الاعلام ظل هو فعلاً سلاحاً ذا حدين.. فهو سيف في يد الحكومة وبالمثل هو سيف في يد المعارضة، وهو ايضاً سيف في يد القوى الاقليمية والدولية التي تتربص بالحكومة والنظام القائم في الخرطوم، والحكومة تتأذى بقدر كبير من سهام الاعلام ان كان داخلياً او خارجياً، وتتحمل في سبيل ذلك كثيراً من الأذى، وتصبر على ذلك، ورغم ذلك تأتي التقارير العالمية عن حرية الصحافة لتضع السودان في ذيل القائمة، وقد لا يكون السبب هو القانون الذي ينظم العمل الاعلامي والصحفي، لأن قانون الصحافة يعدل كل مرة من أجل الوصول الى قانون يمنح هذا العمل المزيد من الحرية المسوؤلة التي تؤدي رسالتها في أن تنتقد سياسات الحكومة في الجهاز التنفيذي وتحافظ على الوطن من كيد المتربصين، ولكن يبدو أن مشكلة الحكومة في اعلامها، وبالتالي هي مهزومة داخلياً وخارجياً بسبب الاعلام، رغم الجهد السياسي والعمل الدبلوماسي والوجود المقدر في المحافل الدولية والاقليمية، وتواصل القيادات مع المواطنين في اللقاءات والمناسبات المختلفة، فالمعارضة تستفيد من اي إجراء او ثغرة تتخذها السلطات لتوظفها بالشكل الذي يجعل هذا الاجراء خصماً على رصيد الحرية الذي اتاحه القانون، وتظل المؤسسات والمنظمات المعنية بحرية الصحافة ترصد هذه الاشياء لتكون في نهاية الرصد ان السودان في ذيل القائمة، وكذلك في حقوق الانسان والشفافية وغيرها من المعايير العالمية التي تحكم اداء المؤسسات الحكومية بغية الوصول الى الحكم الرشيد، وبالتالي تكون الحكومة في حالة تراجع بالمعايير، والاصل يجب ان تكون في حالة تقدم ان احسنت توظيف ما قدمت من عمل وجهد، ولكن تبقى المسألة في الاعلام الذي يهزم الحكومة في كل المحافل السياسية والدبلوماسية، وحتى في المسائل الوطنية لم يكن الاعلام بالقدر الذي كان يتوقع منه، خاصة في التطورات التي اعقبت اتفاقية السلام، وما تلا ذلك من استحقاقات مثل الانتخابات والاستفتاء ودعم الوحدة، ولم تنجح المؤسسات الاعلامية بالقدر الذي جعل النائب الاول لرئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه في لقائه الاخير بوزير الاعلام الجديد غازي الصادق الذي خلف عبد الله مسار في الوزارة بعد استقالته اثر خلاف مع عوض جادين، جعل النائب الاول يضع موجهات للوزير الجديد هي في الاصل برنامج واضح للاعلام في الفترةالقادمة. وعندما يتحدث النائب الاول لا يتحدث للاستهلاك السياسي او الاعلامي، وانما يتحدث من واقع قراءات مدعومة بالشواهد في الامور المحلية والاقليمية والدولية، وما مدى ارتباط هذه الموضوعات ببعضها البعض وما هي تأثيرتها على مستقبل السودان، وعندما يقول النائب الاول لوزير الاعلام غازي الصادق يجب ان يعمل الاعلام من خلال وسائطه المتعددة على وحدة الصف الوطني وتماسك الجبهة الداخلية وان يضطلع الاعلام بالدفاع عن الارض ومكتسبات البلاد، فإن هذا في حد ذاته برنامج عمل يجب ان تضع له الخطط والبرامج من اجل ان تتحقق نتائجه بالقدر الذي يحقق الاهداف، قد تكون هذه رسالة بأن هذا الامر لم يتحقق بالقدر المطلوب في الفترة الماضية، وان الجهد الاعلامي لم يكن ايقاعه بنفس سرعة وجودة الاداء السياسي، فلهذا حدثت هذه الفجوة، وان حديث النائب الاول هو دفع جديد لهذه المؤسسات الاعلامية جاء لسد هذه الفجوة التي كان لها تأثير سلبي على البلد بكاملها، وظهرت تلك التداعيات بشكل واضح. وعندما يقول