تمتاز العلاقات بين السودان وجارته الشرقية اثيوبيا بخصوصية اجتماعية وثقافية لافتة، وهي ربما المحرك الاساسي للتقدم المضطرد في التعاون بين البلدين على اصعدة مختلفة. وقد كان هذا التعاون ثمرة لتفاهمات مشتركة بين الحكومتين في الخرطومواديس ابابا على كيفية التعاطي مع قضايا كثيرة مطروحة على المستوى الداخلي وعلى مستويات التعامل مع الآخرين في العالم والاقليم. وكما نتابع فالبلدان يديران الخلافات المحتدمة بين دول الحوض حول مياه النيل فيما تلعب اثيوبيا دورا محوريا على صعيد حلحلة خلافات السودان مع جوبا. حول العلاقات بين البلدين وقضية المياه والسد الذي تشرع اثيوبيا في بنائه، دارت محاور حديث « الصحافة « مع سفير اديس ابابابالخرطوم بادى زمو. ٭ كيف ينظر سعادة السفير من موقعه لمسار العلاقات بين الخرطومواديس ابابا؟ - ان العلاقات بين البلدين قوية وتنمو اضطرادا يوما بعد يوم وهذا يشمل المجال السياسي والاجتماعي، كما انها تمتاز بالمتانة في المجالات ذات الصبغة الامنية والدفاعية. وعامة يمكن القول بثقة ان العلاقات بين البلدين متميزة للغاية. ٭ في ظل تشابك المصالح والوشائج هذا، ما الذي تطمحون اليه فيما يخص العلاقة بين البلدين؟ - كما تعلمون فان العولمة توحد العالم كله والعلاقات بين البلدين ايضا تمضي على ذات الخطى، ونحن نتابع نمو علاقتنا مع السودان برضى، والواقع ان ما يحدث من تقارب بين دول العالم يدفع بالعلاقات بين البلدين للمسارعة في التطور بشكل اكبر. الآن هناك مشاريع مشتركة في الطرق والبنية التحتية والطاقة التي سيصبح السودان سيد منافعها، والاستثمار والاقتصاد. وكل ذلك سيساعد ، اذا عملنا سويا وكانت المنافع منها متبادلة، على التوحد السياسي. ٭ ماذا تعني بالتوحد السياسي؟ هل على مستوى المواقف ام الوحدات؟ - ان التضامن السياسي لا يأتي لوحده فهو يأتي عبر وسائل كثيرة منها العمل سويا على انجاح مشاريع البنية التحتية مثلا، ومثل هذه المشاريع تساعد على تحقيق التضامن السياسي. الآن اثيوبيا تستخدم موانئ السودان، وما لهذا الامر من منافع فسيجعل من التضامن السياسي قويا. كل ما يجمع البلدين من مشاريع تصب في نهضتهما ورخاء شعبيهما، سيجعل عملية التضامن السياسي قوية جدا. رغم العلاقة المتينة التي نراها بين البلدين وما يستشعره الرأى العام هنا من تكامل للمصالح ، فان هناك ملفات ظلت عالقة مثل الحدود التي تقفز الى السطح باستمرار.. ليس هناك مجالات خلافية بين البلدين، مشكلة الحدود مشكلة محلولة وليست هناك مناطق تطلبها اثيوبيا او السودان فهناك تفاهم طيب بين الخرطوم واديس حولها، والموضوع هو التنفيذ أي ان الامر العالق التنفيذ فقط. هناك زراع في الحدود كيف نعالج هذه المسألة، علينا انشاء آليات لحل مشاكل الزراع وانا كسفير اقول: ليست هناك مشكلة تظل محل خلاف، وعلى الشعب السوداني ان يتأكد « ليس هناك سوء سيأتي من اثيوبيا، فاثيوبيا تريد تغذية شعبها». ٭ بالزراعة..؟ - هي تريد تغذية شعبها بكل ما يحتاج من الاغذية.. هذا هو املها!!. وهناك رغبة اكيدة من الحكومة الاثيوبية في نماء السودان واستقراره وقوته لان الحكومة السودانية القوية هي نماء للحكومة الاثيوبية نفسها، ونماء اثيوبيا حكومة يستمد من نماء الحكومة السودانية، ولذلك نريد للسودان ان يكون قويا وناميا وليس هناك من تجاه اثيوبيا أي نوايا للتسبب في مشكلات بين البلدين. وأرى ان هناك رغبة اكيدة من الجانبين في تنمية هذه العلاقة الجيدة اكثر فاكثر. ٭ وماذا عن المناطق التي ينتظر ان تكون تكاملية على الحدود وحركة التجارة والبشر والزراعة.. فرغم التعاون والعلاقة فان الملفات تراوح مكانها.. تحركات البشر والزراع والتجار على الحدود بطيئة، ولكن هذا لا يعني ان النشاط غير موجود، ولتنمية هذا النشاطات اكثر فاكثر لفائدة البلدين هناك لجنة وزارية ستجتمع في الشهر القادم لبحث هذه النقاط كاجندة، وانشاء آلية لمعالجتها. لذلك ليس هناك مشكلة اصلا. واؤكد ان التنسيق بين البلدين فيما يخص كل هذه القضايا يجري لتقديم معالجات على مستويات مختلفة. ٭ لماذا لا نلمس اثرا لذاك؟ - هناك لجان فنية ولا توجد مشكلة او خلاف كبير بين البلدين، واللجنة السياسية الخاصة بالحدود اجتمعت هنا في الخرطوم بديسمبر، وهناك رغبة قوية في الجلوس والتنسيق معنا لمعالجة بعض الخلافات، ولهذه الرغبة المشتركة لا ترون بوادر لمشكلة بين البلدين. ٭ كيف تجدون عملية تنفيذ مقررات اللجنة العليا بين البلدين، بخاصة وانها كما نتابع عقدت اجتماعات كثيرة بشكل دوري..؟ - اللجان الفنية المختصة بمتابعة التوصيات والقرارات ظلت تعمل ، ولكنها لم تفرغ ورفعتها الى القيادتين في يناير المنصرم، والعمل بشكل عام يمضي بصورة طيبة على هذا الصعيد ايضا. ٭ على الصعيد الداخلي. . ما هي ابرز التحديات التي تواجه بلادكم؟ - التحدى الذي يواجه اثيوبيا في الماضي والآن هو الفقر، فاذا كان هناك فقر فلن تكون هناك تنمية، ونحن اذا انتصرنا في هذه الجبهة سننتصر في مختلف الجبهات الاخرى. وهذا هو باختصار التحدي الذي يواجه اثيوبيا، ونعمل بشدة وعزم على القضاء عليه. اذا كان كان هناك فقر في الدولة لا يمكن ان نقدم الطعام لشعبنا، وفي اثيوبيا اكثر من «80» لغة ولهجة وقومية ودستور فيدرالي. فلابد لهذا الشعب ان يرى ضوءا في نهاية النفق، ولابد ان ننتصر في مجال الفقر، وان حدث فلن تقف هناك أي تحديات امامها، ستكون قوية ولن تكون هناك هجرة للبشر وتنقل الى بلدان اخرى. ٭ كيف تنظرون الى التنسيق المشترك على المستوى الاقليمي، وهل انتم راضون عن الدرجة التي بلغها؟ - صحيح فان البلدين يعملان سويا ويتخذان مواقف مشتركة ومتشابهة في المحافل الاقليمية والدولية، في الاتحاد الافريقي والامم المتحدة، وهما يعملان بتنسيق لحفظ وحماية المصالح المشتركة. ٭ وهل هما كذلك على صعيد ملف مياه النيل؟ - نعم حتى على مستوى مياه النيل.. وقد كان، في البداية، شبه شك بين البلدين حول مواقفهما من القضية، ولكن تم الآن التغلب على هذه الشكوك ووصل التفاهم المشترك الى درجات ابعد، وجوهره ان ينتفع السودان واثيوبيا من المياه معا، وهذا باختصار يجمل موقفهما من القضية. اثيوبيا بنت السودان والسودان سيستفيد منها ، فلسدود اثيوبيا فوائد جمة على بلادكم منها ان يمنع الفيضانات وتبخر المياه وتراكم الطمي، وهي ستجعل السودان يستفيد من عملية جريان المياه طوال العام بدون توقف، وهذا ما يحدث في نهر عطبرة، فبعد ان اقامت اثيوبيا سد « تكزي» لم يعد نهر عطبرة موسميا واصبحت المياه ترد الى النهر بشكل مستمر ودائم الجريان. اذا هذه فوائد السدود على السودان « ليس هناك طمي وليس هناك فيضان ومياه دائمة التدفق»، اذا السودان سيستفيد ومصر ايضا ستستفيد من ذلك. من جهة اخرى فان الجغرافيا تقول ان اثيوبيا تقع في موقع الهضبات وهو ما يتيح لها فرصة بان تولد الكهرباء، فيما ارض السودان مسطحة وتصلح للزراعة، وسيتاح للسودان من هذه المياه الدائمة زراعة اراضيه لكي يغذي شعبه واثيوبيا وكذلك الدول الاخرى. وهذه المنافع تأتي من اقامة السدود هناك. وان السد الذي يبني في اثيوبيا باسم « النهضة» سيربط السودان واثيوبيا ومصر بمنافع متعددة لا تحصى. ٭ هل من فوائد اخرى لهذا السد؟ - لقد كانت هناك مشكلة كبيرة تواجهه السودان من تراكم الطمي، وعند اكتمال بناء سد النهضة سينخفض الطمي في خزان الروصيرص من «3،4» مليون متر مكعب الى « 1،9» مليون متر مكعب، وفي حزان سنار من «900» الى «300» مليون كيلومتر. ومن المعروف ان زيادة الطمي تقلل من كمية المياه الواردة الى الخزانين وتعطل عملية انتاج الكهرباء. ولا ننسى ان كميات المياه التي كانت تضيع على السودان بفعل التبخر ستقل، فالسد سيحفظ المياه ويقلل التبخر. وطبقا للمعلومات المتاحة فان نسبة التبخر من المياه تعد«6» مليون متر مكعب سنويا، وبعد اكتمال السد ستنهي العملية، والكل يعلم ان السدود في أي مكان تقضي على التبخر. واشير ان هذا الكمية المفقودة من المياه بفعل التبخر سيتأتي لاثيوبيا بعد السد الاستفادة منها لمائة عام مقبلة، والسودان سيتفيد منها ايضا ،ويمكن ان تستخدم هذه المياه هنا وهناك في الزراعة. واحب ان اشير لمسألة اخرى تتصل بهذا السد وهى ان تكلفة الميقاواط الواحد فقط من الكهرباء بالسعر الدولي « 2،5» مليون دولار، فيما ستبلغ في هذا السد « 1،5» مليون دولار. وبحسب الخبرة الدولية فان هذه تكلفة الميقاواط في أي مكان، لكن هذا سيقل عندنا بعد اكتمال السد، وهو متاح للسودان كاحد فوائد وعائدات سد النهضة على بلادكم. وعلى جانب اخر فان طبيعة اثيوبيا تجعل المياه تجري من تحت ارضها الجبلية، فيما يمتاز السودان بالاراضي المسطحة القابلة للزراعة والانتاج الوفير. ٭ ان كان لهذا السد كل الفوائد المشتركة المذكورة.. لماذا يشكك الآخرون في اهدافه وجدواه؟ - الثقة بين مصر واثيوبيا لم تكن موجودة لان النظم السابقة في القاهرة كانت تعتقد بان اثيوبيا ان نعمت بسلام دائم ستفكر في بناء سد وتمنع جريان المياه اليها، لذلك كانوا يمنعون عنا القروض والمنح والمساعدات وتمويل مشروعاتنا. هذا ادى الى ان يشك كل بلد في الآخر. ولكني اؤكد ان هذه الشكوك لم تعد الآن موجودة. ٭ هل زالت المخاوف المصرية تماما؟ - لم تعد كالسابق ابدا، فقد قلت حدتها بدرجة كبيرة ونحن نعمل مع المصريين لمعالجة هذه القضية. ٭ وماذا عن موقفها من سد النهضة؟ - لقد شكلنا لجنة فنية ثلاثية لدراسة تأثيرات سد النهضة وقبلنا بذلك حتى يعلم الجميع بانه لا يلحق اضرارا باحد، وهذا قد ساعد في خلق تعاون وتفاهم مشترك. ٭ كيف يتم تمويل بناء هذا السد؟ - عندما قررنا بناء هذا السد لم نجد من يمولنا وارتكزنا في المشروع على التمويل الشعبي، حيث طرح صكوك على الناس في اثيوبيا بفئات مختلفة قيمة ادناها «50» دولار امريكي، وتدافع الشعب للمشاركة في انجاح المشروع، وطرحت ذات الصكوك على الشعب الجيبوتي وكانت حصيلة بيعها « مليون دولار امريكي»، الآن نحن نطرحها هنا في السودان عبر موقع سفارتنا في الخرطوم ونرحب بالمشاركة السودانية من الجميع. وهذه الصكوك ربحية ستعود على الناس بفوائد خلال «5» اعوام. ٭ سعادة السفير ما هي اسباب الخلاف بينكما واريتريا، وهل تمانعون في الوساطة معها؟ - نحن نرحب باي دور من أي بلد على صعيد تقريب وجهات النظر وحل الخلافات بين البلدين ، فنحن لا نريد الحرب. واعتقد ان السودان يمتلك مقدرات ومؤهلات لذلك اكثر من غيره. السبب الرئيس لما يحدث من اريتريا ان نظامها يعتقد بان بلاده « صغيرة عليه» ، ويطمح في توسعة نفوذه لهذا دخل في خلافات مع كل من السودان وجيبوتي والكونغو الديمقراطية والسعودية، ونظام اسمرا يسعى الى فرض رأيه على الآخرين لتحقيق مصالحه الخاصة. ولا اعتقد بان احدا سيقبل هذا.