نظم المعهد الاسلامي للترجمة عبر جمعيته الثقافية أمسية ثقافية ، كانت مفتتح جلساته أمسية استضاف فيها الشاعر الدبلوماسي والدكتور عمر عبدالماجد قدم خلالها دكتور عمر ملامح من تجربته الحياتية والأدبية .. المنتدى برعاية الأستاذ التجاني فضل المولى وادارة النشاط تحت اشراف القاصة فاطمة عتباني والتي أدارت الجلسة وقدمت بعض اضاءات حول سيرة الشاعر عمر عبد الماجد فهو قد نشرت له العديد من الأعمال في الصحف والمجلات السودانية وصدر له ديوان أسرار تمبكتوالقديمة ، ومهرجان العصافير والأراك ، ولم يبق الا الاعتراف ، وترجم بعض أشعار بودلير وصدرت في كتاب وصدر له ايضاً كتاب حول تاريخ غرب أفريقيا ، وأضافت مقدمة الأمسية أنه يحمل وسام الدولة التونسية و المعهد يحتفي بأن تكون هذه الجلسة مفتتح لجلسات قادمة ، ليقدم لنا دكتور عمر حصيلة تجربته الأدبية علنا نقتبس منها ... ثم بدأ د. عمر حديثه قائلاً :- عمر عبد الماجد من مواليد مدينة الكوة وهي مدينة تختزن كمية من العبق والجمال ، رأيت النور فيها وغرقت في بحرها ، أكلت من سمكها ومن أرنب برها ، والتحقت بالمدرسة الأولية وهي من أوائل المدارس بالسودان أنشئت عام 1903م ، أي بعد 3 سنوات من دخول الانجليز السودان ، تخرج منها التجاني الماحي ، وميرغني النصري وغيرهم من الرعيل الأول ، شددت الرحال وانا في العاشرة من العمر الى مدينة ملكال ، حيث أكملت بها المدرسة الأولية ومنها الى ملكال الوسطى ومدينة ملكال كانت لؤلؤة من لألئ السودان فهي مدينة شمالية جنوبية ، كانت خير مثال للوحدة الوطنية ، في الصف الثاني وانا بمدرسة ملكال شبت الحرب اللعينة وأغلقت المدارس ، وذهبنا الى شمال السودان ، هنالك التحقت بمدرسة القطينة الوسطى ، ومنها الى مدرسة حنتوب الثانوية ، وحينما أتحدث عن حنتوب ، أقول حنتوب كانت عالم ملئ بالجمال والأزاهير والعصافير ، عالم تتلمذنا فيه على عدد من شعراء السودان ، تتلمذنا على يد الشاعر الهادي أدم ، وهو شاعر القصيدة المشهورة أغداً القاك التي تغنت بها أم كلثوم ، وكانت معه كوكبة من الشعراء والمفكرين تتلمذنا أيضاً على الأستاذ مصطفى طيب الأسماء ، وحسن أحمد الحاج وعبادي وغيرهم من الفطاحلة ، ثم التحقنا بجامعة الخرطوم وعندما أقول التحقنا أو درسنا أعني جيل من الذين كانوا بمدرسة حنتوب ، جامعة الخرطوم في الستينات كانت بصورة عامة زمان خصب وزمان تفتح نحو العالم ليس في السودان فقط وانما في العديد من بلدان العالم ، كان في السودان نظام الفريق عبود في ذلك الوقت وقد كانت جميع الروابط مشرعة بالفكر كانت تأتي المجلات من بيروت ومن القاهرةودمشق وغيرها ، فأثرت الشباب والقراء بقيم ولذلك ظهر في السودان عدد كبير جدا من الشعراء حينذاك ، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد المكي ابراهيم ، النور عثمان أبكر ، محمد عبدالحي ، عبدالرحيم أبوذكرى ، علي عبدالقيوم وغيرهم من الشعراء المشهورين . فترة الستينات شهدت اندلاع ثورة 21 اكتوبر ، وهي كانت نقطة تحول كبيرة جدا في تاريخ السودان المعاصر ، أفرزت كمية كبيرة من الأشعار أشهرها اكتوبريات ودالمكي وقصائد على عبدالقيوم وهكذا وهي فترة كانت مليئة بالخصب والابداع ، حينذاك استدعاني المرحوم عبدالله الطيب وكان يومها عميدا لكلية الآداب بالجامعة قال لي بأن الحكومة الفرنسية تقدمت لجامعة الخرطوم بمنحتين دراسييتين فوق الجامعة ، وقد وددت أن أمنحك هذه الفرصة ، وبالفعل وافقت وان أنسى لا أنسى هذا الرجل كتب توصية للحكومة الفرنسية ما زلت أحتفظ بنص منها أهم ما بها كانت تزكية لي ، وقبل السفر خشيت أن لا يكون قد شدد عليهم في التوصية فقرأتها للشاعر محمد عبدالحي فأعجب بها وقال لي يا خ عايزه يكتب عنك شنو يقول