اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح أحمد ابراهيم يرد على عمر مصطفى المكي
أوراق خضراء: الصحافة تفتح الملفات القديمة صلاح أحمد ابراهيم و عمر مصطفى المكي وجها
نشر في الصحافة يوم 18 - 02 - 2012

رسمت المساجلات الصحفية لنفسها طريقا فارقا في العقود الماضية من تاريخنا المهني، فقد كانت ملح الأوراق في بلاط صاحبة الجلالة الملكي، وزاد المجالس الانيقة في ارجاء البلاد، ومعين الفكر والمتعة وحسن الذوق الذي لا ينضب لجمهور القراء، والمتبتلين العاشقين لمحاسن الكلم. ولما كانت ستينيات القرن الماضي من أزهى حقب الفكر والكتابة، لانها شهدت اصطراع تيارات سياسية وفكرية وثقافية مختلفة في المشهد السوداني، فقد افرزت اقلام عملاقة وعقول حرة تحلق في السموات دون حتى قيود دنيوية. ومن اشهر تلك الاقلام التي تساجلت فكريا على صفحات جريدة « الصحافة» في اواخر الستينيات الراحلين صلاح احمد ابراهيم وعمر مصطفى المكي. وتعيد الصحيفة نشرها اثراءً للساحة الفكرية والصحفية.
وفيما يلي تواصل «الصحافة» نشر ردود الراحل صلاح احمد ابراهيم على ما خطه الراحل عمر مصطفى المكى.
1- عمر وحديث الإفك
الآن حصحص الحق. والحق كما قيل ابلج والباطل لجلج. يقول كونفشيوس «الرجل الشريف يهتم بشخصيته والرجل الوضيع يهتم بوضعيته. الرجل الشريف يصبو للعدالة ، والرجل الوضيع يصبو للوصول. الظربان ينم عن افرازه. كما ان طيب الورد مؤذ بالجعل لقد حسب عمر مصطفى المكي. والعقرب التي من وراء خادمتها الخنفساء ان سيلا عارماً متتالياً من الشتائم والافتراءات بامكانه ان ينال من شخصي الضعيف او يضعف من حجتي القوية، لقد حسب عمر مصطفى المكي والذين من وراء عمر مصطفى المكي ان الارعاد والارزام وخوار العجول الهائجة بامكانها ان تخرس لسان الحق وتطفيء قبس الحقيقة. وتقطع أصبع الاتهام.
الماركسية ليست مجرد فكر.. ولكنها طريقة في الحياة.. والماركسية موقف من الطبيعة والمجتمع يشمل في ما يشمل السلوك.. فالسلوك مهما كان فردياً هو اجتماعي. والحياة الخاصة خاصة للدرجة التي تتعلق بالتفاصيل، ولكنها ليست خاصة للدرجة التي تنحرف بصاحبها إلى الاستهتار بالفضيلة المتفق عليها اجتماعياً. الفضيلة الاجتماعية.. وبتعبير أدق لأنه كتعبير ماركسي أدق الفضيلة الطبقية. ولذلك ناقش ماو تسي تونج. ان الحب طبقي.. بلاش ماو تسي تونج، فمجرد ذكره يحدث حساسية في جلود بعض أصحابنا. نقول ولذلك ناقش لينين في خطاب طويل للرفيقة كلارازتكين الحب والجنس ونظرية «كوبة الماء». وغيرها، ولم يقل لينين ماذا يهمنا كماركسيين في الجانب الشخصي من حياة الناس كما قال قائد الفكر الماركسي في السودان.
الحياة الخاصة للإنسان امتداد لحياته العامة وجزء مكمل لشخصيته الطبقية، تعكس في ما تعكس، كما هي حياته العامة. موقفه الطبقي من الحياة.. هذا هو رأي الماركسية الى ان تخلي قائد ماركسي عنها.