وزير الاعلام ان التوجيهات تضمن «ابراز دور مناطق جبال النوبة والنيل الازرق في تكريم الوجدان السوداني، بجانب رسائل اعلامية لمواطني هذه المناطق ولشعب دولة جنوب السودان تهتم بتصحيح الصورة لدى الرأي العام المحلي والعالمي، والاهتمام برسائل المراسلين الاجانب والمحليين في تناول قضايا البلاد بمصداقية لابراز الحقائق بصورتها الراهنة»، فإنه واضح من حديث النائب الاول ان هناك خلالا في اداء الرسالة الاعلامية وان المؤسسات المعنية بهذا الامر مثل الاذاعة والتلفزيون بالدرجة الاولى والصحافة بالدرجة الثانية لم تقم بالدور المطلوب تماما، خاصة في مسألة الوحدة والانفصال وفي عملية تقرير المصير، وإن كان النائب الاول لا يلتمس العذر لهذه المؤسسات الإعلامية، ولكن يعيد اليها الكرة مرة اخرى، وحال النائب الاول مثل المدرب الناجح الذي يقرأ الملعب جيداً ويعرف مواطن الخلل ونقاط الضعف عند الخصم، ويفشل لاعبوه في تنفيذ خطته ولا يستطيع هو الدخول للملعب لتنفيذها بحكم القانون. ومشكلة الاعلام مازالت قائمة والكل يشكو منها وها هو وزير الخارجية علي كرتي يشكو من الضعف الاعلامي الذي اضر بسياسات العمل الدبلوماسي في الخارج، وقال في المداولات الاخيرة في البرلمان وهو يقدم بيانه امام نواب الشعب، ان إعلام الحركة الشعبية في وسط وجنوب افريقيا اقوى من اعلام الحكومة، وان عزا ذلك لعلاقات الحركة الشعبية القديمة بتلك المناطق، ولكن هذا لا يجد العذر لدولة عمرها الوطني منذ الاستقلال تجاوز الخمسين عاماً، ومن المفترض ان تكون لها استراتيجات وخبرات تراكمية، وهي التي تدعي انها دعمت حركات التحرر في افريقيا، وهي اول دولة نالت استقلالها في افريقيا جنوب الصحراء. وإن كان وزير الخارجية قد شكا من ضعف الاعلام الخارجي، فإن النائب البرلماني احمد حسن كمبال ذكر في تلك المداولات داخل قبة البرلمان ما ذهب اليه وزير الخارجية وأيُده، وذهب ابعد من ذلك وحمل ذلك الى ضعف الخطاب الاعلامي الخارجي، ووصف الامر بالمحبط، واكد ان الخطاب الداخلي للحكومة غير مسموعحتى محليا. اذن ماذا تنتظر الحكومة بعد حديث النائب الاول وتوجيهاته التي تشير الى ضعف الاعلامي الواضح، وتصريحات وزير الخارجية ومداخلة عضو البرلمان كمبال؟ ومما يتضح جليا في هذا الامر، فإن عملية التغيير اصبحت واجبة التنفيذ على قيادات المؤسسات الاعلامية، ووضع موجهات النائب الاول لرئيس الجمهورية باعتبارها برنامج عمل يشرف على تنفيذه وزير الاعلام ووزير الدولة المرتقب. ومن هنا اصبحت مغادرة مدير الاذاعة السودانية معتصم فضل واجبة التنفيذ، اولاً لفشله في انفاذ سياسة اعلامية ناجحة في كل التحديات التي واجهت البلاد، ولم تكن الاذاعة السودانية على قدر تأثيرها في احداث تحول تعين به السياسات ان كان في العمل السياسي او الدبلوماسي، ثانياً ان معتصم فضل دخل الاذاعة السودانية موظفا عام 1972م، يعني انه قضى أربعين عاماً. وبالتالي إن كان تعيينه في ذلك العام وعمره عشرون عاماً، فإنه قد يكون بلغ الستين. وبالتالي فإن معتصم اودع كل ما عنده خلال الاربعين عاما التي قضاها في دهاليز الاذاعة، ولم يعد له جديد يقدمه ان قعد بعد المشاهرة كما يريد محبوه، والامر الثالث وهو المهم في ذهاب معتصم فضل ان صح ما قاله المهندس الاذاعي بهاء الدين لصحيفة «السوداني» حول الكذبة الكبرى «الارشفة الاكترونية» التي كشف معلومات خطيرة