الفتى المخملي كما قال محمد المهدي المجذوب ، هذه المنحة كانت نقطة تحول في حياتي ، وفي حقيقة الأمر أن بعض الأشياء تترتب بدون ما نقصد ، سافرت فرنسا وكنت قد درست اللغة الفرنسية بجامعة الخرطوم ، وكنت لأول مرة التقي بأوربا ، درست بجامعة السوربون اعددت الماجستير وبعد عام انتقلت الى مدينة أخرى بانجلترا حيث درست تاريخ الثقافات الاأفريقية وهنا قرأ قصيدة ارتبطت بتلك المدينة وهي من قصائد الشباب كما ذكر وهي بعنوان أغنية من زمن ثمين . ثم واصل د. عمر حديثه قائلاً: كانت تلك سنوات جميلة ، عدت بعدها الى الخرطوم وكان في ظني أني سأعمل أستاذ في جامعة الخرطوم غير أن الأقدار تعطيك أشياء لا تكون في الخاطر ، فقد ارسل لي الأستاذ مكي شبيكة رئيس شعبة التاريخ بالجامعة و قال لي علمت أن وزارة الخارجية تحتاج لخريجي اللغة الفرنسية و- كان محمد عمر بشير سفيراً وقتها ورئيس للادارة بوزارة الخارجية - ، فأقترح علي ان أذهب اليه ، هذه المسألة بالنسبة لي كانت مدهشة جداً وذهبت بالفعل مساءاً لمقابلة محمد عمر بشير وقد كان بمصلحة الثقافة وقتها يقدم محاضرة بها كما علمت من شبيكة وكان قد اتصل عليه تلفونياً ، وكان هذا مدخلي الى الخارجية ويومها كان بها كبار السفراء السودانيين من أمثال جمال محمد أحمد ، وعبدالرحيم محمد وغيرهم من كبار العلماء والمثقفين عملت مع محمد ابكر الشيخ وسافرت معه ومع وزير الخارجية الى جمهورية الكنغو ومنها الى نيروبي ونحن في لاغوس في مؤتمر جاء ت رسالة من الرئيس نميري وكان ذلك عام سبعين تتطلب من الوزير التوجه من لاغوس الى غينيا لتبليغه مساندة السودان ، وكان قد حدث أثناء وجودنا في المؤتمر هجوم بحري برتقالي على غينيا وكان رئيسها أحمد سيكتوري وهو كان رئيسا مقداما وشاعرا وسياسياً ، غادرنا لاغوس وتوجهنا الى غينيا وكانت في حالة حرب وكان احساس قاسي جدا بالنسبة لي وانا حديث عهد بوزارة الخارجية ، وكان في ذات الوقت حدث مهم جدا أن التقي بسيكتوري وكذلك التقيت بنكروما وهو رئيس غانا وكان منفي في غينيا ، وهو من كبار القادة الأفارقة الذين قامت على أكتافهم منظمة الوحدة الأفريقية ، وهو من العظماء وكانت مقابلتهم فرصة طيبة بالنسبة لي . الشاهد أن العمل بوزارة الخارجية يتيح للانسان فرصة الالتقاء بشخصيات كبيرة ولها وزنها وقد التقيت كذلك بسنغور وجلست معه وهو من كبار شعراء العالم . . الشاعر كتاباته وشعره هي حصيلة تجربته في الحياة التي تتراكم بداخله وتخرج عملاً ابداعياً ، أذكر عندما كنا طلبة في حنتوب الثانوية ذهبت برفقة الشاعر محمد عبد الحي الى الهادي أدم وعرضنا عليه بعض قصائدنا رغم أنها كانت ليست بالشكل الجيد لكنه شجعنا وقال لنا - هذا شعر كويس لكن أمشوا أقرأوا شعر كثير وأنسوه هذا ما قاله لنا الهادي أدم عام 1958م وقد استفدنا غاية الاستفادة من نصيحته لنا ... بعد ذلك سافرت الى جمهورية زائير وعاصمتها كنشاسا وانا سفير ثاني ، وانا كما ذكرت من قبل كان تخصصي في الثقافة الأفريقية فوجدت فيها ثراءاً عظيماً أضاف الكثير لتجربتي ، ومن ثم انتقلت الى سوريا وأذكر أن بشار الأسد واخوته كانوا يلعبون بالقرب من السفارة السودانية ووقتها سوريا أيضاً كانت في حالة حرب فكان ذلك بالنسبة لى تجربة قاسية جدا ، وأذكر في ذلك الوقت وانا كنت قائم بأعمال السفارة والسفير غير موجود جاء الينا وفد رسمي من السودان وحدث في ذات اليوم أن انطلق صاروخ هز السفارة السودانية وتحطم زجاج المبنى وعلى اثره غادر الوفد ولم يكتب أي شئ عن الوضع وعادوا الى السودان وعندما سئلوا عن أوضاع السفارة السودانية ذكروا أن الوضع تمام هذه تجارب تترسب بدواخل الانسان وفي ذاكرته لتخرج بعد ذلك ابداعاً ... من دمشق انتقلت الى القاهرة ...