لذلك فعلى كل قائد ماركسي أن يتأكد من أن حياته الخاصة مشبعة بالفضيلة الطبقية. تعكس تماماً أحاسيسه الطبقية، وأن سلوكه العملي لا يورطه في تناقض مع ما ينادي به، مع فكرة الطبقي، مع وجهة نظره الأساسية للحياة، فالماركسية هي موقف من الحياة... وهي طريقة في السلوك ذات فضائل وقيم خلقية تختلف بها عن سواها. ومن الغايات التربوية للماركسية أن يندمج الفرد اندماجاً كليا في الجماعة. أن يقضي قضاء مبرماً على فرديته بجماعيته. أن يذوب ذوباناً كاملاً في طبقته، أن يناضل نضالاً عنيداً ضد أية رغبات وتطلعات ومعاملات وتصرفات تنبع من أصل طبقي مغاير للطبقة التي ارتضاها وتبناها.. وفي هذا عليه بالنقد الذاتي المرير المخلص، فبالنقد الذاتي المرير تتطهر النفس.. وعلى رفاقه مساعدته بالنقد الذي لا يعرف المجاملة أو الرحمة أو الهوادة أو الحرج، لأنه بالنقد يمكن الأخذ بيد الرفيق الذي هو كالمريض يحتاج الى رقابة صارمة ومساعدة فعالة.
ولكن الشيوعي الذي يجد نفسه في مركز قيادة في الأجهزة العليا من الحزب مثلاً يكون في موضع حساس.. في موضع قدوة لرفاقه.. للنشء الحزبي.. وفي موضوع مسؤولية حيال التربية الثورية.. فهو كقدوة عليه أن يجسد أخلاق الطبقة وفضائل الطبقة بالأمثولة التي لا تعرف النفاق والتدليس.. وهو كمعلم عليه أن يبرز للناس جميعاً ما تنطوي عليه الماركسية من فضائل وأخلاق.. وأن يجلي موقفها من الفضائل التقليدية، وأن يضع هذه الجبهة في اعتباره دائماً، جبهة النضال على صعيد الأخلاق الطبقية، بحيث يقنع الجميع بأن المدينة الفاضلة أو الفضلى لن تقوم إلا تحت الاشتراكية.. وبحيث يكمل ما بدأه بناة الفكر الماركسي من حديث عن العائلة والبغاء والحب... الخ.. الخ.
وهو كمربي عليه أن يرفع سوط النقد الذاتي. هذا ما نتصور أنه ينبغي أن يكون.. وحين يكون المرء أميناً عاماً لحزب شيوعي تتضاعف الامانة.
قلت في مقالة سابقة إن السلوك الخاص هو مؤشر الإحساس الطبقي. فالذي يضع على الصعيد النظري أن واجبه الأول يذوب في الطبقة التي اختارها ذوباناً كاملاً، لا بد أن يعتبر كل ما يحول بينه وبين ذلك الذوبان الكامل معوقاً ينبغي إزالته.. بكلمة اخرى «رذيلة». وما نعتبره «رذائل» ما هو في الواقع إلا المعيقات التي تحول دون عملية الانسجام الاجتماعي أو التي تهدد أساس المجتمع الذي هو ليس غير انسجام اجتماعي بطريقة معينة في إطار معين.
لهذا ظللنا نتعرض بالنقد للمحترف الشيوعي الأول في الحزب.. وقلنا إن حياته الخاصة تناقض مواقفه النظرية بالأصح تناقض التقدير الماركسي والمعايير الماركسية وقلنا إنها تتميز بالنفاق الواضح، لأن أمين عام الحزب الشيوعي «يلعب على الحبلين». ويحاول الفوز بأفضل ما في المائدتين.. يعني الترف البرجوازي والشرف البروليتاري.