حول هذا المشروع الذي حاول معتصم فضل توظيفه من اجل البقاء اكبر مدة في كرسي المدير العام كما اشارت بذلك كتابات بعض الصحفيين، وليس عيبا ان يتطلع فضل الى البقاء مدة اكبر في كرسي المدير، ولكن من العيب ان يضلل النائب الاول لرئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية ووزير الاعلام المستقيل عبد الله مسار بهذا المشروع حسب ما شار المهندس الاذاعي بهاء الدين في ذلك الحوار مع صحيفة «السوداني» وواضح جداً أن بهاء الدين تعرض لظلم كبير من قبل المدير، وهو مهندس كفء رغم انه موقوف من العمل بقرار من ا لمدير، الا ان مساهماته اكبر من معتصم فضل، فقد كان قبل ايام في كادوقلي من اجل تفعيل العمل في اذاعة كادوقلي، وهو بذلك ينفذ توجيهات النائب الاول بهذا الجهد الهندسي حتى تسهم اذاعة كادوقلي في انفاذ ما وجه به النائب الاول. وامس الاول عاد المهندس بهاء من مدينة شندي بعد جهز اذاعة FM والتي سيفتتحها مساعد رئيس الجمهورية ونائب الدائرة الدكتور نافع علي نافع بعد غدٍ السبت، والسيد مدير الاذاعة يضلل قادة البلاد بمشروع الارشفة الرقمية رغم ما يحيط به من مشكلات، بل أن مدير الاذاعة حاول دعوة زعيمي الامة الصادق المهدي والاتحادي محمد عثمان الميرغني لزيارة الاذاعة والتعرف على الارشفة الاكترونية، وقال بعضهم ساخرا إن معتصم يخطط للبقاء حتى بعد الربيع السوداني وبعد ذهاب النظام، بدعوته هذه لزعيمي الامة والاتحادي. والمطلوب الآن من السيد وزير الاعلام التحقيق في موضوع الارشفة الاكترونية، وهل فعلاً كل ما قاله المهندس الاذاعي حول هذا المشروع صحيح، ثم ثانياً هل يقف وزير الاعلام على عملية تضليل قيادة البلاد ان صح حديث هذا المهندس، وعلى كل فإن هذه الاشياء كافية لذهاب معتصم فضل وتعيين قيادة جديدة للاذاعة قادرة على تنفيذ موجهات النائب الاول التي تحمل في داخلها سياج امان للسودان من كيد المتربصين به. اما السيد محمد حاتم سليمان فيكفي انه هو الآن المدير العام. وهو الآن مدير الادارة السياسية والاخبار بعد استقالة عبد الماجد هارون، وهو الآن مدير الشؤون المالية والادارية بعد ذهاب بدر الدين شيكان الذي دخل الحوش مندوباً لشيكان، فأصبح مديراً رفيعاً في تلفزيون جمهورية السودان، والآن محمد حاتم هو مدير القناة القومية بعد رشحت اخبار بأن السيد مدير القناة في اجازة لاسباب اكاديمية «التحضير لدرجة الدكتوارة». ومحمد حاتم جاء للولاية الثانية في التلفزيون مع بداية تنفيذ استحقاقات اتفاقية السلام، واعتقد البعض أن حاتم هو رجل تلك المرحلة والتي تشهد عمليات الانتخابات والاستفتاء، وانه لا بد من وجود شخص مثل حاتم في هذه المرحلة حتى تتحقق الاهداف المطلوبة، ويبدو واضحا من موجهات النائب الاول ان التلفزيون فشل كما فشلت الاذاعة من قبل. ومحمد حاتم دخل في مشكلات ادارية ومالية جعلت اخبار التلفزيون تطفح في الشارع العام وفي الصحف، وكثرت المطالبات باعفاء سليمان، ولكن البعض يزعم ان سليمان مدعوم سياسياً اكثر من معتصم الذي تدرج وظيفيا الى ان الى منصبه الحالي، ولكن في النهاية كانت المحصلة واحدة، ذهبت وحدة السودان وانفصل الجنوب، ولم تفلح الاذاعة ولم ينجح التلفزيون، وتوجيهات النائب الاول لوزير الاعلام تشير الى ذلك، وكأنه يقول يجب أن نستفيد من التجربة السابقة. ونحن نقول يجب أن يذهب هؤلاء إن أردنا تنفيذ هذه التوجيهات كما ينبغي.