ربما لم يكن مفاجئا وقوف واجهات وأسماء وشخصيات وأحزاب سياسية في موقف مناهض ومضاد ومعاكس لجبهة الدستور الإسلامي حديثة الميلاد والتكوين والتأسيس في سعيها نحو اقرار دستور إسلامي، مثل ان يصف الامام الصادق المهدي كما جاء في صحف امس أطروحة جبهة الدستور الإسلامي ب «الصبيانية»، فمعركة خصوم الدستور الإسلامي قديمة نشأت بعد استقلال السودان وظهور الجبهة الإسلامية للدستور التي قادها مولانا الشيخ عمر بخيت العوض وضمت الاخوان المسلمين وخريجي المعهد العلمي وأنصار السنة وبعض مرتادي نادي ام درمان الثقافي فظهر وقتها معارضون للتوجهات الإسلامية ثم استمر الصراع بين ذات الاطراف في عقد الستينات حينما تكونت جبهة الميثاق الإسلامي وظهر علي قيادتها الدكتور حسن الترابي وتواصل الصراع بين المؤيدين لتطبيق الشريعة والمعارضين لها عندما اعلن الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري تطبيق القوانين الإسلامية منتصف عقد الثمانينات وحكم بالقوانين الناجزة وتطبيق الحدود مثل حد الردة علي زعيم الاخوان الجمهوريين محمود محمد طه علي يد قضاة العدالة الناجزة الشيخ الشهيد أحمد محجوب حاج نور ومولانا المكاشفي طه الكباشي وإصدار قرار قضائي بكفره وردته وخروجه عن الدين الإسلامي وبالتالي تنفيذ حكم الاعدام عليه حدا وتمت صياغة مسودة الدستور الإسلامي علي يد مستشاري الرئيس بالقصر الجمهوري مولانا النيل ابوقرون وعوض الجيد محمد أحمد وبدرية سليمان بينما أطلق خصوم الإسلاميين علي الشريعة «قوانين سبتمبر» وزاد بعضهم ان هذه القوانين لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به. . وبالطبع فان كل هذه المعارك حول إسلامية الدستور أو علمانيته مفهومة لجهة ان المعارضين للإسلاميين لا يريدون قوانين يضعها او يتواضع عليها عناصر من الحركة الإسلامية والاخوان المسلمين أو السلفيين لاعتبارات قد تتعلق بالاختلاف السياسي . . . حسنا. . لكن من غير المفهوم ان يعارض جبهة الدستور التي يقف اليوم علي قيادتها الشيخ أبوزيد محمد حمزه والشيخ صادق عبد الله عبد الماجد والبروف ناصر السيد وغيرهم من الرموز الإسلامية - ان يعارضها إسلاميون يصنفون من قبل آخرين بانهم متشددون ومتعصبون بخلفية سلفية موغلة في الالتزام الديني ، فقد فاجأني الشيخ الشاب محمود عبد الجبار الامين العام لحزب اتحاد قوي الامة « اقم » بان البلاد ليست في حاجة لجبهة الدستور الإسلامي ولا الشريعة التي ينادي بها هؤلاء بل الحاجة ماسة لتأسيس دولة الحكم الراشد واقامة العدل وإتاحة واشاعة الحريات العامة وبسط الشوري. . بمعني دولة تقوم علي اسس حديثة وهو يقصد بصريح العبارة ما اصطلح علي تسميته في العصر الحاضر ب« الدولة المدنية » ، وكال محمود عبد الجبار الهجوم علي دعاة الدستور الإسلامي وذهب لابعد من ذلك حينما قال ان الخوف علي السودان لا يأتي من العلمانيين بل من الإسلاميين أنفسهم. . واليوم يظهر فرز الاكوام حيال الدستور الإسلامي عبر ثلاثة محاور بعد ان كانت معارك وصراعات الدستور يدور رحاها بين الإسلاميين والعلمانيين دعاة الدولة المدنية ليكون شكل المشهد يمثل المحور الاول فيه « إسلاميون » تدافعوا وتراضوا وتوافقوا علي تأسيس جبهة الدستور الإسلامي، والمحور الثاني يقف علي صعيده بعض قادة الاحزاب والقوي اليسارية والعلماينة والليبرالية ، والمحور الثالث هم قوم من داخل الصف الإسلامي ومنهم الشيخ محمود عبد الجبار الأمين العام لحزب اتحاد قوي الامة الذي قال لي ان موقفه ينطلق من مصلحة الإسلام والوطن وليس لاجندة شخصية خاصة وان قيادات في جبهة الدستور أكدت له ان المسودة قابلة للنقاش والحوار حولها لابداء الاراء حولها وحيالها . . . غير ان الناطق الرسمي باسم جبهة الدستور الإسلامي الشيخ صديق علي البشير رد علي تساؤلي بخصوص معارضة بعض الإسلاميين لجبهة الدستور ومدي حاجة البلاد له قائلا : « قطعا البلاد في حاجة ماسة لدستور إسلامي لانه واجب شرعي لان الدولة الحديثة لابد ان يكون لها دستور حول من يحكم وكيف يحكم وما هي المبادئ الحاكمة هذه الثلاثة الاشياء ليست ملكا لاحد بل هي امور الحاكمية من الذي يحكم هو الذي يطبق الشرع الإسلامي والله امر الانبياء بذلك . . والله تعالي أمر الرسول بان يحكم بين المسلمين بما شرعه الله هذه مسألة عقدية والادلة تؤكد ان الحاكمية لله أمر عقدي والاجتهاد في تفاصيلها امر تقديري بشري والمسلمون لا يختلفون في المبادئ والموجهات العامة لكنهم اختلفوا في التفاصيل وحول الدولة المدنية وشكلها قال الشيخ صديق علي البشير : « الدولة المدنية » تعبير غير واضح ويكتنفه الغموض وغير محدد المعالم » . . . ويمضي قائلا : « ان اريد بها ان الحاكم لا يسأل ولا يحاسب من قبل الشعب كأنه إله او معصوم فهذه مرفوضة من ناحية شرعية اما ان اراد الا تخضع الدولة للشرع الإسلامي فهذه أيضا مرفوضة سواء سميت مدنية او غيرها والبعض يحاول ان يضع ويفرض خيارين لا ثالث لهما « إما مدنية أو علمانية » لكن هناك دولة إسلامية كخيار اول . . . ويختتم الشيخ صديق قوله معي ان بعض الإسلاميين يعملون علي طرح الدولة المدنية لمخارجة أنفسهم من مأزق ضغط العلمانيين عليهم بالداخل والخارج أو حتي لا يصنف كشخصية متشددة وينظر اليه كرجل مرن ومنفتح غير ان شرع الله لا يحتمل ذلك فالوضوح في المواقف ضروري في قضية مهمة كالدستور الإسلامي الذي تصبح قضية وجوده ملحة وتزداد يوما بعد يوم . . .