ومما ساعده على الخديعة طبقته الأساسية من حيث هو مثقف يمكنه أن يختفي وسط المثقفين الذين يعج بهم الحزب، وأن يجد الحماية لدى البرجوازية الصغيرة المتواطئة بطبيعتها التي تمثل الأصل لأغلبية الأعضاء في الحزب.. ومما ساعده على الخديعة أن الصراع الطبقي فاتر لظروف موضوعية أو حزبية، وفي ساعات فتور الصراع الطبقي يمكن للانحرافات أن تعم وأن تجد الراحة والأمان. إن المثقفين - داخل الحزب وخارجه - هم الذين يرفضون نقدنا ويحاولون تبرير سلوك زميلهم لأن في تبرير سلوكه تبريراً لسلوكهم هم في المحل الأول. إن البرجوازية الصغيرة داخل الحزب وخارجه ترفض نقدنا للأمين العام للحزب الشيوعي من حيث السلوك الشخصي أو قل الطبقي لأنه نقد لها في المحل الاول. والأمين العام للحزب الشيوعي هو رمز لنفوذ طبقة البرجوازية الصغيرة في حزب الطبقة العاملة.. ولسعيها في تحويل ذلك الحزب إلى حزب آخر من أحزابها العديدة.. هو الحبل السري الذي يجمع بين الطبقتين ورمز رغبة إحداهما في مساومة الثانية.
ولكي يحدث هذا.. ولإزالة التناقض المظهري بين الاثنين، يظهر الأمين العام لحزب الطبقة العاملة وكأنه من الطبقة الأخرى أي على حقيقته. فهو يسكن مثلها ويلبس بأفضل مما تلبس. ويقضي سهرات مماثلة لدينا تفاصيل بعضها. والفأس معلق على الرأس.. نتكلم حين نشاء وكيف نشاء.. ويقل أدبنا في حضرة الزعيم وحضرة الحزب الشيوعي لأننا نملك الحقيقة الرهيبة. ولأن المعرفة سلطان.. لا لأنه لا أدب لنا أصلاً.. مفهوم؟ أكرر: مفهوم؟
إن أمين الحزب الشيوعي له تطلعات زعيم أي حزب برجوازي آخر. ونفسه منفتحة لكل ما تنفتح له نفس أي زعيم برجوازي آخر.. وقد أصبح هذا واضحاً لكل ذي عينين. ولكن الفارق أن قلة قليلة هي التي تقول عن زعيم الحزب الشيوعي السوداني إنه زعيم برجوازي آخر، وهذه الحقيقة حتى الآن يصعب تصديقها نظراً لأن «حبن»..انتهازيته لم ينضج بعد.. وكثيرون لن يروا في هذا القول غير فرية يطلقها صلاح ومعه زمرة من الحاقدين، ذلك لأن الرادار الطبقي لأولئك الكثيرين لم يتحرك ربما لأن طيران الأمين العام ظل منخفضاً حتى الآن.. ولكن «الحبن». الانتهازي ينضج يوماً بعد يوم. وعما قليل تطفح وسيعود للمخلصين صوابهم متى عاد لهم صادق رؤيتهم.
يتصرف الأمين العام للحزب الشيوعي مع رفاقه بتعالٍ وازدراء ويعاملهم بتأفف. ولا يترفع عن اغتيابهم مع أصدقائه من المثقفين والبرجوازيين الصغار خارج الحزب. كيف أن لجنته المركزية قطيع من الجهلة. وكيف أنه مغلول اليدين في الحزب، ولو كان بيده الأمر لاستطاع أن يقوم الحزب بطريقة أسرع وأنجع، ولجعله حزباً محترماً في نظر البرجوازية وهكذا وهكذا.
والسلوك الانتهازي شيء ينبع من فكر انتهازي وينبع منه فكر انتهازي جديد.. لماذ أخفى عبد الخالق ذكر لونه السياسي؟ لماذا لم يستشر عبد الخالق رفاقه في أشياء تمس سمعة الحزب؟
لماذا ركز عبد الخالق على إشاعة المفهوم الانتهازي القائل بأن الجانب الشخصي لا يهم إنساناً في شخص يتصدى للعمل العام، وكأنه يريد خلق تحصينات فكرية لما يفعله سيادته.. ولدينا لما يفعله سيادته نماذج رهيبة.. لا بد أنه صار يكره كلمة الطبقة التي اكثرت منها، والمراقب لعبد الخالق يجد أنه يحرص تمام الحرص على أن تبقى ماركسيته مغلقة داخل الحزب والكتيبات الحزبية، أما في جلساته الخصوصية فإن المعلم الماركسي يغيب ليظهر «السمير».. البرجوازي الدكتور جيكل يغيب ليظهر المستر هايد.. المستر هايد.. وليس المستر «هارت». أم لعلني أهجت الذكريات يا نيكيتا!
