغالي التواصل والحوار حول قضية عامة ينبغي أن لا يؤخذ أي رأي فيها بحساسية،والمطلوب استمرار النقاش،والصحفيون غير خائفين من النيابة الجديدة،وذلك ليس في مخيلتهم ولكنهم يخشون استخدام القانون وتطويعه لخدمة السلطة وليس تحقيق العدالة،فتنهار الثقة في الأجهزة العدلية، وهذا أمر خطير، كما أن التعسف في تطبيق القانون يتحول الى ظلم . هناك ضرورة لفهم روح القانون،ومقاصد المشرع ولا يكفي التعامل مع نصوص تجريدية..