لقد جاء يوم بحزب الطبقة أن ناقش حل نفسه.. أي حرمان الطبقة من سلاحها الوحيد.. وفي كل يوم نرى ضروباً من التخبط الفكري والتناقض النظري تحت قيادة هذا المثقف المغرور.
والحزب قد تناهشته الفوضى وتملكه الانحلال وصار «خشم بيوت» ذلك لأن الأمين العام في سبيل تدعيم مكانته ولكي يخرس أي لسان يتحرك بنقده وليقطع كل يد تحاول أن تمس وضعه، عمل منذ زمن بعيد على اصطناع جماعة طوع إشارته ومجموعة من الإمعات التي تتصدى بصب الماء على كل جذوة نقد، وبإرسال الشتائم وتلفيق التلفيقات ضد كل من يهب معارضاً هذا العبث، وبهذا تربع هذا المثقف المغرور على هودج الحزب. وسدر في انحرافاته الأنيقة كأنه فتى مراهق، بينما عين الحزب مكسورة وفي نظرته إغضاء.. وصار على الأعضاء ابتكار التبريرات وشتى أنواع الذرائع. لقد صدقت فراستي من حيث أن التنظيم الحديدي صار لبعضهم تنظيماً حريرياً. فعبد الخالق يتصرف وكأنه إله.. وكأن تصرفاته فوق النقد والنقد الذاتي.. فهو يهين زملاءه ويطلق جماعاته على كل متمرد عليه. وهو يضع حياته الخاصة فوق مصلحة الحزب ومقتضيات مكانته العامة، حتى سمعت ذات يوم من أحد قادة الحزب الاشتراكي أن راشد قد تغير تغيراً كبيراً.. إنه ليس راشد زمان.. إنه على استعداد للتضحية بالحزب في سبيل حبه.
ولأول مرة وردت كلمة «حبه»، وتصورت أميناً عاماً لحزب شيوعي يحتضن المذياع وهو يتأوه لأغنية من أغاني الحب. أو يجلس في الشاطئ رواجبه موشجة برواجب من يحب وهو يهمس لها «انظري يا ليلى للقمر».
وهكذا وهكذا.. ثم ينتهي الأمر بأن يتعاهدا على أن يتخلى لها عن الحزب إذا وقف حائلاً دون سعادتهما وتعلق هي على تعهده قائلة: «الحزب يطير» فيرد في حماس «الحزب لوحده وبس؟ يطير الحزب. ويطير النضال ويطير دوبشيك.. ويطير بوبي.. عارفه بقصد ببوبي مين؟ بوبي ده أنا يا شابة..
الحب انساني بالطبع. ولكنه زعيم طبقة طبقي والحب سلوى وراحة للنفس وجمال.. ولكنه لمناضل يقود مناضلين جزء لا يتجزأ من النضال.. بأي وجه يواجه قائد يتصرف بفردية ممنعة النشء الحزبي.
وبأية جرأة وقوة عين يردهم الى صوابهم، وبأي لسان يطلب منهم التضحية في حزب قوامه التضحية.. والإيثار في جهاد رأس ماله الإيثار.. والاندفاع في كفاح لن يستمر بلا بذل واندفاع. قلنا «بذل» يا من لا تستطيعون البذل، ولكن تعيشون بمنتهى الأنانية عيشة الباشوات على حساب الكادحين.. إنني أخاطبك يا «طويل العمر».. أخاطبك.. أنا الذي تعودت مخاطبتك ورفع كل قصيدة اليك بعنوان «إلى زعيمي وزعيم الطبقة العاملة السودانية» لقد انتهت في نفسي زعامتك لأنها زعامة قامت على الخداع والتضليل والتدليس والكذب والنفاق.. لقد غصت في أعماقك وراقبتك عن كثب فوجدتك مجرد مثقف دعي وبرجوازي صغير مغرور. مجرد ممثل على الحزب والطبقة لا ممثل للحزب والطبقة.
ارجع وريحنا وريح نفسك.. وليكن هذا الحدث السعيد فاتحة هذه العودة ونهاية انفصام الشخصية الطبقية. وإذا آثرت الإقامة بالخارج فهذا أريح لضميرك.. من رؤية مخلوقات كانت رجالاً.. أنت الذي سرقت منها ذكاءها ورواءها ونقاءها ومضاءها.. من رؤية قتلاك أيها الرفيق بيريا.. وبالمناسبة ظل الرفيق بيريا قرابة العشرين عاماً أميناً أولاً للحزب الشيوعي الجيورجي وأوشك أن يصير الأمين الأول للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي بأسره.. ثم عرفنا أنه كان طيلة الوقت انتهازياً وسفاحاً ومصفياً للحزب.. بيني وبينك يا رفيق أنانسي ولا أحسن نسكت.. طيب أحسن نسكت يا أعضاء الحزب الشيوعي.. يا شيوعيون!!
هذا أوان الامتحان.. امتحان معادتكم الثورية.. يا ممثلي الطبقة العاملة.. يا أبناءها البررة!
هذا أوان الدفاع عن شرف الطبقة العاملة..
يا حملة الراية التي لا تنكس.. راية الاشتراكية.. لا تعطوها الطير بعد أن «لبنت».. لا تغالطوا أنفسكم.. اصغوا لأصوات المخلصين.. اسمعوا لمن يريد للنقاء الثوري نقاءه الأصيل.. لا تسكتوا على باطلكم تكلموا فالرجعية تعرف الحاصل سواء تكلمتم أم لم تتكلموا.. والخوف كل الخوف أن تكون الرجعية أعلم بالحاصل منكم. أن تكون أحرص على بقائه من حرصكم على إخفائه.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
كلمة أخيرة قبل أن أواصل حديثي من حيث وقفت في آخر مقالة لي.. إن الذي يخاطبكم مجرد برجوازي صغير غير مبرأ من عيوب طبقته، ولكنه في نفس الوقت غير أمين لطبقته لأنه ينوء تحت عبء الأمانة الفكرية.. لأن قلبه يضع رأسه المهموم على قلب مجوك وأوشيك وإساغة ومحمد أحمد.. لأنه رأى أن من يدعي تمثيل هؤلاء يأنف من هؤلاء ولا يراهم غير بضاعة يتاجر بها من أجل السلطة والسياسة.. من أجل الرفاهية المادية.. ومن أجل خدمة أغراضه الدنيوية.. إنني لا أهاجمكم ولكنني أنقذكم.. إنني لا أعاديكم ولكنني أنبهكم.. ألم أغن لكم ذات يوم:
شايف واحد بيظهر منا لكن مش منا..
شايل خنجر على بال يتنكر ويطعنا..
إن ما بيني وبينكم الانتهازية والنفاق السياسي أزيلوها يتحول قلمي إلى سلاح مكين في أيديكم.. لا تفرحوا فرحة المتملقين بزواج الملك الصالح، ولكن واجهوا ما بكم بأمانة وتحركوا واضربوا ضربتكم على هامة الانتهازية اللامعة باسم الكادحين ولمصلحة الكادحين ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد..
ومتي عاد عبد الخالق إلى صدر طبقته الحنون.. وصار واحداً من الذين نراهم في أفخر هندام وأفخم مركب.. أحسن حال وأنعم بال.. تاركاً النضال لاهله.. والطبقة العاملة لأبنائها فإنه يصير كغيرهم في نظرنا.. لا نقلق راحته ولا نمد له لساننا الطويل ولا يهمنا أين يسهر وبماذا يسكر ولا من يصاحب وكيف يداعب. حفظنا الرب الكريم من تنغيض خلقه، فلكل بشري الحق في السعادة ما لم تقف في وجه سعادة بشري آخر.
ارجع يا عبد الخالق إلى نفسك وتخل عن هذه الراية لمن هو على استعداد لأن تقطع يديه كجعفر الطيار من أجل حملها.. استمتع بالحياة التي تحبها وبالترف الذي تحس بجوع معنوي شديد اليه.. ودع الكادحين وحالهم ندعك وحالك.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
15 سبتمبر 8691م
رقم العدد «9071»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.